د. يحي ولد البراء لموقع الفكر: لم تجد موسوعتنا الإفتائية تفاعلا واضحا من الجهات الرسمية( مقابلة)
تانيد ميديا : تعتبر الموسوعة الإفتائية للدكتور والباحث يحي ولد البراء معيار هذا القرن، لأنها تحتل مكانة سمية في تاريخ الإفتاء في الغرب الإسلامي، ولذلك حرصنا أن نقابله رغم كثرة مشاغله وضيق وقته الذي يقسمه مناصفة بين المطالعة والتأليف والتدريس.
وفي مقابلته مع موقع الفكر قال الدكتور يحي البراء إن لمرابط محمد سالم بن المحبوبي طيب الله ثراه، هو من أشار إليه بجمع هذه النصوص فكانت هذه هي بدايته مع هذا العمل.
وتحدث ولد البراء في هذه المقابلة عن الحقب الإفتائية في هذه البلاد، وعن المسار الذي سلك في تأليف وجمع هذه المادة العلمية الضخمة، وعن المصاعب التي واجهته في سبيل البحث: من أسفار ومن زاد معين على السفر، وبعد ذلك مرحلة التثمين التي يحتاجها هذا الجهد العلمي الكبير، من حفظ وطباعة.
وهذا نص المقابلة.
موقع الفكر: ما تزال موسوعتكم الإفتائية التي يمكن اعتبارها معيار هذا القرن تحتل مكانة سامية في تاريخ الافتاء في الغرب الإسلامي
حدثونا عن المسار الذي أخذتم في تأليف وجمع هذه المادة العلمية الضخمة؟
الدكتور يحيى البراء: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين.
أشكركم أولًا على استضافتي للمشاركة معكم في تهيئة مناخ ثقافي وعلمي، بالنسبة للسؤال الذي طرحتم حول الموسوعة سوف أحدثكم عن مولدها فهذه الموسوعة بدأت خيوطها الأولى سنة 1985، وكنت اذ ذاك أتردد على الشيخ محمد سالم بن المحبوبي رحمه، لأقرأ عليه مجموعة من الفتاوى لمجموعة من العلماء، وذات مرة قال لي ينبغي ان تحاول جمع هذه النصوص فكانت هذه هي بدايتي مع هذا العمل، ثم بعد ذلك بدأت العمل في جمع هذه النصوص ووصلت الى مرحلة أصبحت عندي مدونة معتبرة، حجمها حوالي ثلاث مجلدات فحينئذ بدأت بالفعل استحث السير من اجل إنهائها وطباعتها، وبالطبع عملية الجمع عملية صعبة لأن الناس على ثلاث فئات:
الأولى فئة لايبخلون بما عندهم ويعطونه، وهذا مما ساعد في جمع مادة هذه الموسوعة.
الثانية فئة يحبون أن لاتضيع وثائقهم كما حصل لهم في حالات سابقة وبالتالي يفضلون نسخها مباشرةً بالرغم من صعوبة التصوير آنذاك وفئة لم يستجيبو لطلبي، إما لعدم تقييمهم لأهمية الموضوع وأما لأنهم لايريدون خروج ما عندهم، إلى غير ذلك، وقد تنقلت تنقلات كثيرة في عموم هذه الأرض المسماة موريتانيا قراها وولاياتها وبدون شك فقد استطعت بفضل أولا وأخيرا الولوج إلى أماكن فيها فتاوي تارةً مفردة وتارة متعددة وأتأكد الآن أنها لم تعد موجودة لأنها في وضعية من الناحية المادية متهاوية ولأنها كذلك عند أناس لايقدرونها حق قدرها.
وعندما تجاوزت مرحلة موريتانيا كنت أريد لهذا العمل ان يكون خاصا بموريتانيا ولذلك كان اقتراح عنوانه الأول هو:المعيار المحيط الجامع لفتاوى أهل بلاد شنقيط، ولكن عندما تقدمت في الجمع وجدت أن هنالك نوازل طرحت في مكان قصي من الشمال القصي وكان الجواب عنها في المجال الجنوبي الخارج عن الخارطة الموريتانية الحالية، وعلى سبيل المثال فقضايا عدائل الملح هل هي عملة أم طعام طرحت هذه النوازل في اگليميم وتيندوف واجيب عنها في تيشيت واجيب عنها في سيغو المالية. وهنالك نوازل طرحت في شنقيط واجيب عنها في فوتاجالو، لهذا فكرت أن هنالك دائرة تمثل وحدة ثقافية متكاملة تخرج عن الخريطة الموريتانية.
