حول “حجم الفساد” المزعوم في قطاع الطاقة، والبينة عليه!
تانيد ميديا : سألت اليوم المدير السابق للطاقة الذي جاء به الاتهام شاهدا عن الحالة التي وجد عليها قطاع الطاقة يوم تعيينه بداية سنة 2011 والحالة التي تركه عليه يوم مغادرته سنة 2020 فقالت له المحكمة إنه غير ملزم بالرد على سؤالي. وها أنا أتولى مهمة الرد على ذلك السؤال الفيصل بين الحق والباطل. ذ/محمدٌ ولد إشدو.
كنا قد تناولنا نماذج مشرفة من “الفساد والنهب” في شركة سنيم التي اعتبر السيد النقيب مجرد ذكر اسمها دليلا قاطعا على فساد العشرية الذي ادعاه وروجه المفسدون الحقيقيون بغية تشويه سمعة العشرية وقائدها وعهده الوطني الزاهر الميمون، وبغية تضليل وإلهاء الرأي العام بالأكاذيب والسفسطة عن الفساد الحقيقي والنهب الممارس الذي لا يبقي ولا يذر!
وسنتناول اليوم ضربا آخر من “الفساد والنهب” في حقل الطاقة وشركة صوملك، تواتر السيد النقيب ونائب تواصل نائب رئيس “لجنة التحقيق البرلمانية” السيد الصوفي ولد الشيباني على وجوده بصورة منقطعة النظير لحد أنه يكفي ذكر اسميهما للدلالة على ما يرمز للنهب والفساد الذي عانت منه البلاد خلال العشرية!
لقد سبق أن حدثكم السيد النقيب عن حجم الفساد والضرر الناجم عنه في العشرية مكتفيا بذكر اسم شركة صوموليك من ضمن أسماء شركات وقطاعات أخرى. لكن النائب الصوفي ولد الشيباني نائب رئيس لجنة التحقيق البرلمانية ذهب إلى أبعد من ذلك، ولا غرو! فقال:
“إن صفقات قطاع الطاقة وخصوصا ما يتعلق منها بالجهد العالي كان من بين أكثر ما فاجأ اللجنة خلال عملها.
وشدد ولد الشيباني في مقابلة مع الأخبار على أن الفساد في ملف الطاقة خلال عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كان كبيرا!
كما لفت إلى أن الصناديق التي تقترض منها موريتانيا خاصة السعودية تشترط أن يكون تنفيذ المشاريع من طرف شركات سعودية، مشيرا إلى ملاحظة فروق كبيرة في الأسعار بين العروض تصل إلى حوالي 40 مليون دولار في بعض الصفقات.
وعن أسباب هذا الفارق أشار ولد الشيباني إلى أن اللجنة اكتشفت أنه لا أجوبة إلا أن هذه عمولات للسعوديين!
وأكد نائب رئيس لجنة التحقيق على أن موضوع الصفقات يتم حسمه ليس عن طريق مناقصة وإنما بأمر رئاسي، وأحيانا فإن الوزير المعني ليس على علم بذلك. الخسارة كبيرة والأسلوب لا يحترم الإجراءات والمساطر، حسب تعبيره” (ملخص “الأخبار” من فيديو بتاريخ 5 أغسطس 2020 الساعة الثالثة وتسع وثلاثون دقيقة).
فما هي حقيقة الأمر إذن؟ إليكم القصة كاملة:
لعل بعضنا، رغم ما نتهم به من ضعف الذاكرة، ما يزالون يتذكرون أنه في الزمن الذي جاء فيه الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة كانت مدينة نواكشوط غارقة في ظلام دامس. وكان أكثر المتفائلين بمن فيهم الرئيس السابق رحمه الله لا يرون بحال من الأحوال إمكانية وجود حل ناجع لتلك المعضلة على المدى المنظور؛ مثله مثل وزير المياه في مقابلته الأخيرة حول العطش في نواكشوط!
وكانت صومولك منذ أمد غير قصير تسجل خسارة سنوية قدرها سبعة مليارات أوقية. وكانت الدولة تقدم لها دعما سنويا قدره ثمانية مليارات. وكان كل ما لديها في نواكشوط 6 مولدات قديمة متهالكة في عرفات طاقتها 42 ميغا وات نظريا. ولم تكن توجد شبكات توزيع إلا في بعض أحياء المدينة، وكانت متهالكة هي الأخرى.
وكانت حاجة مدينة نواكشوط وحدها من الطاقة تزيد على ضعف الموجود.
وفي السنة الأولى من حكمه تم تنفيذ مشروع كان تحت الإنجاز طاقته 10،5 ميغا وات.
وبهمم الرجال التي لا تني ولا تعرف المستحيل، بدأ البحث الجاد، ليس عن حل مشكلة نقص الكهرباء في العاصمة فحسب، بل وعن امتلاك ناصيتها، وتعميمها في مختلف أنحاء الوطن، ثم تصديرها إلى الجوار. وفي نطاق ذلك تم ما يلي:
• اقتناء محطة جاهزة بطاقة 36 ميغاوات كانت قد اشترتها العراق لكنها تخلت عن الصفقة بسب المشاكل. وذلك بتمويل من الصندوق العربي للانتماء الاقتصادي والاجتماعي (فادس) وجرت مناقصة فازت فيها شركة بريطانية أنجزت العمل على أحسن ما يرام. وبذلك اقتربنا من توفير حاجيات نواكشوط من الطاقة.
• وفي نفس السنة أعلنت مناقصة لإنشاء محطة هجينة (تعمل بفيول والغاز) طاقتها 120 ميغاوات، بتمويل من البنك الإسلامي سعودي؛ كان العرض الأقل فيها من نصيب شركة إسبانية يمثلها رجل أعمال موريتاني. لكن المهندس المشرف على دراسة العروض رأى بالأدلة والبينات أن شركة نيرلاندية كانت تلي الإسبانية هي الأجود من حيث المعدات والخبرة، فأعطيت الصفقة. هنالك تحرك السعوديون بتدخل من نافذين موريتانيين وأثروا على البنك الإسلامي فتراجع عن تمويل المشروع. فقررت الدولة تنفيذ المشروع على حساب ميزانية الدولة. وبعد أن سددت بعض الأقساط، وإثر تحقيق في مزاعم أثيرت في الموضوع، أدرك الإسلامي خطأ وزيف ما أشيع عن دوافع منح الصفة لتلك الشركة، فجاء مديره إلى موريتانيا معتذرا وعارضا تمويل المشروع من جديد.
• ثم تمت مع نفس الشركة زيادة طاقة المحطة إلى 180 ميغا وات، بدل 120.
• كما تم إنتاج خمس ميغاوات شمسية هدية من الإمارات العربية إثر زيارة قام بها الرئيس للإمارات.
• وبتمويل آخر من فادس وإثر إجراء مناقصة تم إنجاز محطة هوائية طاقتها 30 ميغاوات.
• وإثر طلب موجه إلى الصندوق العربي بتمويل محطة شمسية طاقتها 25 ميغاوات مولوا المشروع بخمسين مليون دولارا. فلما جرت المناقصة كلف المشروع نصف المبلغ وبقي نصفه، فطلبت الدولة من الممول السماح لها باستثمار المبلغ الباقي في إنتاج 25 ميغاوات أخرى فوافق فكانت محطة توجونين الشمسية بشارع المقاومة بطاقة 50 ميغا وات.
• وبنفس الإرادة ونفس النهج أقيمت محطة هوائية تنتج 30 ميغاوات في الرياض.
• وكذلك أخرى طاقتها 100 ميغاوات هوائية في بلنوار.
وهكذا انتقلت موريتانيا في “عشرية الفساد” من وضعية المولدات الستة المهترئة بطاقة 42 ميغاوات نظرية، لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن النقص الحاد في شبكات التوزيع، وتهالكها، إلى: 436.5 ميغاوات بالإضافة إلى 42 ميغاوات القديمة. وأصبحت لديها شبكات توزيع حديثة تغطي كافة أنحاء العاصمة وكبريات المدن التي عرفت تمددا كبيرا بعد إزاحة مدن الصفيح وتوزيع القطع الأرضية على الفقراء واستصلاحها.
