هل تميز النخبة الخط الفاصل بين الثقة والإهمال؟
في الأوقات الصعبة يبحث المثقف الواثق عن حلول والمستقيل عن عذر
في واقع الركود الثقافي، المخيم منذ أربعة عقود تزيد، واهية ومحبطة هي المبررات التي يقدمها بجرأة الذين يحسبون بشكل أو بآخر على “النخبة” لانحسارهم عن العطاء الموجه والعمل على بناء أساس لصرح “ثقافة” أثقل كاهلها الإدعاء المفرط بالألمعية “الأسطورية” التي لم ترق حتى إلى منتج الأسطورية اليونانية مع الإلياذة Iliade والأوديسة Odyssée وقد تركت بهما إرثا كونيا خالدا وفاتحة في الأدب الملحمي من ناحية، كما أن هذه النخبة هي من حولت الثقافة إلى خنادق عميقة منعت روادها من الالتحام ببؤر التنوير والتحضر والمدنية والعلمية.
مبرراتهم أكثر توهما بـ”إدعائية” حول “قاماتهم” التي تصوروها ارتفعت بالتحصيل الجامعي النظري دون “التنظيري” حتى وبعيدا عن الممارسة والتطبيق، منها حول الإفراط في تقمص الألقاب الكبيرة التي وزعها المشارقة بصدق، في الماضي، لرعيل “الحجيج الشنقيطي” عندما حط الرحال في أمصار المشرق من قبل قيام الدولة المركزية من ناحية، ومجاملة ـ بعد الاستقلال ـ للقبول به في الحضن العربي الذي تشكل وقتها في أعقاب ميلاد تيار “القومية العربية” بهدف التنصل من الهيمنة “العثمانية” ومواجهة الاستعمار الغربي الذي أضعف “الرجل المريض L’homme malade” وضايقه في كل مناطق نفوذه وأبعد، في المغرب الأقصى والأراضي الشاسعة، المعروف جزافا بـ”اتراب البيظان” والتي سيختار لها لاحقا الفرنسيون على يد المنظر الاستعماري الكبير كزافييه كبولاني (Xavier Cappolani) إسم “موريتانياMauritanie ” باعتبارها “الطنجية” (Maurétanie tingitane) أي الجزء القصي من الإقليم روماني Maurétanie, Province romaine) الواقعة في شمال المغرب الأقصى ـ ضمن حدود معلومة رسمها ووضع معالمها لتفصل الكيان الجديد عن مالي والجزائر والصحراء الغربية الواقعة تحت نير الأسبان وعن السنغال باعتبار النهر حدودا طبيعية، من ناحية أخرى.
فهل سبق أن طرح أفراد هذه الطبقة المتعلمة، التي نصر من دون أن تثبت لنا ذلك، على وصفها بـ(النخبة) جملة الأسئلة الأساسية لأي توجه إلى بناء الكيان السوي والمتوازن؛ أسئلة من قبيل :
ـ أي تغيير حياتي أو تطور فكري أو رُقي حضاري يمكن توقعه من ثقافة استاتيكية وحاجبة للآخر وللقول بحيث لا تتآلف قيمه التي يتحدث عنها ومقتضياته الأساسية التي يدعي ضروراتها؟
ـ من يكتب في هذا المنكب البرزخي؟ ما حمولة كتابته؟ لمن يكتب؟ من يقرأ؟ كيف يقرأ؟
ـ هل حقا عندنا تقاليد ثقافية في القراءة والنقد والكتابة والنشر والتواصل المعرفي المجرد؟
ـ ما هي طبيعة الحاجز النفسي-المعنوي الذي تأبى الاعتراف به؟ ولماذا لا يوفى حقه من الاتهام والمحاسبة حتى لا يبتلع حاجز الحقيقة المرة؟
ـ لماذا يترك الحبل على الغارب لضعيف الكتابات الخجولة والمتوترة؟ ولماذا لا يرصد دور الرقباء وأنصاف الرقباء، وبعض الكتاب وأشباههم، والمتواطئون معهم، والمحايدون كذلك الذين يجيء صمتهم توقيعاً على آثام النصوص، والذين يخلقون هالاتهم المزيفة بخلط صدقية الأشياء في كتاباتهم وتنظيراتهم المريبة والمكشوفة؟
إنها أسئلة جوهرية تتطلب شجاعة الصامتين ممن لا يزال لديهم بعض “ضمير” نائم أو مخدر بفعل دفء أسوار “الطمعية” المضروبة عليهم.
فهل تستيقظ؟
أم أن السيف قد سبق العذل؟
أم … على قلوب أكنة… وفي الآذان وقر؟
الولي سيدي هيبه