وعندما توسعت دائرة المعاينة لوجود نوع من المحاورة الافتائية بين شعوب مختلفة لهذه المنطقة عندئذ فكرت في كيفية القيام بزيارات ميدانية لهذه البلدان التي ذكرت، جنوب المغرب وجنوب غرب الجزائر، ومالي، والسنغال ومنطقة فوتاجالو، فهذه المنطقة توجد فيها ثماني مكونات بشرية أساسية هي: البيظان والطوارق، والسونغاي والبمبارة والسوننكي والوولف واتكارير والمارينكا.
إذا هذه هي المجموعات البشرية الكبرى هي التي طالها هذا العمل، وقد حاولت ان يغطيّ ما استطعت وجوده من فتاوى تتعلق بها، وهذه المجموعات توجد في هذه الدائرة التي ذكرت لكم أي دائرة جنوب المغرب وجنوب غرب الجزائر وموريتانيا ومالي والسنغال وفوتاجالو.
وعندما توسعت دائرة المعاينةهذه بدأت أفكر في زيارة هذه الأماكن التي تحتاج زيارتها الى وسائل مادية لابأس بها، فتوجهت الى مجموعة من الهيئات الخيرية والإسلامية وطلبت منها المساعدة في تمويل الرحلات وشيء من هذا القبيل ولكنها لم تستجب لذلك، وبعد ذلك اتصلت بأستاذ الماني مستشرق من جامعة فرايبورغ يهتم بموريتانيا وقال لي إنه سوف ينظرفي الأمر، وبعد شهر من عودته إلى بلده اتصل بي وقال إن هناك مؤسسة ألمانية قبلت تمويل البحث مدة سنة وهكذا استطعت الوصول الى تيندوف واگليميم وسيغو وتمبكتو وإلى هذه المناطق المتعددة التي أبحث فيها عن هذه الفتاوى.
كانت هذه الزيارات الخارجية بين عامي 2002 و2004 وبعد ذلك ربطني هذا الأستاذ الألماني مشكورًا بأستاذ في جامعة كورنل بالولايات المتحدة الاميركية يهتم بالفتاوى الفقهية في الشمال الإفريقي، حيث قام بدراسات حول معيار الونشريسي واستطاع هذا الأخير كذلك ان يجد وسائل مادية تكمل البحث في منطقة فوتاجالو والسنغال، عندئذ اكتملت لدي الصورة الأولية من المادة وأتيت هنا إلى موريتانيا وكنت أعد مقالا لمجلة أميريكية حول دور رجال الأعمال الموريتانيين في الحراك السياسي، حيث كتبته بالفرنسية وتُرجم الى الإنجليزية، وبطبيعة الحال اقتضى هذا المقال مني مقابلة مجموعة من رجال الأعمال وقابلتهم على أساس المسار الذي سلكه رجل الأعمال، لذلك أخذت أربعة نماذج كل واحد منهما يمثل مسارًا معينًا ومن بينهم المرحوم الشريف مولاي الحسن ولد المختار الحسن وهنا أتوقف لأترحم عليه ولأبين مدى اهتمامه بالعلم لأنني تحدثت معه كثيرا في الموضوع وكان له حسٌّ ووعيٌ كبير جدًا بأهمية العلم، لاشك أنه يستحق التنويه والإشادة، وعندما قابلته قال لي إنه قرأ لي كتاب يسمى: الفقه والسلطة، وأنه أُعجبَ به وتكلمنا في الموضوع ثم سألني ماذا تعمل الآن فقلت له إنني أعمل على مشروع طموح لجمع مدونة للفتاوي في هذه المنطقة، فقال لي أرجو منك إذا أمكن ان تعد لي ورقة حول هذا الموضوع، وبالفعل أعددت له تقريرًا من ثماني صفحات حول الموضوع، واتصل بي بعد ذلك شخص يدعوني للقاء المرحوم، وبالفعل جئته في منزله وبدا لي أنه من اهل الثقافة والعلم ويتحدث عدة لغات، وقد تحدثنا في الموضوع وحدثني أنه يهتم بنشره وعندما قال لي إنه يهتم بنشره قلت له إني جد مسرور بذلك وإنني أيضا مستعد لجميع طرق النشر يعني إما أن ينشره ويعطيني نسبةً من النسخ او نحو ذلك فقال لي إنه يريد نشره لوجه الله تعالى ولنفع المسلمين، ولايريد منه جزاء ولا شكورا، ثم قال لي ولكن أريد منك ان تقبل أن نقوم بنشره محليًا أولًا لأنك كما قلت لي مازلت تعمل على المجلدين الأولين الخاصين بدراسة وتراجم الأعلام و لم تنتهِ منهما بعد، فيبدو لي أنه من الاحسن أن تكون الطبعة الأولى هنا لكي تكون أنت على مباشرة واتصال بالمطبعة، ثم قال لي بعد ذلك يمكن ان نفكر في طبعة مجلدة دولية.
