لا نعتد من طلاق، ولا نستبرئ بحيضة….

تانيد ميديا : عواصف المواسم الطبيعية تقتلع الأشجار، وتحطم الأعرشة، والمباني الهشة، إذا لم تبلغ درجة الأعاصير المدمرة، فإذا أصبحت أعاصيرَ اقتلعت كل شيء، ولم يثبت أمامها شيء..وحين تتعافى الأرض والناس من غضبة الطبيعة، يبدؤون حياة جديدة، ويرممون المتصدع، ويصلحون ما أفسدت المواسم…
لمواسم السياسة أيضا هزات، واقتلاعات، وإزاحات، تغير تضاريس خرائطها، ومعالمها العامة..
تشبه عواصف السياسة ما يسمى عند طلبة القرآن (اطليست لحزاب)..
(اطليست لحزاب) أحد المناهج التعليمية عند معلمي القرآن، يطبقونه على البلداء عادة..ثم شاع مع شيوع التعليم النظامي، فصار الملتحقون به (يطلسون أحزابهم) لتعذر الجمع بين المدرسة والمحظرة..
وفي حياتنا السياسية التي حططناها عن النيران قبل أن تنضج، شاعت (اطليست لحزاب) لتعذر الجمع بين النسخ المتوفرة، والقراءات، والروايات..ولتمنع طباعنا البدوية على الانضباط الحزبي، وتنافيه مع ثقافة الرحيل..
لا تستغرب أن ترى أحدنا أمس تاجر بطيخ، وتراه غدا ححابا يبيع تمائم الدجل، ولا تستغرب أن ترى أحدنا اليوم عازفا على العود، وتراه غدا خطيب جمعة، ولا يفاجئك أن ترى إحداهن أمس ضاربة ودع، وتراها اليوم أستاذة فيزياء..

وما زلنا نرى القامات السياسية من حملة الإيديولوجيا الرادكالية يغيبون عن المشهد الذي ملؤوه حركة، وخطابة، وعملا، عندما لم يعودوا يشغلون فيه مناصب انتخابية، فطلسوا أحزابهم ورحلوا مع قطيع الراحلين كما كان آباؤهم يرحلون..

البدوي، والرحيل، والنجعة، قصة لم تستطع سنوات الجفاف التي ألقته في هوامش الأحياء المنسية، تمهيدا للاستقرار، والتحضر، لم تستطع أن تذيب لاصق الطباع فيه، ولم تتمكن كل التحولات من تغيير كيميائية تلك العلاقة..
نحن في السياسة مؤمنون غير مطبقين، وسيظل وعينا إرهاصاتٍ كلما ظننا أنها استحكمت، استيقظنا من غفوتنا، وحشونا (طوباتنا) بالتبغ، وقدحنا حجر النار، وملأنا أشداقنا دخانا، وطلسناه من أنوفنا، و(صوفرنا) مطلقين عصينا في الهواء، لتتلقفها أيدينا من وراء ظهورنا سكرا، وطربا، وتمنطقنا بمنطقاتنا الجلدية القديمة، وقربنا أجمالنا، وطلسنا أحزابنا كما كان آباؤنا يطلسون..
ورحلنا ننتجع مواقع القطر السياسي مهاجرين، وأنصارا، ومنافقين، كما كان آباؤنا ينتجعون مساقط الودق في براري باديتهم السخية، أو مدائن التحصيل في (سينلوي. ومتم، واللوغه، وكازماص..)
لا تستغرب فنحن في السياسة مجتمع التعدد، وزواج المتعة، والسرية، والجمع بين محرمات الجمع..لا نعتد من طلاق، ولا نستبرئ بحيضة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى