الطغيان في “دولة القانون”* (1/ 3)
تانيد ميديا : ها أنا أنطح الصخور.. وأردى ** لترى النور ذرة من شجون
وحده الشعر ملهمي إن “سافو” ** كتبت للقرون هم القرون.
خير وفير، وجمال خلاب..
واحات وبساتين وسهول خضراء،
كثبان وشواطئ مرجانية،
جبال شاهقة كالقلاع،
شمس دائمة التوهج كسيف يماني،
وهواء طري نقي، ينساب في أرجاء فسيحة مترامية الأطراف، يغمر أماسيها قمر فضي غض، يغازل حصير رمل ناعم وضاء، فيسحر الكون عبق من ذكرى ليالي ألف ليلة وليلة:
“أرض الرجال” كما عرفها، وعرفها آنطوان سانت اكسبيري.
“بلاد المليون شاعر” عند العرب.
“ومدرسة ظهور العيس” كما عاشها الشيخ ابن بونه.
عرفت الاستعمار والاستقلال، والسعادة والشقاء.
عقدان من الحكم العسكري، بشطريه الاستثنائي و”الديمقراطي” حولاها إلى سجن، تواجه المتصدي فيه للدفاع عن حقوق الإنسان الكريم، معضلة ورطة الاختيار، فلا يعرف من أين يبدأ:
* شعب سحقته قبضة الظلم الجامح، وسلبته أغلى ما يملك، وراء كل فرد منه مأساة، ولا يجد ملجأ يأوي إليه.
* دستور عبث به، فأضيفت إليه، بعد “إجازته” في مائة وثلاث مواد، مادة رابعة بعد المائة، صادرت جميع الحريات الواردة فيه “وأتاحت للسلطة الحفاظ على الوضع الاستثنائي الذي كان سائدا” (لاتريبين رقم 145 بتاريخ 28 /6/ 01).
* انتخابات مزورة على جميع الأصعدة باعتراف النظام نفسه في أكثر من مناسبة.
* برلمان أحادي، عفا بجرة قلم عن جرائم غير إنسانية، دون إضفاء أي طابع إنساني على عفوه، ولو بالتعويض عما لا عوض عنه (رفض مشروع تعديل النائب حبت على قانون العفو).
* وأد الصحافة بالمصادرة، والتوقيف، والحظر عملا بالمادة 11 من قانون الصحافة (البيان، القلم، لاتريبين، موريتاني نوفيل..) تلك المادة التي “تتيح إغلاق فم أي كان، وبأي سبب” حسب تعبير الأستاذ حبيب ولد محفوظ في القلم رقم 253 بتاريخ 12 /7/ 99. وبإغراقها في بحر من العناوين الصفراء قالت عنه لاتريبين في عددها الآنف: “فاحتلال المخابرات لحقل الصحافة شوه حرية التعبير وأفرغها من مضمونها، فتكاثر العناوين الذي ترعاه وزارة الداخلية ابتذل مهنة الصحافة، وسبب كسف الجدية”.
* حل الأحزاب السياسية الحقيقية (اتحاد القوى الديمقراطية، الطليعة) وخلق عشرات الأسماء الوهمية الموالية.
* نهب المال العام.
* تفشي الرشوة على جميع الأصعدة.
* انتهاك الحريات.
* اللاعقاب. (المرجع: صحف: البيان، القلم، موريتاني نفل، لاتريبين، أفي أبدو، لوتانتيك).
مواضيع غنية ومغرية، خاصة لمن كان، بحكم عمله والتزامه، ضحية أحيانا، وشاهدا في أغلب الأحيان.
وددت لو أعالجها كلها دفعة واحدة!
لكن عبارة CAS…INDIVIDUEL الواردة في نشرة MEMORIAL حملتني مكرها، على قراءة السفر من آخر صفحاته: اشبيه ولد الشيخ ماء العينين رئيس حزب الجبهة الشعبية.