قبلت اقتراحه وكان أول ما صدر منه هو المجلد الثالث الذي هو بداية الفتاوى لأن المجلد الأول كان حول المالكية والاشعرية والتصوف في موريتانيا والمنطقة والمجلد الثاني كان حول تراجم المفتين الواردة في المدونة ويبلغ عددهم حوالي 900 مفتي، وابتداء من المجلد الثالث وحتى الثاني عشر هذا كله عبارة عن الفتاوى وللعلم فالمجلد الثالث خاص بفتاوى العقيدة، وقد اخترت أن يكون على نمط ومعيار رسالة ابن أبي زيد: العقيدة ،الفقه..
إذا، كان المجلد الأول للعقيدة والثاني للطهارة والصلاة والثالث كان للزكاة والصوم والحج والرابع كان للجهاد والأيمان والموالي كان للأنكحة والموالي كان للبيوع وهكذا الثاني عشر كان للدماء والوصايا والترائك وفيه أيضا فتاوى التصوف.
وأتيت بأول ماخرج من المدونة إلى المرحوم الشريف مولاي الحسن وبعد أربعة ايام اتصل بي وقال هذا كتاب مفيد وممتع لأنه “سياحة في عقول الرجال على مدى خمسة قرون”.
بعد ذلك تتابع النشر وخرج في طبعة أجمع القراء خاصة خارج البلاد على مأخذين على الكتاب هما عدم جودة الطباعة وأنها تحتاج إلى فهرسة المسائل الفقهية.
خرجت هذه الموسوعة في العام 2010، في 300 نسخة تقريبا واستفاد منها الناس عموما، وجمعت عندي بعد عدد وفير من الفتاوى يصل لثلاث مجلدات كل مجلد به أكثر من 700 صفحة، من الفتاوى الجديدة وهي في حيز الطبع لتكون مكملات للموسوعة، وقد اهتم بها الباحثون الغربيون وغيرهم بها، …
موقع الفكر: ماصحة الفتوى التي وردت في موسوعتكم، وفحواها جواز التيمم لفاقد الماء الذي لا يجد ه إلا عند أنسابه( أصهاره)؟
الدكتور يحيى البراء: هذه الفتوى لفقيه من أعلم فقهاء القرن الثالث عشر هو سيدي لمين ولد محمذن ولد أحمد ولد العاقل، يقول في رجل دخل عليه وقت الصلاة وليس على طهارة ويتحرج من طلب الماء من اصهاره، حيث أفتى فيها أن المشقة النفسية أولى من المشقة البدنية، فإذا كانت المشقة البدنية في جلب ماء الطهارة معتبرة، فأولى أن تعتبر المشقة النفسية أقوى من البدنية ، وفي هذه الحالة يجوز له التيمم،وح ول هذه النازلة، أذكر أنني سألت الشيخين اباه ولد عبدالله و محمد الحسن ولد أحمدو الخديم عن حكم هذا المستفتي فأجاباني أن ذلك لأهل ذاك الزمان أما الآن فيلزمه الوضوء ولو أدى ذلك إلى طلبه للماء من عند أصهاره، فلا يجوز إلا سؤالهم.
