ولد بكار: زيادة المحروقات لابد من أن يرافقها برنامج “مارشال” خاص
تانيد ميديا : وأخيرا جاء قرار زيادة المحروقات بعد أن أصبحت موريتانيا من آخر البلدان التي تزيد أسعار المحروقات في العالم، وبعد أن ذهب دعمها ب 20 % من ميزانيتها أي 163 مليار أوقية إضافة إلى 29 مليار لدعم الكهرباء، ومع ذلك سيكون هذا القرار من أكثر القرارات ضغطا على الحياة العامة بما يمثله من التأثير على مركز سلسلة الأسعار (المحروقات ) وعلى النشاط الاقتصادي. كان هذا القرار متوقعا قبل هذا لكن الرئيس غزواني رفض أي زيادة على المحروقات وعلى الكهرباء وتدخل لمنع زيادة سعر الخبز الذي طالبت الاتحادية الوطنية للمخابز بزيادة فيه تصل إلى 180 أوقية للخبرة بسبب زيادة طن دقيق القمح الصافي farine من 150000 ألف إلى 235000 أوقية للطن ، ومنع الزيادة على المواد الغذائية من الدرجة الأولى مثل القمح والزيوت والأرز والحليب والسكر التي يمليها زيادة النقل وزيادة المواد الأساسية في العالم. بلدان الجوار حسمت أمرها بسرعة وقررت الزيادات حسب الموازنات المالية وحسب الضغوط الاقتصادية.صحيح أن كل دولة تبنت طريقتها فمنها من اكتفى برفع التعرفة الجمركية عن بعض المواد الأساسية مثل السنغال وسمحت برفع الأسعار عليها وعلى غيرها ،لكن موريتانيا فضلت الطريق الأصعب التي هي ترك الأسعار على ما هي عليه ودفع الفارق الذي كلفها خُمس ميزانيتها وأضافت أعباء جديدة تمثلت في الدعم الاجتماعى المستمر للفئات الهشة التي ازداد سوء حالها بالأزمات الدولية(كورونا ،أوكرانيا ) .
هذه الوضعية ترافقها أزمات جوهرية :
– أن الشعب استهلاكي وليس منتجا ولم يحصل على التأطير ولا الدعم والحشد في إطار خطة أو أولويات مرتبطة بالمرحلة .
– غياب المجهود الاقتصادي لرجال الأعمال، فطبقة رجال الأعمال تستثمر في الغالب الأعم في التجارة والمقاولات والصفقات التي تمتص بها رحيق الشعب ولا تقوم بمجهود معتبر في الصناعة أو الزراعة أو الصيد أو الثروة الحيوانيه .
– ضعف حكومة ولد بلال وغياب القدرة التوجيهية( والمتابعة والتنسيق )التي هي من مهمة الوزير الأول وعدم الخروج بخلاصة حقيقية حول طريقة التعينات وشغل المناصب خاصة فصل المناصب المحورية اقتصاديا وماليا وفنيا (تصوريا ،وتنفيذيا )عن السياسية والحسابات الجهوية والقبلية وغيرها .
– غياب أي دور سياسي وإعلامي عقلاني توجيهي يتناغم مع أولويات المرحلة والبقاء في الأهم بدل الاهتمام والبقاء دائما داخل حلقة مفرغة من الأمور الشكلية والتي في نهاية المطاف تكون سطحية وتعيد الفكر والتفكير للوراء .
إن هذه الخطوة ستكون مؤثرة على الحياة العامة بمضاعفة كلفة الحياة خاصة القوت اليومي في بلد فقير وملامحه العامة تلك التي ذكرناها ،لكنها في الحقيقة خطوة فرضها الاختلال الكبير في الميزانية غير القابل للإصلاح في ضوء الاستمرار في دعم هذه المواد كما كان إصرار الرئيس غزواني عليه، رحمة بالمواطنين الذين لم يطلّعوا على حقيقة الوضع ،لكنها تتطلب أيضا خطة “مارشال ” وطنية مصاحبة من ثلاث محاور :
– محور حكومي
– محور شعبي
– محور الأعمال الحرة .
الإطار العام لهذه الخطة هو أن التنبؤات بنهاية هذه الأزمة غير معروفة، بل يعتبر بعض المحللين أن الأطراف التي تتزعم العالم تخطط لتغيير التوازنات العالمية وبالتالي تريد إطالة أمد الأزمة وزيادة تعقيداتها حتى تسفر عن النظام العالمي الجديد الذي تريده، أو تحقيق التوازنات الجديدة. نحن، أي موريتانيا، لن يكون لنا دور في العملية مع مثيلاتنا من دول العالم سوى تجرع مرارة الانعكاسات السلبية على العملية وبالتالي علينا استشعار الخطر ،ثانيا أن لدينا موارد كبيرة مازالت في مراحل قبل الصناعية يمكن تثمينها بأضعاف مجهودنا الحالي من الناحية النظرية والفنية والعلمية والواقعية والاقتصادية وبالتالي نحتاج لإرادة ووضوح رؤية وتحديد أهداف في الزمن وفي الواقع وفي المعطيات ،ثالثا أن الرئيس الحالي حسب القرارات والسياسات التي تبناها يملك النية الحسنة والإرادة الوطنية والرحمة بالفقراء وبالتالي يمكن في كنفه تبني قرارات وطنية مهمة لمواجهة هذه الوضعية وينقصه الفريق .
