الرجل الذي عرفت؛

تانيد ميديا :  « ..ولأن نجاعة السياسات العمومية في خدمة الشباب والمواطن عموما رهينة بقيام حكامة رشيدة فستكون حربنا ضد الفساد حربا مصيرية لا هوادة فيها”.

خطاب فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني خلال التنصيب 2024

________

ليس من عادتي ولا حتى أساليبي المعرفية، تناول الأشخاص كمحتوى للنقاش والأخذ والرد، لأني بكل بساطة مقتنع بنجاعة نقاش أفكارهم والوقوف عند جغرافية أدائهم ومعالم التزامهم العام دون تجريد ولا شخصنة.

في خروج على آلياتي المعهودة، أروم بسط جزء من حقائق كنت شاهدا عليها عن قرب، يفرض على وازع الانتماء ومشاعر الوطنية، حماية للبلد ودعما لمضيه في مسار تقدمي جاد يمكن جهد الإصلاح ويقر قطيعة فعلية مع دعاة الارتجال العاطفي في حياتنا التنموية والاجتماعية.

بحكم اطلاعي على خلفيات ودوافع الحملات المغرضة أدركت بفعل القرب من الرجل كمعاون مباشر على مدى أربع سنوات، أن المستهدف هو إرادة الإصلاح والرجال المؤهلين لتنفيذه دون منة ولا مجاملة.

لقد شكل معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي عبر مساره استثناء في بلد يبدع بعض أبنائه في العمل على محاولة وأد النجاح لضمان أن تظل الرداءة مسيطرة للحفاظ على امتيازات غير مستحقة على حساب الوطن، ويزداد الأمر تعقيدا عندما يؤسس هذا النجاح على المساس بذهنية سياسية كانت من أسباب تخلف البلد وأخرى استمرأت نهب خيراته.

اطلعت بكثير من الاهتمام على التعاطي العلني مع تعيين معالي الوزير الأول المختار ولد أجاي، ومرد هذا التمعن لتوقعي – ولو لمرة واحدة-  أن يخرج عن دائرة البث المباشر المرئي أو المسموع أو “المكتوب” والذي يستقطب عادة بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي من ذوي المستويات المتواضعة.

لم يخب ظني هذه المرة حيث رفع البعض وهم قلة من مستوى نقدهم للرجل، لكنه استقر في دوائر أخرى لعدم معرفة الرجل عن قرب.

أولاها: الانجراف تحت ضغط الحملة الإعلامية التي تلاحق الرجل منذ مباشرته تصور وتنفيذ إصلاحات هيكلية، كانت مؤلمة للبعض في مجالات التعليم والمالية والاقتصاد، وقبل ذلك في ميدان السياسة المحلية، حيث غير مفهوم العمل السياسي من استغلال المواطنين خلال المواسم الانتخابية لصالح قادة يقيمون في نواكشوط، إلى عمل متواصل يهدف إلى خدمة السكان على المستوى الصحي والتعليمي وكمثال حي – مبادرة تشجيع تمدرس أبناء القرى الأقل حظا في التعليم بمقاطعة مكطع لحجار – والتنموي عموما.

إن هذا المجهود المقدر خلق للرجل عداوات كبيرة في الوسط السياسي المحلي، الذي لم يستطع أن يواكب هذه الرؤية الشبابية الجديدة، تماما كما كانت له عداوات على المستوى الوطني في الأوساط التربوية، تتذكرون “أزمة” محاولة إصلاح التعليم من طرف وزيرة التعليم آنذاك والذي كان أحد مهندسيه، حيث اصطدم بلوبيات القطاع، كما نال العداوة من بعض رجال الأعمال والتجار بشأن الضرائب، والموردين بسبب رفضه دفع فواتير تتكرر وملفات غير مكتملة، وازداد الطين بلة بأصحاب الرواتب المتعددة، فضلا عن التسيب الذي كان مستشر في ميزانيات القطاعات الحكومية مما خلق له العداوة مع بعض كبار الموظفين.

إن عداء أي واحدة من هذه الفئات كان كفيلا بأن يطيح بالرجل، فما بالك بعداوتها مجتمعة وفي وقت واحد، ومع ذلك صمد وبشجاعة نادرة، إلا أنه ظل ضحية حملة إعلامية مغرضة تتجدد كلما جاء ذكره.

الدائرة الثانية محاولة وصم التعيين أنه يهدف إلى إسكات الرجل ولمنع تسريب أسرار لديه. ويتناسى هنا حقيقة أن فخامة الرئيس كان يدير المؤسسة العسكرية قائدا ووزيرا طيلة العشرية، وبالتالي فلا مشترك بينه مع مدير الضرائب ولا وزير المالية والاقتصاد، سوى إرادة الإصلاح والاستعداد لخدمة موريتانيا وشعبها.

أما القول بمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية المحدقة بالبلد. فهل يمكن أن يتم ذلك دون ترتيب البيت الداخلي؟ وهذا ما سلمتم للرجل بقدرته على القيام به.

الدائرة الثالثة أن مواصفات الرجل الذي يحتاجه البلد يجب أن تكون حسب مشاغل سكانه، فهذه لعمري تنطبق على معالي الوزير الأول في جلها، فالرجل خريج تعليم عال، عمل خبيرا في مكاتب الدراسات لسنوات مع منظمة دولية، وعززها بتولي إدارة الضرائب، وحقائب الاقتصاد والمالية وحقق نجاحات يشهد بها خصومه قبل أعدائه فماذا تريدون أكثر؟

لقد تمكن خلال إدارته للضرائب من استرداد عشرات المليارات التي كانت تضيع جراء التهرب الضريبي، حيث قفزت المداخيل من 42 مليار سنة 2009 إلى أكثر من 143 مليار 2013، كل ذلك دون زيادة في الضرائب إنما فقط بناء على توسيع الوعاء الضريبي وتحسين أساليب الجباية، كما استردت المفتشية العامة للمالية المليارات المنهوبة، وتم إدخال إصلاحات عميقة على التسيير المالي، حيث جففت بعض منابع الفساد، وسويت الميزانيات العامة للدولة التي لم تسو على مدى عقود ولذلك معنى يفهمه خبراء المالية العمومية،  كما تم تنظيم رواتب عمال المؤسسات العمومية التي كانت دوما متأخرة، وقفزت كتلة الأجور من 70 مليار سنة 2008 إلى 118 مليار سنة 2015.

إن حل هذه المشاكل العالقة منذ سنوات يوحى بوضوح للرؤية، وقدرة إبداعية خلاقة، أكدتها دبلوماسية اقتصادية جلبت تمويلات هائلة، أقلها استفادة بلادنا من دعم ميزانوي سنوي تحقق لأول مرة في ظل شغل معالي الوزير لحقيبة الاقتصاد والمالية وما زال يتكرر، وتعزز ذلك بحلحلة لملف الديون بعد سنوات من استعصائه على الحل.

ويبقى الإنجاز الأكبر أن الرجل رغم كثرة أعدائه وتحديه لهم، لم يستطع أي منهم أن يكشف بالدليل عدم نظافة يد الرجل.

ذلك غيض من فيض ما حقق الرجل، وهذا ما يفسر شراسة الحملة الإعلامية التي يتعرض لها، والسر في الهجوم عليه.. فهل فهمت معنى التكليف الجديد؟ ذلك ما يحتاج لسلسلة مقالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى