وقائع جلسة محاكمة السيناتور السابق محمد ولد غدة
تانيد ميديا : دخل محمد ولد غدة على القاعة وقدموا له كرسيا مكسور الظهر وبدأ الكلام ولم يستطع أحد سماعه، فارتفعت الأصوات مطالبة بمكبر وبعد دقائق قدم أحدهم ومعه بوق من النوع الذي يحمله باعة الرصيد ويتميز برداءة الصوت واضطرار المتكلم لموازنة المسافة بين فمه والمكبر فينعدم الصوت إذا تجاوزها أو يتحول الى فرقعات إن اقترب كثيرا.
أخذ ولد غدة يتحدث عن منظمة الشفافية التي أسست لمحاربة آفة الفساد الذي ينخر البلد والحاجة الى كشف القضايا وأوضح أن قانون الفساد يطالب المجتمع المدني بالمشاركة في محاربته.
بدأ الحديث عن الصفقة التي يتعرض لها وأوضح ضخامة مبلغها وبدأ في شرح بعض التفاصيل في الملف ليؤذن المغرب وتنصرف المحكمة لأداء الصلاة.
عاد الجميع للقاعة وطالب محمد ولد غدة بتبديل الكرسي مكسور الظهر فمن الواضح أنه عانى كثيرا منه حيث كان مجبرا على الثبات مستقيم الظهر بدون تحرك وموازنة مسافة البوق في يده في نفس الوقت وعرض الوثائق والحديث ، بحث طاقم المحكمة عن مقعد وجاءوا بنصف واحد بدون ظهر مركب فوقه نصف آخر علوي منتزع من كرسي مكسور.
استمر الحديث حول الملف واسترسل ولد غدة في إعطاء التفاصيل حول الفساد، تحدث عن كميات ضخمة يستحيل ان توجد في الممر لخزان شلخة التياب الذي لم تكن هناك حاجة له أصلا لأن الشركة المصرية المنفذة مهدت الطريق للشاحنات التي كانت توصل مواد بناء الخزان ، وأوضح أن الممر الذي لا يتجاوز طوله 380 مترا بسمك 25 سنتيمتر وبعرض 6 أمتار تمت فوترة كمية 4396 متر مكعب من الاسمنت لإنشائه في الوقت الذي يحتاج فعليا ل 570 متر مكعب، وإذا وضعت الكميات التي تمت فوترتها فيه فإن سمكه سيصل الى عدة امتار وستحتاج السيارات للمرور فوقه لرافعات توصلها لأعلاه. كما أوضح ان المبلغ المصروف بلغ 699 مليون أوقية ل 380 مترا بعرض 6 أمتار و بين أن المفاجأة المذهلة في النهاية أن الشركة لم تقم باحترام 25 سنتيمتر التي يفترض ان تكون سماكة الممر إذ تبين بعد القياس أن السماكة المنفذة بالضبط 15 سنتيمتر.
بعد ساعة من العروض وتقديم الملفات والصور للقاضي جاء شرطي ومعه مكبر صوت ومعه ميكرفون لا سلكي وتم التخلص من مكبر باعة الرصيد، أصبح الصوت أفضل بكثير، تميز المكبر الجديد بأنه يحتوي على أضواء لامعة تتغير باستمرار مما يعطي انطباعا مرحا لقاعة المحكمة تجعلها تشبه المراقص الليلية مما خفف بعض الكآبة التي سببتها الأرقام والوثائق والمبالغ الضخمة التي يتحدث ولد غدة عن اختلاسها.
استمر عرض المتهم وكان كل بضعة دقائق يتقدم نحو منصة القاضي ليقدم صورا أو ملفا، تحدث عن حنفيات تضاربت ارقامها وأوضح فواتيرا بعشرة ملايين لصباغة خزانات مياه مبينا انه تمت صباغتها من شركة المياه عند زيارة الرئيس وعن تضارب في أعداد ما تم تسليمه من حنفيات وما تمت فوترته وعن تسلم لمبالغ تنفيذ الأشغال قبل آجال التسليم والكثير من التفاصيل التقنية، والمالية وبعد انتهائه من الحديث أخذ القاضي يطرح عليه بعض الأسئلة.
لم نسمع كلام القاضي لأنه لم يستعمل المكروفون وكانت إجابات ولد غدة تتمحور حول انه ربما حدثت أخطاء في التقرير المقدم للمرة الأولى وأن هذا طبيعي لصعوبة الحصول على المعلومات، وانه لا يمكن حصر قضية تكشف فسادا لأن بعض الأرقام يختلف اختلافا طفيفا.
كما استرسل في الجواب على سؤال يتعرض لمطالبته بكشف مصادر معلوماته وأوضح رفضه لما قد يشكل خطرا على المبلغين.
مع نهاية حديثه ارتفع صوت من المكبر بلغة إنجليزية بلكنة صينية تعلن أن شحنة البطارية انتهت، ليأتي أحدهم ليحمله بعيدا عن القاعة لنعود لمشكلة ضعف الصوت.
