المسكوت عنه بخصوص الهجرة. …….ا

تانيد ميديا : أمام كل حديثٍ حاملٍ ضمنيًّا للتَّضاد اللوني، تُوقِف قافلة التَّعقل سيرها طربًا لنُباح النَّعرات.

شخصيا، لن أمتهن نفسي بسبِّها علنًا على الهُويَّة لعلِّي أتَحلَّل من عقدة ذنبٍ تاريخية، تقول بالمطلق إنَّ كل البيض هنا كانوا أسيادًا للسود، ولن أجلد ضميري لأخلِّص الآخر من عقدة اتهام تظل تقول بالمطلق إنَّ كل السود هنا كانوا عبيدا للبيض،.. لا أنكر المظالم التاريخية ولا أتنكر لها، وأطالب بالإبقاء على أبواب الإنصاف مُشْرعة للأبد، لكن لا أقايضُ ذلك بابتلاع التهم الجزافية بالعنصرية إنْ أنا أظهرتُ توجسي من خطورة طوفان المهاجرين الأفارقة والآسيويين وغيرهم.. ثم ما علاقة هذا بهذا  حتى نربط بينهما حتمًا؟!

من الحَصافة الوطنية فصل ملف الهجرة، عن نغمةِ التجريمٍ الهولوكوستية التي نتداولها بيننا عادة في مواسم المنافع الشَّرائحية.. فذلك منطق أعرج.
لم نشكُ يوما من إقامة الأجانب بيننا، يوم كانت إقامتهم في حدود الهجرة البينية التقليدية.. لكن الأمر اليوم يتعلق بطوفان اشتكت منه كل بلدان الجوار، ولم تأخذها فيه لومة عاذلٍ أو مُخوِّن بالعنصرية في اتخاذ إجراءات استئصالية.

أمَّا المسكوت عنه! ..  فهو الحسابات الضيقة للعبة المُغالبة الديموغرافية ولو كانت على حساب الهُوية الوطنية!

سادتي، إن التعويل على تقويض البنية القاعدية لمجتمع “البظان” بسلاح الهجرة اللونية، ليس حلاًّ مُفرحا لإعادة هندسة المجتمع الموريتاني، أو لإعادة ترتيبه على أسس أكثر “عدلا” أو أقل هيمنة لثقافة “البظان” المركزية، ؟.. من حق البظان التوجس من عصا الطمر الديمغرافي، ولماذا يواربون في قولها حَياءً؟،.. إذا كانت كل شريحة على هذه الغبراء تناضل من أجل بقائها وحمايتها من “الآخر”،.. ذلك الآخر العرقي أو النفسي أو المتوهَّم؟.. إنْ كان هذا هو المنطق السائد (وهو كذلك)، فلا ضير إذن إن حصل مرة تبادل للأدوار! .. أيُّ منطق يسوّغ مؤاخذة كل البظان بجريرة بعض البظان على فسادهم، أو هيمنتهم بالمال أو بالنفوذ؟.. ماذا عن البقية البائسة، وهي الأغلبية؟ ..  لا توجد ملائكة في حيِّزنا الجغرافي.. هذه أرض “التيفايه” من كل الألوان والأعراق، “تيفاية” كل شيء، من الدِّين للقضايا للمواقف للَّونِ للضمير!

لكن أين موريتانيا من كل ذلك؟

أتذكر أنَّ السياسي صار ابراهيما ذكر ذات شطحة انتخابية، اعتراضه على تسمية هذه الأرض ب  Mauritanie لأنها تعني أرض البظان، أليست هذه مزاجية لونية مَقيتة؟.. ألا يتوقع سيَّادته حق اعتراض غيره على تسميتها مثلا Noiritanie ، إنْ هو رغبَ لأن التسمية تعني أرض السودان؟، أمْ أنَّ المجاهَرة بالعنصرية حق أسود مُحتكر؟..
قَلقنا اليوم لا علاقة له بالخصام العبثي الداخلي حول الاسمين أو بالتنابز بهما، قَلقنا أن نستيقظ قريبا فإذا نحن قد أصبحنا Malitanie  ، خصوصا أنَّ مظهر الشارع صار معينا على تحويل هذا القلق إلى قرين مُصاحب.

موريتانيا تسع أهلها كل أهلها، بالاعتدال والتسامح والاعتراف المتبادل بالآخر وبحقه في الاختلاف، أبيضًا كان أو أسودا، أمَّا إنْ ضاق مِزاجها لحظتها عن الآخر الوافد، فلأنه أطنبَ وزاحَم وناصَلَ وطَمر الهُويَّة الوطنية… والهُوية عامل بقاء مُهم.

ستظل مقولة الأيقونة الخالدة، مارتن لوثر كينغ مفيدة في نضال كل مناضل يسعى لتحقيق هدف نبيل بوسائل نبيلة إذ قال: «يجب أن تكون الوسيلة التي نستخدمها، بنفس نقاء الغاية التي نسعى إليها».

تحياتي

أُذكِّر بأني برشاوية من أمٍّ خِذريه مُتزنِّجة.. وتَعاطيتُ حتى الثمالة كل اللقاحات المضادة للمُزايدة على اللَّون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى