أوان تبرج الطبيعة بمحاسنها من عبير مروج خضراء مزركشة/ محفوظة زروق
تانيد ميديا : هذا أوان تبرج الطبيعة بمحاسنها من عبير مروج خضراء مزركشة بالقرنفل و الأقحوان و عباد الشمس و شقائق النعمان و هو موسم احتفال الفراشات بما جادت به أوراق الأشجار من قطر الندى وفقا لهسيس نسمات الربيع حين يتقمص دور فنان مجنون تلاعب بالألوان و أنا ما زلتُ هنا تائهة على وجهي في دروب عاصمة القافية و اتافلويت ، تلح عليَّ نقاط الاستفهام كأني أعرف متى ستنفض نواكشوط الغبار عن وجه نيسان؟
إن نواكشوط بالنسبة لي مدينة آية في الجمال لأن حبها من صغري يتجلجل في أعماق قلبي الذي لا يستشيرني في الحب و لا يشترط فيه جمال المظهر الخارجي و سأبقى أحبها مادام في هذا القلب نبض و خفقان لكن الزائر الغريب، القادم إلينا من أي نقطة من العالم إذا شاهد ما شاهدته اليوم، لن يتردد في جعل نواكشوط تتصدر قائمة أسوء مدينة زارها بل سيعلم أن الله قد غضب عليه حين جاء به إلى هنا… و بما أن كل بلد يُعرف من عاصمته فكان لا بد من التطرق لهذا الموضوع الحساس من أجل إثارة النخوة لدى الغيورين على عاصمتهم.
كان قرص الشمس يهم بالشروق كعين ممتعض تحدق بي مهددة بحرارة الطقس قبل أن ينعطف بي الطريق الخالي إلا من جِراء تلتحف بأمها قرب أخبية، خرجت منها سيدة سرعان ما بدأت ترفع ثيابها لتقضي حاجتها قرب منزل من الرخام و بجانبها طفلة تحمل على خصرها أصغر اخوتها الخمسة و أمهم حسب ملامح وجهها ما زالت في ريعان الشباب و أمام الخباء تنام أخرى على بطنها و حولها ينام العديد من الأطفال فهل يا ترى فكر وزير الاسكان في معاناة البيئة كل صباح بعد استفاقة جميع سكان كل خباء؟ و كيف سمح لهذه الأخبية أصلاً أن تكون بين هذه القصور الخرساء؟
الحياة ظالمة في كل أصقاع المعمورة و أينما يممتَ وجهك تجد الأغنياء و الفقراء لكن تواجد الأكواخ بين قصور الأحياء الراقية و التبول و التبرز في العراء و رمي القمامة في الأماكن العمومية و في قلب العاصمة، مشهد لا يمكنك أن تراه إلا هنا ربما يكون السيد الوزير يحب نواكشوط مثلي تماماً بغض النظر عن مظهر هذه المدينة البائسة إلا أنني لا أخذ أجراً مقابل هذا الحب و هو يتقاضى راتباً معتبراً لتكون المدن الموريتانية محور اهتمامه و نواكشوط خُلق ليكون محط اعجاب العالم و هو في نظري المركز الذي تدور حوله كل الأشياء.
لقد عودتُ نفسي أن أحررها من الوجهة و الهدف كلما أتيحت لي فرصة رياضة المشي التي أجد فيها متعة خاصة في الصباح الذي عزفت خطواتي وسط سكونه اليوم سيمفونية الوحدة قبل أن تداخل معها فجأة، صوت حوافر تدق الأرض خلفي سرعان ما تجاوزني بفعل لهيب السوط المسلط على حمار، يجر عربة محملة بالقمامة، سقطت منها أمامي علبة حليب فارغة و بعض زعانف الأسماك دون أن يبالي صاحب الحمار و هو يتوارى عن مرمى بصري عبر طريق حلزوني سقطت عند كل ثنية منه قطع نفايات منها اكتشفتٌ أول أسباب انتشار الأوساخ التي تتقلب ذات اليمين و ذات الشمال حسب مزاج رياح نيسان.
بدأت الحياة تدب شيئا فشيئًا في هذا الشارع الذي يقودني إلى قلب المدينة حيث تتعرى و تبوح ببؤسها و بقبحها الذي صار أمراً عادياً لا يلفت انتباه غير أصحاب فلسفة تقديس البيئة من أمثالي ! أغنام ترعى في الشارع جوار سيارات مركونة قبالة مسجد السعودية ليقوم الرجل بتنظيفها، فتح أمام عيني علبة مسحوق الصابون و سكبها في سطل التنظيف و رمى العلبة الفارغة في مهب الريح و أخر يستتر بين الحاوية و المسجد ليتبوَّل على الرصيف الذي يبث من أسفله جميع الروائح الكريهة و امرأة بحجم الفيل تمشي الخيلاء صوب سيارة فارهة دخلتها بصعوبة من الباب الخلفي قبل أن تتيح لي الفرصة لأخبرها عن انطباعي حول سلوكها و قنينة الماء الفارغة التي رمتها خلفها… أما الشاب العشريني المستغرق في تدخين سجارته ليرمي عقبها على الأرض بين أقدامه حتى يحفظ دوره في توسيخ مدينته! من هنا اكتشفتٌ السبب الثاني لبؤس نواكشوط.
فتحت هذه التصرفات عقلي على حقائق عن طبيعة المواطن الموريتاني و إحساسه الدائم بعدم الاستقرار كأنه يستطيع مفارقة هذا المكان في أي لحظة كمن يدير اليأس حباله على إيمانه بوطنه الذي حسب تصرفاته لا ينتمي إليه بل صار يشكل عقبة في طريق تقدمه بأنانيته المفرطة و الشخصية البدوية التي تتجذر في نفسه كالتخلف و عدم النظام و العشوائية و النفاق و الانتهازية و احتقار المهن… كل هذه البلاوي تمثل سلوكه و لا شك أنه بحاجة إلى إعادة فهم الحياة مِنْ جديد!
أطالب الجهات المعنية بتوزيع العدد الكافي من الحاويات و سلات المهملات كما أتوسل إلى المواطنين الأعزاء أن يجعلوا النفايات في أكياس محكمة الإغلاق قبل رميها في سلة المهملات لعل ذلك يخفف تساقط قطع القمامة من فوق العربات أما من يرمي الأوساخ من نوافذ السيارات و من يرميها في الأماكن العمومية فإني أوصيه أن يسأل ضميره حين ينفرد به هل هو راض عن سلوكه؟ سبحان من زرع في هذا الشعب القدرة على التآلف مع هذه القمامة التي تتلاعب بها الريح الهوجاء!
لا شيء هنا يبشرني بقدوم الربيع الذي كنتُ أبحث عن ابتسامة نواكشوط في وجهه فلاحظتُ أنها المدينة الوحيدة رغم كثرة أسواقها و الباعة المتجولين فيها لا يمكن أن يصادفك في شوارعها من يبيعك وردة حمراء أو مشموم الياسمين و أنا لا أعرف إن كانت هذه فلسفة موريتانية أم هو عزوف عن كل ما هو جميل و إني من هذا المنبر أطلب من نواكشوط الحبيبة أن تتزين قدر المستطاع بحدائق ذات بهجة تكون مصدر الإلهام لمليون كاتب و مليون امغني و مليون شاعر موهوب و اعذريني إذا بدوتُ حزينا إن وجه المحب وجه حزين.