موقع الفكر: ما الأجيال الإفتائية او التحقيب الإفتائي الذي تسمح به قراءة المدونة والنظر في اتجاهاتها؟.
الدكتور يحيى البراء: هذه المدونة غطت جميع أبواب الفقه، ومنهجيتها كانت هي الإتيان بالباب وداخل الباب هناك مباحث وتفصيلات، فإذا كنا في باب الصلاة سنأتي بالجماعة واحكام السهو، واحكام الصلاة في الطائرة، عننما مسألة بغد الصلاة على الميت نقله، وكذا بعد دفنه، فكل باب نأتي بالنوازل المتعلقة به، ثم نأتي بعد ذلك بمبحث يتضمن الحوارات التي تحدث في الموضوع، وفي كل باب يكون الترتيب زمنيا بحسب الأقدمية.
هناك ثلاثة أجيال متمايزة في مجال الفتيا، فهنالك:
الجيل الأول:غطت هذه المرحلة 5 قرون، ابتداء من نهاية القرن 9هج إلى 12هج، كانت الفتوى فروعية إلى حد كبير، لاتجد ذكرا للأصول ولا رجوعا إليها في الغالب.
الجيل الثاني: ابتداء من القرن 13- تجد إلى حد ما، ذكرا للأصول وحتى ذكرا للخلاف خاصة ما يسمى بالخلاف العالي ( الخلاف بين أرباب المذهب).
الجيل الثالث: في القرنين ال14 و15هج، عندما تم الاحتكاك نوعاما بالعالم الإسلامي أخذت الفتاوى شكلا أكثر تأصيلا من ناحية الدليل.
موقع الفكر: ما الردود والاهتمامات التي نالتها المدونة من الباحثين والمؤسسات الإسلامية؟.
الدكتور يحيى البراء: بالرغم من أن الطبعة كانت محلية إلى حد كبير، فصداها وصل إلى مناطق كثيرة، فوجدت أناسا اهتموا بها ودرسوها، مثلا بعض الجامعات المغربيةجعلت مباحثها موضوعات لطلبة الدكتوراه، حيث تواصل معي أسا تذة من جامعة ابن زهر في مدينة أغادير، وأخبروني أن عندهم الموسوعة ويوزعونها على الطلبة تارة لإجراء دراسات اجتماعية وسياسية، وصوفية و فقهية وعقدية..
.وحتى في جامعة شنقيط العصرية فعندهم 5 أعمال ماستير من موضوعات الموسوعة، وكذا جامعة نواكشوط.
موقع الفكر: هل هناك احتفاء من الجهات الرسمية بالموسوعة؟
الدكتور يحيى البراء: الجانب الرسمي لم تجد الموسوعة تفاعلا واضحا.
وكنت وجهت رسالة لبعض الوزراء المعنيين بالشأن، لم أقابلهم، فقط أرسلت لهم رسائل، ولكنها لم تحدث ردة فعل تذكر.
موقع الفكر: وماذا عن الهيئات الدولية والرسمية؟
الدكتور يحيى البراء:تواصلت مع البنك الاسلامي للتنمية حيث كان يحضر لندوة في المغرب، وخلاصة رده أنهم لايهتمون بالفقه المذهبي، وبالتالي لا يمولون نشره، ومثل ذلك رد بعض الهيئات الخليجية.
وقد تواصل معي الجزائريون، أيام اختيار تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، يريدون طبعها، وتواصلت معهم في الموضوع وفي النهاية لم تكن نتيجة التواصل معهم مثمرة، ولم يترتب عليها شيء.
وفي المغرب تواصلت مع وزارة الأوقاف بشأن الموسوعة وطباعتها ومازلت انتظر منهم الرد.
موقع الفكر: ماذا تعني نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية؟
الدكتور يحيى البراء: هذا تقليد سنوي، في كل مرة يحتفل في مدينة من العالم الإسلامي كعاصمة للثقافة الإسلامية، يبدو لي أنه منطلق من منظمة التعاون الإسلامي.
وفي هذا السياق طلبت مني وزارة الثقافة خبرة تتعلق بالبرنامج العلمي الذي قاموا به، لأنهم أقاموا سلسلة من الف سؤال، تتعلق بالثقافة الإسلامية والمحلية، واللغة العربية.
