مكاسب الدبلوماسية ودبلوماسية المكاسب!../د.محمد ولد عابدين
تانيد ميديا : لا مراء فى أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني نجح خلال السنوات الماضية فى تجسيد تعهده بإقامة وتطوير “دبلوماسية ديناميكية وفعالة “..انطلاقا من مقاربة متوازنة ؛ أعادت البلد إلى حضن عمقه العربي وظلت منفتحة على بعده الإفريقي وفضائه الإقليمي ، فضلا عن الحضور القوي فى محافل المنتظم الدولي.
ولعل فى طليعة عوامل هذا الحضور الساطع ؛ ما ينعم به البلد من أمن واستقرار يتصدران مكتسبات هذه المرحلة ، فضلا عن التسيير العقلاني الرصين للأزمات الإقليمية فى محيط قاري قلق وفضاء جغرافي مضطرب ، تهدد بلدانه عوامل مزعزعة للاستقرار، أوشكت أحيانا أن تقوض أسس بعض الدول، وتعصف بكياناتها الهشة وتحولها إلى دول فاشلة ، نظرا لسوء الحكامة والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة تهددها مخاطر وتحديات جيو- ستراتيجية أمنية وتنموية عميقة ومقلقة.
لقد ظل البلد خلال السنوات الأخيرة حاضرا في المحافل الدولية بحيوية وديناميكية ، نظرا لموقعه الاستراتيجي ودوره الحيوي الريادي في منطقة الساحل والفضاء المغاربي العربي، مما مكنه من نيل ثقة الحلفاء الدوليين والشركاء الأوروبيين الذين باتوا يعولون على موريتانيا ؛ بوصفها المدخل الأساسي لنسج شراكات واستراتيجيات أمنية قوية مع بلدان الساحل، وتوالت في هذا السياق مؤخرا تصريحات كبار المسؤولين المجمعين على الإشادة بمكانة بلادنا الدبلوماسية.
وسنكتفى فى هذا المقام بحصاد أسبوع من المكاسب الدبلوماسية المتحققة للبلد فى هذا السياق الزمني الوجيز ؛ بوصفها دليلا دامغا على نجاح “دبلوماسية المكاسب “..حيث حصدت بلادنا نتيجة مشرفة في تقرير الولايات المتحدة الأمريكية المتعلق بالاتجار بالبشر ، فقد تجاوزت مستوى الرقابة لأول مرة فى تاريخها ووصلت للمستوى الثاني tier 2 على مؤشر هذا العام فى القائمة ذاتها التى تضم بعض الدول الإسكاندنافية مثل النرويج ، وغيرها من البلدان ذات المرجعيات الديمقراطية والحقوقية العريقة ؛ ولا شك أن لهذا التصنيف دلالات سياسية بالغة وانعكاسات اقتصادية هامة على مستقبل التنمية فى البلد فى ظل الآفاق التنموية الواعدة بحول الله ومشيئته.
أما المكسب الثاني فهو اختيار موريتانيا لعضوية المجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة عن مجموعة شمال إفريقيا ، وهي هيئة تضاهى فى مكانتها لبروتوكولية ومركزها الدبلوماسي مجلس الأمن ؛ بيد أنها مختصة بالشؤون الاقتصادية ، وتكتسى هذه الخطوة أهميتها من دلالتها على التزكية الدولية لحكامتنا الاقتصادية والاجتماعية خلال ظرفية دولية فى غاية الصعوبة والتعقيد ، طبعتها تداعيات الجائحة وانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية على الاقتصادات العالمية.
ويتمثل المكسب الدبلوماسي الثالث المتحقق خلال هذا الأسبوع فى منح موريتانيا درع الريادة فى الشفافية فى مجال الصناعات الاستخراجية من طرف المبادرة الدولية للشفافية فى مجال الصناعات الاستخراجية ، وهو تكريم يتجاوز الإشادة بالبرامج والسياسات القطاعية ليصبح تثمينا وتنويها بنهج وأسلوب البلد واستراتيجياته فى الحكامة الاقتصادية الوطنية.
إنها مكاسب دبلوماسية هامة تحققت فى ظرف قياسي وجيز ، ويتعين فى رأيي أن تحظى بالإشادة والتنويه ، وفى هذا السياق أدعو القائمين على مراكز الدراسات والبحوث ومسؤولى المؤسسات المختصة إلى تنظيم ندوات علمية رصينة ونقاشات فكرية جادة حول “حصاد المكاسب الدبلوماسية ” ..بحضور ومشاركة نخبة من حملة الرأي وقادة الفكر والأكاديميين والباحثين والإعلاميين والخبراء والمتخصصين ؛ بغية تقديم قراءات مستنيرة فى الأبعاد السياسية والاقتصادية والحقوقية والتنموية لهذه المكاسب الدبلوماسية بتجرد ومهنية وحياد وموضوعية .