مداخلة ما قبل النطق في الدفع بالمادة 93/ ذ/محمدو ولد إشدو
تانيد ميديا: بسم الله الرحمن الرحيم
… {على الله توكلنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين} (الأعراف 78).
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
في إطار الرد على ما أثير من لغط وتشويش حول دفعنا بعدم اختصاص محكمتكم الموقرة وموانع تحريك الدعوى العمومية ضد موكلنا؛ عملا بالمادة 93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية، أود أن أبدأ بشكركم على إفساح المجال لمن ادعوا أنهم طرف مدني يمثل الدولة في هذه المسطرة، دون أن يكون للدولة حق التمثيل بغير النيابة العامة، ودون أن يدلوا بنص قانوني أو ببينة على ما يدعونه، ودون إعذار في دعواهم لمن يدعون عليهم؛ ثم على إعطائهم حق التدخل والحديث فيما لا حق لهم في الحديث فيه، حتى لو اعترفنا جدلا بِطَرَفيتهم المدنية؛ ألا وهو حرية المتهمين.. وذلك بصريح المادة 186 من قانون الإجراءات.. فأخذوا يصولون ويجولون دون أن توقفهم محكمتكم عند حد!
… فرب ضارة نافعة!
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
– كان من المفترض أن يمثل المتهمون أمامكم أحرارا بقوة المادة 256 إجراءات، ففوجئوا وفوجئ دفاعهم بأمر بإيداعهم مؤسس على مواد من “الكتاب الأول: في ممارسة الدعوى العمومية” لا علاقة لها بالموضوع الذي يحكمه “الكتاب الثاني: في محاكم الحكم – الباب الأول: في المحاكم الجنائية – الفصل الرابع: في الإجراءات التحضيرية للدورات الجنائية – القسم الأول: في الإجراءات الإجبارية – الفقرة الأخيرة من المادة 256 ق. إ. ج.
– أثرنا أمامكم الموضوع بإسهاب عملا بالمادة 285 من نفس الكتاب، فلم تبتوا فيه؛ خلافا لنصي المادتين 285 و286 منه، وتقولان تباعا: “للمتهم والطرف المدني الحق في تقديم طلبات، ويجب على المحكمة الجنائية أن تبت فيها؛ يُحْكَم في كل الأحداث العارضة التي يمكن أن تكون محل نزاع من طرف المحكمة الجنائية بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف ومحاميهم…”.
– وحين تقدم بعض المتهمين بطلبات حرية مؤقتة رفضتموها عملا بمادتين لا علاقة لهما بالموضوع، هما المادتان اللتان أسستم عليهما أمر الإيداع 147 و153 لمجرد أن ظلت النيابة ودفاعها يتشبثون بهما قبل – وبعد- الإيداع تشبث الغريق! وأمرتم بمقتضى رأي النيابة العامة الوارد عليكم بتاريخ 31 /01/ 2023 “الذي تُبَيِّنُ فيه أنها تعارض الإفراج المؤقت عن المتهم نظرا لإيداعه طبقا للمادتين 147، 153 قانون الإجراءات الجنائية على ذمة المحكمة الجنائية المختصة في جرائم الفساد”! وأنتم تعلمون أن هذا غير صحيح، وأن المادتين المذكورتين غير منطبقتين، والتأسيس عليهما داخل في عملية تضليل محكمتكم والتشويش عليها وعلى نزاهة حكمها! ولم تناقشوا ببنت شفة الوضع الصحي لموكلنا، ولا التمييز السلبي الممارس ضده. وهذا كله مخالف لجميع قوانيننا وقيمنا النبيلة! وخاصة الفقرات الثلاث الأولى من المادة التمهيدية من ق. إ. ج، ونصها: “يجب أن تكون الإجراءات الجنائية عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف. ويجب أن تضمن الفصل بين السلطات المكلفة بالدعوى العمومية والسلطات المكلفة بالحكم. يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد”.
– جئناكم مستجيرين بصفتكم قضاء جالسا نحمل نحو 50 أمرا وقرارا مخالفة كلها لصريح القانون ومطابقة لرأي النيابة! وها هي ذي تربو وتتزايد مثل الفُطْر غِبَّ المطر!
وهي كلها أمور جعلتنا في حيرة من أمرنا وأمر العدالة في بلادنا!