وللتذكيرفقد طلبوا ألف سؤال و مع كل سؤال أربعة أجوبة محتملة، منها واحد صحيح و منها ثلاثة غير صحيحة.
وقد قمت بهذا العمل مع أستاذين وأعطيتهم المادة العلمية فقط، لأنني أشرفت على الجانب العلمي منها، كأنه محاولة لنشر الثقافة الإسلامية لأنها أول مبادرة وضعت في هذا السياق في عموم البلاد الإسلامية، ولذلك يبدو لي أنها كانت فكرة رائدة ومفيدة جدا، لأنها ستترك أثرا ماديا بعد نهاية هذه السنة الاحتفالية بالثقافة الإسلامية.
فقط أظنا أشرفت على الجانب العلمي من التطبيق هذا.
والتطبيق برنامج متوجه إلى قطاع الشباب في موريتانيا أوخارجها، كأنه نوع من الإثارة وتثبيت المعلومات.
موقع الفكر: تدرسون اللسانيات منذ فترة كيف تقومون مستويات الطلاب الجامعيين الذين تعاقبوا عليكم خلال تدريسكم الجامعي.؟
الدكتور يحيى البراء: أولا وقبل كل شيء أنا يبدو لي أن الطلاب الموريتانيون الذين درستهم في الجامعة يفتقرون مراجع يعتمدون عليها طبعا، فمن حيث المهارات و الاستعدادات العقلية يبدو أنهم على مستوى لابأس به من الاستيعاب والفهم، فهذه المادة عصية في ذاتها وقليلة في ترجماتها إلى العربية، وليست لهم مراجع حولها ولاتدرس في المسارات الدراسية السابقة على المرحلة الجامعية، فالمشكل الكبير يعود إلى غياب المراجع وضعف الاهتمام الذي يرجع إلى غياب المراجع وعدم وجود تكوين مستمر في المادة بشكل واضح.
طبعًا هناك طلاب تخرجوا وقدموا أطروحات في مادة اللسانيات في موريتانيا، ففي السنة الماضية كذلك قمنا بأطروحات في مرحلة الدكتوراه في مادة اللسانيات في تونس والمغرب وغيرهما.. وطبعا المشكل الكبير يعود إلى عدم توفر الإعدادات المادية واللوجستية اللازمتين للتدريس.
موقع الفكر: التدني الشديد في مستوى جامعتنا والتي تحتل ذيل الترتيب العالمي هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والثانوية أم في إدارة وتخطيط وتمويل قطاع التعليم العالي؟
الدكتور يحيى البراء: ترتيب الجامعات في العالم يخضع لمجموعة من الشروط منها شروط علمية ومنها شروط غير علمية، مثلًا اتساع ساحة الجامعة وعدد مبانيها وعدد الأجهزة فيها وعدد طلابها وأساتذتها وكتبها ومجلاتها، هذا كله من ضمن معايير التقويم في الجامعة، و حتى مانسميه، مال الجامعة، أي كم عندها من المال أو ميزانيتها هذا كله داخل في التقويم وطبعا الجانب العلمي معتبر، هذه الجامعة هل خرجت أستاذا او يدرِّسُ فيها أستاذا نال جائزة دولية ؟ هل خرجت أستاذا أو فيها طلاب قاموا ببراعة اختراع ومن معايير التقويم أيضا تقويم مستويات الطلاب، هل هؤلاء الطلاب استطاعوا أن يحصلو على مستوى معين من المعرفة وما طبيعة المعرفة التي يأخذونها.
ولذلك طبعًا جامعة نواكشوط لن تكون في مقدمة جامعات العالم لهذه الاعتبارات: المادية والعصرنة والحداثة الزمنية، وانعدام التقاليد الراسخة في المعرفة، ودرجة تقدير المجتمع للجامعة كمرجعية علمية، وعدم فتح آفاق تفكيرية في الجامعة، وهذا مالم يحدث حتى الساعة فالجامعة ماتزال كالثانويات يقدم الأستاذ الدرس إذا كان يقدمه أصلًا، بالكيفية التي يقدمه بها ويستمع الطلاب احيانا ويتخلفون أحايين كثيرة، فجامعات العالم مناخ فكري طلائعي بالنسبة للمجتمع.