* * *
حفيد الشيخ ماء العينين، وزير سابق في النظام، رئيس حزب حقيقي يقف في صف المعارضة، ومرشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 97 حصل على نصيب وافر رغم التزوير والمقاطعة.
ويستعد لخوض الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية الوشيكة، وله رصيد علاقات يؤهله – في الوقت الحاضر- ليكون مقبولا لدى الجميع في الداخل والخارج: مزيج بين آدرار والقبلة والشرق، جذوره ضاربة في الصحراء والمغرب والسنغال ومالي، روابط تاريخية بفرنسا وإسبانيا.
منافس مزعج، ينبري بعد التخلص من أحمد ولد داداه، بحل حزبه.
– يجب التخلص منه بسرعة.
– يجب حل حزبه هو الآخر!
– لن يغفر ذلك شركاؤنا، الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها إثر حل اتحاد القوي الديمقراطية – عهد جديد!
– لا بد من حل!
– قطع رأس الحزب.
“عملية بوليسية”
سيدة كريمة تقطن حي بوحديده استسلمت لنزوة ثلاثة لصوص فداء بناتها القاصرات.. خبر مروع، بث الرعب في الناس من ليل انواكشوط الرهيب.
في العدد رقم 249 بتاريخ 13 /3/ 01 من جريدة NOUAKCHOTT INFORMAION ورد هذا النبأ ضمن تقرير تحت عنوان “ليالي الإرهاب” تناول نماذج من بطش عصابات اللصوص في أحياء انواكشوط السائبة، كما ورد كذلك، أن أخطر لصوص انواكشوط “مخنز” سأل ضحاياه في حي تفرغ زينة عن منزل اشبيه ولد الشيخ ماء العينين رئيس الجبهة الشعبية.
خبر كان بالإمكان أن لا يثير أي انتباه، وقد لا يطلع عليه المعني أصلا، لولا أن مسؤولا ساميا في أمن الدولة نقله إليه وطلب منه أخذه على محمل الجد.
– “أريد سلاحا أؤمن به نفسي وأهلي، ولدي رخصة بحمله”. قال اشبيه.
– “سأعطيك سلاحا، لكن بعد عودتي من تدريب خارج البلاد.. آ.. لدي فكرة: يمكنك أن تحصل على سلاح من السوق السوداء ببساطة؛ ففيها تتوفر جميع أنواع الأسلحة”. رد المسؤول.
“أصابته” عدوى الخوف، السائد يومها، من عصابات اللصوص.. فبحث عن سلاح.
تولت الشرطة السياسية البقية.
عصابة أربعة من ذوي السوابق باشرت استدراجه: اثنان من مريدي أجداده كانا على صلة مبكرة به، وثالث شرطي محترف، ورابع جندي فار من الخدمة، ذو صلة بمخابرات عسكرية يقودها عمه:
“.. قدمت له الشيخ الذي ذكرت له أنه صديق جدير بالثقة. قلت للشبيه إن للشيخ علاقات مع بعض مهربي السلاح.. فطلب منه أن يبحث له عن كالاش (؟؟؟؟) وعده الشيخ بذلك.. وفي الغد أخبره أنه وجد كلاشا بستين ألف أوقية، سأله اشبيه عما إذا كان بوسعه الحصول على ذلك السلاح حالا مع مائة طلقة، فأجابه بنعم”. (تصريح شيخنا تيوب –أحد أفراد العصابة- في محضر إدارة الأمن العمومي بتاريخ 11 /4/ 01).
عاملان حالا دون تنفيذ الصفقة:
* همت العصابة بسرقة الكلاش من التاجر بدل شرائه: “طلبنا من الشيخ أن يعرف مكان صاحبه تاجر السلاح لنهاجمه وننتزع منه السلاح دون شراء”. (المصدرنفسه).
* شك اشبيه في نيات “الوسطاء” فعزف عن الصفقة: “دعانا لتناول الطعام، وبعدها يوصل سائقه الشيخ إلى تاجر السلاح ليشتري السلاح.. وخرج علينا وقال للشيخ.. اترك السلاح حتى الأحد لأني مسافر إلى البادية” (المصدر نفسه).
إلغاء الصفقة أفشل خطة “التلبس”: مداهمة الجميع أثناء إحضار الكلاش.
لا بد من حيلة!
خطة بديلة: “جمعية أشرار”!
في ظهيرة يوم الأحد الثامن من شهر ابريل (الساعة الثانية) دخل “الشيخ” وشيخنا تيوب (سبق ذكرهما، وسيتحولان، بعد اتهامهما، إلى شاهدي اتهام) داره دون موعد.
سألا عنه فأخبرا أنه ينام في الطابق العلوي من المنزل، بقي أحدهما يراقب السلم، وانزوي الثاني في المرحاض يتصل بالشرطة بواسطة جوال.
أحاطت قوافل من الشرطة السياسية بالمنزل، ففتشته، وقبضت بخشونه على صاحبه، وعلى مخبريها:
“نحن.. مفوض شرطة رئيسي، مدير الشرطة القضائية والأمن العمومي، ضابط شرطة قضائية، مساعد وكيل الجمهورية..
… أعلمت المصلحة، من طرف مخبر فضل كتم اسمه، عن عمل مسلح وشيك تهيئ له وتعده مجموعة من المجرمين بزعامة محمد لمين الشبيه ولد الشيخ ماء العينين، وتضم المختار بن هيبتنا وبوها بن حسن.
وهذا العمل العسكري يتمثل في أعمال تخريب ضد العمارات العمومية ومحطات البنزين مع سرقة السلاح من المراكز العسكرية، والدرك والشرطة.
وفي إطار التخريب فقد برمجت هذه المجموعة عمليات إجرامية مثل اختطاف بعض التجار الكبار للحصول على الأموال والإعداد لمهاجمة السيارات التي تحمل النقود، وعائدات هذه العمليات تستخدم كتمويل داخلي لما يسمونه الثورة المسلحة. ولتنفيذ كافة عملياتهم الإجرامية فسوف يضع رئيس الفريق تحت تصرف هؤلاء الرجال الغاز المنوم GAZ NEUTRALISAN
نظرا لما تقدم، وفي حالة تلبس، وعملا بالمواد 57، 56، 55، 54، 49، 47، 46 و58 من قانون الإجراءات الجنائية، قمنا بعملية بوليسية يوم الأحد 8 /4/ 01 على الساعة الثانية ظهرا، الوقت الذي كان محددا لانعقاد الاجتماع التمهيدي لبدء عمليات التخريب. لقد مكنت هذه العملية البوليسية من القبض على محمد لمين اشبيه وعبد القادر تيوب وشيخنا بن سيد بن محمد عبد الله في حالة تلبس(!)
وقد اتخذت الإجراءات للقبض على المختار بن هيبتنا وبوها بن حسن في منزليهما على التوالي”. (المصدر نفسه)
“بناء على المؤشرات الخطيرة والمتعاضدة (!) بشكل يستدعي التجريم فقد أبلغنا السادة:
اشبيه بن الشيخ ماء العينين
المختار بن هيبتنا
بوها بن حسن
الشيخ بن سيد بن محمد عبد الله
شيخنا بن محمد عبد القادر تيوب
أنهم وضعوا تحت الحراسة النظرية اعتبارا من 8 /4/ 01 على تمام الساعة الرابعة بعد الظهر وينتهي هذا الإجراء بإحالتهم إلى النيابة”. (المصدر نفسه).
_____________________
* مرافعة في محاكمة الرئيس محمد الأمين الشبيه ولد الشيخ ماء العينين. (وما أشبه الليلة بالبارحة!)
يتواصل بإذن الله