طيلة كلام ولد غدة لم يكن الإحساس بالناموس قويا ربما لتركيزي على ما يعرض ، ولكن بمجرد نهاية كلامه لاحظت أن الجميع يتفنن في إخفاء أعضاء جسده تحت الدراريع والملاحف، اعتمدت استراتيجية فعالة وهي ان اثني رجلا لتغطي الدراعة القدم واستمر بهز الرجل الأخرى بدون توقف وبعد دقائق أبدل للأخرى.
كما اخفيت يدي تحت الملابس، ولكن للأسف لم اجد حلا للرقبة ولا الوجه سوى اخراج اليدين بين الفينة والأخرى، إلا أنه وبعد دقائق لاحظت أن بعض الناموس لا يبالي باهتزاز الرجل، ولفت انتباهي ضخامة حجمه وبطء حركته فصرت أتعامل معه عبر ازاحته بيدي مع تجنب قتله لكي أنجو من تلطخ رجلي بالدماء كما حدث لي في البداية.
طلب القاضي من مدير الشركة التي تشتكي ولد غدة بالقدوم للمنصة لطرح بعض الأسئلة عليه فتعالت أصوات دفاع الشركة محاولة ثنيه عن الحديث وفي النهاية اعتذر عن الكلام.
بدأ أول المحاميين عن الشركة في الحديث وكان صوته مسموعا وركز على عدم دقة المعلومات وأوضح أن ولد غدة قال أن الممر 380 متر وهو 310 فقط وأخذ يشكك في مصادر ولد غدة و يشير لأنها من نسج خياله واتهم ولد غدة أنه تعمد تشويه الشركة لأنها فازت على إبن عم له كان ينافس للحصول على الصفقة، وأطال واسترسل، و جاء محام آخر و أشار لتناقضات في تصريحات ولد غدة في المحاضر وإلى خرقه للقانون الداخلي للمنظمة الذي ينص على ان التعامل مع الاعلام ليس من تخصصه ، وإلى أن الترخيص الحاصل عليه للمنظمة يجعل اختصاصها لا يتجاوز نواكشوط الشمالية والغربية والجنوبية وليس لها الحق في التحقيق خارج هذه المناطق ، وطعن في صدقية بعض الوثائق التي تقدم بها ولد غدة وبين تضاربا في التقارير التي استشهد بها من أحد الموثقين.
عاد الحديث لولد غدة ورد على ما تعرض له دفاع الشركة من أنه دخل هذا الصراع من اجل فشل قريبه في الحصول على الصفقة، وأوضح أن صاحب الشركة التي لم تفز هو فعلا ابن خالته، ولكن هل يعقل ان يدخل كل هذه المشاكل ويرمى في السجن لأجل صفقة ابن خالته؟
كما تعرض لتفسير سبب الخطأ في رقم طول الممر وأن قصره يفاقم مشكلة ضخامة سعره وأنه اعتمد رقما في الملفات وأن الأمر لا يغير حقيقة ما قيم به من اختلاسات ودافع عن عدم كشف مصادره لأنه غير مستعد لتعريضهم للخطر في الوقت الذي لا يبالي بأن يمضي هو سنوات في السجن.
بدأ وكيل الجمهورية في الحديث، ولكن للأسف لم أسمع من حديثه سوى كلمة “النيابة العامة” وبعدها اضطررت للخروج للحمام.
سألت أحد رجال الشرطة فدلني على حمام قريب ،فأوضح له زميل له أنه ليس به كهرباء ورافقني لآخر قرب بوابة الخروج، وأخذ يحدثني عن معرفته بي من مثول سابق لي امام قاض التحقيق وأعتذر لي مسبقا عن حالة الحمام.
فتحت الباب، كان المنظر بشعا وأفظع منه بمرات الرائحة و لم تكن توجد حنفية بالداخل ويوجد سطل مكسور أزرق به القليل من الماء.
عرض على الشرطي جلب الماء فأوضحت كفاية الموجود لأن حاجتي البيولوجية انعدمت أمام إحساسي بإمكانية الإغماء من تأثير الروائح وقفلت عائدا للقاعة.
تقدم مدير الشركة للمنصة للحديث، فيبدو أنه أدرك ان امتناعه عن الكلام نقطة قد تسجل عليه وركز كلامه على التشكيك بكلام ولد غدة ووثائقه.
في الختام وقف أحد المحاميين الذي يبدو أنه قرر عدم الامتثال لقرار ولد غدة الرافض لحديث أي محامي من طرفه، وتكلم قائلا:
ولد غدة اتهم هذه الشركة بالفساد والشركة اتهمته بالافتراء، كان على القضاء من البداية التحقق عبر تكليف خبراء من صحة ما قال ولد غدة بدل سجنه.
على المحكمة الحالية تصحيح خطأ سابقتها والقيام بتكليف مختصين بالتحقق من المعلومات على أرض الواقع، فإن ثبتت صحة اتهامات ولد غدة فلا معنى للافتراء وإن ثبت أنه مخطئ فيمكن وقتها الحكم عليه.
بعدها أمر القاضي بخبرة فنية ورفع الجلسة وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل ،خرجت للساحة حيث ارتفعت الزغاريد بمجرد توجه محمد ولد غدة لسيارة الشرطة.
عبدالرحمن وداد