فربما يكون هذا من أسباب ضعف تقويم الجامعة.
موقع الفكر: إلا م ترجعون الأزمة المستفحلة في القدرة الاستيعابية في مختلف مؤسسات التعليم العالي؟.
الدكتور يحيى البراء: فيما يتعلق بالقدرة الاستيعابية فما تزال الجامعة تحتاج مجموعة من المباني والمرافق والطلاب مزالو إلى حد الساعة يحتاجون الى حي جامعي يسكنون فيه، وعدد القاعات مازال يحتاج الزيادة ويبدو لي أنها مازالت تحتاج الى لفتة تمويلية قوية.
موقع الفكر: ما أبرز مظاهر الخلل السائدة في تعليمنا العالي؟
الدكتور يحيى البراء: في الحقيقة لست مهتما بالموضوع، لكن منذُ اشهر سمعت بأيام تفكيرية حول التعليم العالي، ويبدو لي ان من الأسباب الكبيرة النظرة الى التعليم العالي، والتعليم بشكل عام، أعتبر شخصيا ان التكوين العلمي يحتاج الى زيادة المعلومات اكثر مما يحتاج إلى زيادة المرافق التربوية فكلما كان الانسان متمكنا من المعرفة يستطيع أن يبلغ ذلك ولو لم يقرأ إلى حد ما المسطرة التربوية خاصةً، ويبدو لي ان ضياع الكثير من الوقت والوسائل في أدوات معرفية جانبية قد يكون من تلك الأسباب.
ثانيا: من تلك الأسباب في نظري، عدم التركيز على القضايا المهمة فمثلًا عندما أدرس شعبة أدبية في الإعدادية أو الثانوية أو الجامعة، بدل ان تدرسهم نظريات يجب أن تدرسهم تطبيقات، كيف يمكن ان يكتبو إنشاء صحيحًا وكيف يمكن أن يقومو بتحليل واضح وكيف يمكن ان يكتبو كتابة سليمة من الأخطاء، ولذلك يبدو لي ان البعد المعرفي إلى حد ما مهم في العملية التربوية،
ثالثا: البعد التحفيزي مهم جدا في العملية التربوية وهذا بالضبط يحتاج دائما الى مراجعات، لأنك عندما تنظر إلى الأمم التي استطاعت ان تتقدم بعد أن كانت إلى عهد قريب في ذيل البشرية، ترى أنها ركزت على البعد التحفيزي للمعرفة والعلم والإنتاج العلمي وهذا شيء مهم جدا، و يبدو لي ان إرجاع الطلاب الى داخل المؤسسات وتوفير المعاش والسكن داخل المؤسسات مهم جدًا للنهوض بالعملية التربوية على المستوى الإعدادي والثانوي والجامعي، ومازلنا نفتقر إلى هذا الشيء.
كما يبدو ان هناك عوائق في المسطرة المتبعة ولذا أتصور أنه ينبغي التركيز على الجانب المعرفي، فالجانب المعرفي يجب ان يقيم تقييما كميا، فمثلا عندنا ساعات معينة سوف يتم فيها أخذ حصص معينة ثم بعد ذلك الجانب التحفيزي ثم بعد ذلك جانب ما نسميه إعادة الصياغة الاجتماعية عن طريق دمج الطلاب داخل المؤسسات.
موقع الفكر:ماذا تمثل المحظرة الموريتانية بالنسبة لكم حاليًا ؟
الدكتور يحيى البراء: بالنسبة للمحظرة الموريتانية كلمة مشككة جدا بالتعبير الأصولي لأنني قمت في السابق بدراسة لهذه المحاظر، جئت إلى ادراة المحاظر فإذا عندهم 3 آلاف محظرة تقريبا وإذا كلها في الغالب عبارة عن رجل ليس من أهل العلم غالبًا ولايدرس أيضا إلا أشياء محددة، قدلايكون متمكنا منها، مثل تحفيظ القرآن وبعض المبادئ الفقهية، ولذلك لابد ان نفرق في الاصطلاح بين ماهو محظرة تدرس العلم بشكل معمق وبين ما هو كتاتيب على لغة المشارقة، فالمحظرة الموريتانية لها خصوصيات ملفتة للانتباه وتتجلى هذه الخصوصيات في مخرجاتها أو منتجها، حيث كانت تنتج أناسًا لديهم درجة عالية من الاستيعاب واستظهار المادة العلمية ولديهم قدرة عالية على استحضارها في أي وقت وهذا ما كان يخص جميع المؤسسات العلمية في بلاد العالم الإسلامي وهذا ما جعل المحظرة الشنقيطية تكون ملفتة الى حد كبير، وطبعًا هناك تقاليد كانت في المحظرة الشنقيطية لتخريج العلماء لا تنطبق على جميع طلاب المحظرة فنجد شابًا قرأ جميع النصوص في المحظرة وخرج منها بالإجازة ولكنه فقط لايعرف غير النصوص، بينما هناك شاب خرج بالنصوص ولكن طلب منه الشيخ أن يعمق دراسته عن طريق المطالعة أي يخصص سنةً أو سنتين للمطالعة وهذا هو الذي سوف يؤهله لأن يكون بتعبير أدق من أهل العلم والأمثلة كثيرة على هذا في التاريخ مثل الشيخ سيديا بن المختار عندما تخرج من عند أهل حرمه ولد عبد الجليل وتخرج من محظرة أهل حبيب الله ولد الشيخ القاضي ونصحه شيخه بأن يقضي سنة أو سنتين في المطالعة ولم تكن الكتب اذ ذاك متاحة في منطقته فذهب الى تيشيت للمطالعة واقام بها قرابة سنتين للمطالعة في خزانتها والأمثلة كثيرة جدا ولكن هذا لايخص عموم طلبة المحظرة، لذلك هناك خريجون من المحظرة على مستوى العلماء وهناك خريجون يكونون مدرسين فقط، والذي يبدو لي ان هناك محاظر عتيدة ومهمة مثل محظرة التيسير والنباغية وامثالهما من المحاظر القوية وهناك محاظر تأتي بعدها من ناحية طبيعة المدرس وطبيعة طلابه وطبيعة تجربته الزمنية في المحظرة، لذلك المحظرة يبدو لي أنها مهمة ولكن يجب ان تشفع بفكر تحليلي يجعل من درس فيها علوم الآلة يمكن ان يتمكن من التوسع كثيرا فلم تعد علوم الآلة هي اللغة والنحو والبيان والمنطق وعلم الأصول، بل اصبح علم الآلة الآن يعني الإلمام بالعلاقات الدولية والجغرافيا لأنك مؤهل أن تكون مفتيا او داعيًا يجب ان تعرف هذه الأمور.
موقع الفكر: هل طرحت على بعض المشايخ فكرة تطوير المحاظر؟
الدكتور يحيى البراء: لا، لم أطرحها عليهم لأني اعتبر أن فكرة التطوير يجب ان تكون مطلبًا سلطانيًا، بمعنى ان توفر الدولة الوسائل اللازمة لهذا الغرض وطبعا توفير وسائلها يكون عن طريق الطلاب أن يأخذو حظهم من الدرس المحظري وعندهم مجال لدراسة معارف أخرى وتعلمها.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة ؟
الدكتور يحيى البراء: أعتبر أن واقع المعرفة اليوم في موريتانيا، واقع مازال يحتاج إلى الكثير من الجهد ويبدو لي أن هذا الجهده متوقف على الإرادة السياسية لأن الحاكم هو الذي يمكن أن يوجه وينفذ وبالتالي فإن المسؤولية متوجهة إليه أكثر من حيث دفع المجتمع لأن هذا المجتمع ليس له تاريخ ورأس مال سوى أنه كان مجتمعًا يحمل علمًا ومعرفة يذهب بها إلى المشرق وإلى حواضر العالم الإسلامي الأخرى، يعرف بها وهذا اكان هو رصيده، فلم يكن لديه رصيد حضاري مادي ولم يكن لديه رصيد بشري كبير ولا مالي كبير ولا إنجازات حضارية معينه إلا هذا الرصيد المعرفي، طبعًا هذا يجب ان يكون جزءً من مسؤولية التنمية في هذه البلاد.
ولكم منا كل الشكر.
