الموقف الشرعي من انتهاك خصوصيات الناس وأعراضهم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
تعيش المجتمعات المعاصرة في عصر تكنولوجي متقدم، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس. ومع زيادة استخدام هذه الوسائل، أصبحت قضية انتهاك الخصوصيات تطرح تحديات جديدة تستدعي تبيان الموقف الشرعي منها. ويتأكد الأمر في حالة مجتمعنا جديد العهد بالمدنية التي طغى عليه فيها الجانب السلبي في أغلب مناحي الحياة.
وفي هذه المقالة، سنتناول الموقف الشرعي من انتهاك خصوصيات الناس ودور الدولة والعلماء والساسة وأصحاب الرأي وأهمية الوعي بذلك مع بعض المقترحات العملية التي نراها ضرورية من خلال المحاور التالية:
1- الموقف الشرعي:
يعتبر تسريب الخصوصيات وانتهاك الأعراض من الأفعال المحرمة شرعًا. فيجب على المسلم أن يحترم خصوصية الآخرين وأن يعاملهم بالأمانة في حفظ المعلومات الشخصية والخاصة. ومن آكدهذه الخصوصيات المعلومات الشخصية والمالية والطبية والأسرية وغيرها، ويجب أن تكون هناك توعية ووعي بأهمية حماية تلك الخصوصيات.
وفي حالة وقوع انتهاك لتلك الخصوصيات، يجب على الأفراد العمل على حذف وإزالة تلك المعلومات سواء كانت صورا أو مقاطع مسموعة أو مرئية وعدم التوسع في نشرها أو تداولها بأي شكل من الأشكال.
إضافة إلى ذلك، يجب على المسلمين أن يكونوا حذرين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأن يتجنبوا الانخراط في أنشطة تنتهك خصوصيتهم أو تتعارض مع قيم الإسلام. ينبغي عليهم أن يتحلى بالوعي والتثقيف حول حقوق الخصوصية وأهمية الحفاظ عليها، وذلك من خلال توجيهات العلماء والفتاوى التي توضح حكم حماية الخصوصية.
2- حرمة عرض المسلم
تؤكد النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على حرمة عرض المسلم واحترام كرامته وخصوصيته. قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (الحجرات: 6)، وقال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»(الحجرات: 11-12). وقال: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النور: 19).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه »، وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ »، وروى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته».
فالعِرْضُ من الأشياء التي صانها الإسلام، ومنحها الحماية، ووضعها في مكان الصيانة والتعظيم؛ لأن العِرض إحدى الضرورات الخمس لحياة الإنسان، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض، وتكريمًا للمسلم جاءت شريعة الإسلام السمحة لتحفظ له هذه الضرورات، وتضع كل الضمانات لحمايتها من النقائص والعيوب، ولقد أجمع العلماءُ والأئمة المجتهدون في كل العصور على أن مقاصد التشريع الإسلامي تهدف جميعها إلى حفظِ هذه الضرورات الخمس، ولولا الإسلامُ لضاع الإنسان بضياعها وإهدارها.
3- دور الدولة والعلماء والساسة وأصحاب الرأي في توجيه الناس
تلعب الدولة دورًا هامًا في توجيه الناس وحماية خصوصيتهم وأعراضهم. فينبغي عليها أن تتبنى تشريعات وقوانين صارمة تنظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحمي خصوصية الأفراد. ويجب عليها أن توفر آليات قانونية فعالة لمعاقبة المتسببين في انتهاك خصوصيات الناس والتعامل بحزم مع مثل هذه الأفعال.
وعلاوة على ذلك، ينبغي على العلماء والساسة أن يؤدوا دورهم في توجيه الناس وتوعيتهم بأهمية حفظ الخصوصية وعدم انتهاكها. فيجب على العلماء تبيين موقف الشريعة من انتهاك الخصوصيات والحث على احترام خصوصية الآخرين. وعلى الساسة وأصحاب الرأي أن يسعوا إلى نشر الوعي والثقافة المناسبة بين الناس حول حقوقهم في الخصوصية وأهمية حمايتها.
4- رفع الوعي بانتشار الواقع المزيف في وسائل التواصل الاجتماعي
علينا جميعا أن نعي خطورة عصرنا الحالي في ظل تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي. حيث إنه أصبح من السهل تزييف الصور والمقاطع الصوتية والمرئية وفبركتها لأغراض التشهير والابتزاز وغيرها.
5- استحداث أجهزة أمنية وقضائية متخصصة
مع التزايد الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح من الضروري إنشاء شرطة متخصصة في حماية خصوصية الأفراد ومكافحة انتهاكها وتتبع المنتهكين. يجب أن تكون هذه الشرطة مجهزة بالمهارات والمعرفة اللازمة للتعامل مع التحديات التكنولوجية المعاصرة ومراقبة والتحقيق في حالات انتهاك الخصوصية. كما ينبغي استحداث محكمة متخصصة للبت في القضايا ذات الصلة بالجرائم الالكترونية بصفة عامة وبجرائم انتهاك الخصوصيات بصفة خاصة.
الدكتور/ السالك أعل سالم