وأصبح لديها فائض كبير قررت أن تستفيد منه مدن الداخل كنواذيبو وزويرات مثلا وأن تصدره لدول الجوار كالسنغال ومالي. وذلك عن طريق بناء خطوط جهد عال كان أولها خط نواكشوط نواذيبو.
ولهذا الخط حكاية طريفة. فقد مولته السعودية واشترطت في تمويله أن تنفذه شركة سعودية. فأجريت مناقصة فازت فيها شركة سعودية تتعامل مع مقاول هندي خبير ومصنع في آن.
وعندما جاؤوا لتنفيذ المشروع تدخل “الوسطاء” الموريتانيون كعادتهم بين الطرفين فأفسدوا ذات بينهما فتخلى السعوديون عن الشركة الهندية. الشيء الذي جعلها في ورطة بسبب تخلي شركائها عنها واحتمال فقدانها لضمانة مودعة لدى موريتانيا تبلغ 20 مليون دولارا. ولم تقم الشركة السعودية بإنجاز المشروع. فاتصلت الشركة الهندية بالدولة الموريتانية وعرضت عليها تمويل المشروع من طرف ممول هندي فوافقت مبدئيا على العرض. فجاءت الشركة الهندية بممول هندي. عندها غضبت الشركة السعودية فقال لها الموريتانيون: إنكم لم تنجزوا العمل. فرد بعضهم: لأن الممول السعودي قد تخلى عن تمويل المشروع. عندها اتصلت موريتانيا بالممول الهندي والشركة الهندية واتفقت معهم على تكلفة أقل مما كان الممول السعودي سيمول به المشروع بأربعين مليون دولارا. ولعل هذا ما وظفه نائب تواصل في حربه على السعودية وعلى العشرية، دون أن يعي ما يقول!
ولما رأى السعوديون ما حدث اتصلوا بموريتانيا من جديد مبدين استعدادهم لتمويل خط نواكشوط ازويرات في شراكة مع الإمارات فأجريت مناقصة دولية فازت بها شركة صينية.
وجرى تشييد خط جهد عال آخر بين نواكشوط وتوبي مولته فادس وفازت بصفقته في مناقصة الشركة الهندية آنفة الذكر.
وانطلاقا من هذه الوضعية أصبحت موريتانيا تصدر الكهرباء للسنغال ومالي. فلقد أنجز رئيس العشرية ما وعد به في حديثه في 28 نوفمبر 2013 مع الوكالة الموريتانية للأنباء الذي اعتبر يومئذ مستحيلا.
وفي السنوات الأخيرة من العشرية أوقفت الدولة دعمها لصوملك وذلك بعد تحريرها من كافة “حقوق الارتفاق” التي كانت ترهقها، وبعد تحقيق هذه الإنجازات العملاقة؛ وألزمتها بوقف الخسارة السنوية، وبالمشاركة النشطة في تسديد ديون الاستثمار.
ذلك هو الفساد الذي يتحدث عنه السيد النقيب والسيد النائب في إطار حملة رهطهما ضد العشرية وعهد الرئيس عزيز الزاهر. لم يقدم النقيب من الأدلة إلا ذكر اسم صوموليك. وتقدم النائب بادعاء جعلنا نتساءل بعد هذا السرد الذي تقدمنا به، وبعد توضيح معالي الوزير السابق الطالب ولد عبدي فال الذي سنورد مقتطفات منه، عما إذا كان حضرة النائب يفقه شيئا عن القطاع الذي فضل الحديث عنه!
يقول معالي الوزير الطالب ولد عبدي فال في معرض محاولة توريطه من طرف نفس الجهات: “لقد قبلت إدارة الشركة الموريتانية للكهرباء لما عرض الأمر علي، بعد اعتذاري سنة 2008 حين عرض علي منصب وزير الصناعة والمعادن، وبعد سنة من ذلك عينت على رأس الشركة الوطنية للصناعة والمناجم سنيم، وفي مرحلة لاحقة أخذت مقاليد وزارة الطاقة والبترول والمعادن حتى أواخر سنة 2013.