ولكن الله – عز وجل- فتح علينا حين قَيَّضَ لنا فضيلة القاضي المخضرم والمحامي الجديد والشيخ الصوفي الورع فضيلة الشيخ فاضلي ولد محمد ولد الرائس الذي فتح أعيننا وبين لنا السبب! وإذا عرف السبب بَطَل العجب!
فشكرا جزيلا لفضيلته الذي ظل خلال الأيام الخمسة المنصرمة يملي علينا وعلى المحكمة إرادته وفقهه وتصوفه، ويظهر أبهته وسلطانه، ويسيء على المتهمين، ويحرض المحكمة على قمع الدفاع ويطالب صراحة بحبسه! ولا تستطيع المحكمة فعل شيء تجاهه!
لقد قال لنا الشيخ أمامكم بصراحة ووضوح ما بعده وضوح إنه من المخابرات، ويعمل لحساب وزارتي الداخلية والدفاع وإدارة الأمن، بأجور مدفوعة تحت غطاء (اتفاقيات استشارة)! وليس هذا فقط؛ بل وقال إنه يعرف الجواسيس من القضاة ومن المحامين! ودعانا لنَتّبِع طريقته المثلى ونصبح جواسيس!
فهل كنا نجهل ما اعترف به فاضلي على رؤوس الأشهاد؟ كلا، ولا كنتم أنتم تجهلونه! ولكن الجديد في الأمر هو اعترافُ وشهادةُ عراب فتنة المرجعية وقائد فيلق دفاع النيابة بأن القضاء مخترق ومسخر من طرف المخابرات، ويقوده فضيلته بجناحيه: القضاة والمحامين! ولم يقف عند ذلك الحد البعيد؛ بل أساء إلى كثيرٍ، وإلى الجيش بقوله: “إن افريقيا قد ابتليت برؤساء يأتون على ظهور الدبابات ويحكمون البلاد وهم غير مؤهلين لحكمها لا علما ولا عقلا ولا أخلاقا”! وكأنه يهيئ التربة لانقلاب على مقاسه!
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
تلكم هي الظروف والأجواء التي تسير فيها هذه المحاكمة حتى الآن: خرق النصوص القانونية الصريحة، وانتهاك الحريات وإهانة المتهمين، وسيطرة الجواسيس! فهل تسمح مثل هذه الظروف لقضائنا بإنجاز مهمة العدل بين الناس؟!
وبخصوص دفعنا بترتيبات المادة 93 من الدستور، فيبدو أن مواقع دعاة وأدها وإلغائها تنهار الواحد تلو الآخر:
لقد ذهب د. لو غرمو: في مداخلته إلى ما هو أبعد، فدافع عن شرعية “اللجنة البرلمانية” مدعيا من جديد كون النظام الداخلي للبرلمان “قانونا نظاميا” بحجة أنه مر بالمجلس الدستوري. وهذا قول لا أساس له من الصحة. وقد سبق أن فندناه وبينا بطلانه في الحلقة الأولى من مقالنا دفاعا عن الشرعية، وفي السؤال السابع من “تمخض الجبل ثلاثا ولم يلد”. وقلنا من بين ما قلناه: إن “القانون النظامي هو قانون مكتوب تضعه السلطات التشريعية المختصة، وإن النظام الداخلي للبرلمان نظام بيني ليست له أية صبغة قانونية، ولا يسري إلا على النواب”.. ثم قال بخصوص الدفع: إن تقدير الاختصاص لا يتمتع به إلا الدولة التي تمثل الشعب صاحب السلطة. وعليه فإن مجلة الإجراءات هي التي تحدد الاختصاص. ومن هذا القول يبدو أن النقاش والبحث في واد، وزميلنا الدكتور في واد! فنحن نتحدث عن مادة مُحْكَمَة من الدستور تقول بصراحة: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”. وهو يتحدث عن مجلة الإجراءات الجنائية “التي سنتها الدولة التي تمثل الشعب صاحب السلطة” ويريد بواسطتها نقض أحكام الدستور، ومساءلة رئيس الجمهورية عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته، واتهامه من طرف النيابة، ومحاكمته من طرف القضاء العادي! ناسيا – أو متناسيا- أن الدستور هو القانون الأسمى الذي صادق عليه وحده الشعب في استفتاء من بين جميع القوانين، وبه تقوم الدولة، وهو الأعلى من جميع القوانين.
انواكشوط 06 /02/ 2023
يتبع