وأغتنم هنا هذه الفرصة لأشيد بكفاءة ومهنية كل الذين تعاونوا معي في تلك المهام، فهم من يرجع إليهم كل الفضل في نجاح هذه التجربة.
خلال عملي إداريا مديرا عاما لشركة سنيم أشرفت على مشروع “كلب 2″ وكان غلافه المالي يقترب من مليار دولار، ولم تشب صفقات هذا المشروع الضخم أي شائبة؛ ولم يكن محل أي تدخل من طرف نافذين أو مقربين من دوائر الحكم آنذاك. وكما أكد الأمر أمام لجنة التحقيق المسؤول التجاري لشركة سنيم، لم تسجل أي ضغوط أو تدخلات للتحكم في الخيارات التجارية للشركة فترة تواجدي على رأسها.
وقد عرفت إدارتي دفة وزارة الطاقة والبترول والمعادن صياغة وتفعيل منظومة قانونية جديدة للسياسات البترولية بموجبها استقطبت بلادنا عددا معتبرا من كبار المستثمرين وعمالقة المختصين في تقنيات التنقيب والاستخراج، وآلت هذه الجهود إلى اكتشافات مهمة في أعماق الحوض الساحلي، من بينها حقل السلحفاة العملاق. كما أفضت تلك السياسة إلى صدور عدد من رخص الاستخراج من أهمها (آسكاف، بومي، ورخص لكوارتز) ثم إلى إنشاء شركة إنتاج الكهرباء من الغاز (SPEG).
وإبان نفس الفترة تصدرت موريتانيا بلدان المنطقة في اعتماد وتطوير الطاقة المتجددة وذلك بتفعيل أهم حظيرتين لطاقة الرياح (30 ميغاوات) والطاقة الشمسية (15 ميغاوات). ولم تشب أي من كل هذه الصفقات شائبة، لا من جانب المسطرة القانونية ولا من منظور الجودة.
وفي شهر يناير 2013، وبعد أن أشرفت أعمال شق الطريق الجديدة وتوسعة طرق أخرى وبناء منشآت عمرانية من أرصفة ومراتب على الاكتمال، طرحت السلطات قضية إنارة بعض شرايين العاصمة نواكشوط. وتحاشيا لشق قنوات مكلفة وإتلاف طرق معبدة، انتهى الخيار إلى اقتناء مصابيح شمسية مستقلة التشغيل. وكان هذا هو أرشد خيار متاح، لاسيما أن رئاسة الجمهورية ـ حسب مسؤولي شركة الكهرباء ـ كانت قد اقتنت نفس التجهيزات وأكدت رضاها عنها، تكلفة وجودة.
وباقتراح من شركة الكهرباء وطبقا لاتفاقية مبرمة مع وزارة المالية، أجازت وزارة الطاقة والنفط والمعادن هذه الصفقة، وذلك تمشيا مع المسطرة والترتيبات القانونية المعتمدة، إلا أن اللجنة المركزية لشركة الكهرباء سجلت تحفظها على كون المورد قد عبر عن عدم استعداده لدفع الضمانة المالية المعتمدة في الصفقة (1،8 مليون دولارا).
ولكيلا تضيع هذه الفرصة سارعت كل من لجنة رقابة الصفقات وإدارة التشريعات والمصالح المختصة في وزارتي المالية والطاقة، سارعت كل هذه الجهات باقتراح صيغة توافقية سمحت بإرضاء الجميع، وهو أمر تطلب مصادقة خاصة من مجلس الوزراء المنعقد يوم 21 فبراير 2013.
ومن وجهة نظري، وعلى مستوى وزارة الطاقة والبترول والمعادن، لم ترتكب أي مخالفات في هذه الصفقة؛ وقد تم إنجازها دون حاجة للعودة لمسألة الضمانة المالية التي كانت لب الإشكال…”