إن الخطة التي أتصورها لابد لها من نقلة حقيقة في هذه العناصر الثلاثة التي ذكرت سابقا .
أولا الحكومة : فلابد من فصل المناصب والمراكز الفنية والمالية عن السياسية سواء في الحكومة أو في الإدارات المركزية وإخضاعها لنمط خاص من المعايير ومن الصلاحيات ومن المهام ليشغلها من يملك ثلاثة أبعاد (بُعد الخبرة وبعد الوطنية وبعد الاستقامة) وتستبعد منها ثلاثة أبعاد (البُعد القبلي ،البعد السياسي ،البعد الشكلي أي الشهادات الورقية ) ويتم بناء تصور أو مقاربة جديدة بالنسبة للقطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلد من قطاعات تجارية إلى قطاعات مندمجة في الأهداف الكبيرة للمرحلة التي في مقدمتها تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل وذلك بتغيير سياسية الصيد من قطاع تجاري لتوفير العملة الصعبة إلى قطاع يحقق الغذاء الشعب ويدعم التثمين المحلي للثروة .
كما تتجه الحكومة لدعم تجربة وطنية زراعية في مجال زراعة القمح والخضروات والنباتات الزيتية والعلف. وهذه التجربة تتم بواسطة فتح مجال الشراكة مع المستثمرين واستخدام قوة الدولة في الإصلاح العقاري الذي يدعم مقاربة المرحلة وتحويل بعض الديون إلى هذه الخطة. فقد حولت موريتانيا بعض ديونها من بنوك خارجية إلى إسنيم لأجل انقاذها .
هذه الخطوات تحتاج لأن تشعر الدولة بحجم الخطورة وتأثير الوضع على ظروف الشعب الذي يقبع ثلثاه في الفقر وأكثر من ثلثه تحت ذلك ويملك ثقافة التبذير والثراء الفاحش السريع وكره العمل وعدم التفاني في الخدمة العمومية والمغالاة في الثقافة الهابطة والابتذال ،مع انعدام الوازع الديني والأخلاقي وسطوة الفكر والثقافة انعدام والقوة التوجيهية للدولة ،يجب أن تحدث تغييرات جوهرية في ميكانيزمات وآليات قرار التعيينات لمثل هذه المناصب وأن يتم تحيين الحكومة على أساس المرحلة التي تشكل خطرا داهما على بلدنا الذي يعيش ضغوطا اجتماعية وسياسية لها تأثيرات عميقة على الأمن والسلم الاجتماعي.
كما يجب أن يتضمن هذا الإصلاح التخفيف من غلواء السلوك الاستعراضي لتسيير التعدين الأهلي وتخفيف القيود الإدارية على الناس التي ترمي أموالها ووقتها وحياتها في مجازفة استهوت 58000 من القوة الحية وصار من أكبر القطاعات إغراء للمواطنين والأجانب بعد تحرير الرئيس له ومنحه اهتماما كبيرا يمكن مضاعفة جهوده بمقاربة أكثر علمية كما على الشعب أن يساهم في تخطي الأزمات من خلال العمل والمشاركة في تحمل جزء من أعبائه لكن في ضوء سياسية جديدة للحكومة أو مقاربة وطنية تقوم على تغيير سياسية الصيد ودعم الزراعة والثروة الحيوانية نحو تحقيق الأمن الغذائي وتحقيق الإكتفاء الذاتي ومن ثم جعلها قطاعات إقتصادية ،يجب توجيه تركيز مجهود الدولة مثل ما تفعل في المحفظة الإجتماعية بأن تحول الاهتمام نحو الغذاء والتشغيل من خلال تنمية هذه القطاعات.
– بالنسبة للشعب عليه أن يستعد لخوض تجربة جديدة تقوم على تجاوز العقليات البائدة والعمل من أجل القوت اليومي وليس لأجل الفساد. وعلى النخبة أن تنضم للمرحلة من حيث التفكير والتعبئة ودعم المبادرات الإيجابية وتصور الحلول ونبذ قيم الفساد وروافد التخلف التي منها الكسل والاتكالية وسياسية المصالح والشعبوية الطافحة كما عليها أن تنتج مفكرين وزعماء وطنيين .
أما طبقةرجال الأعمال فيجب أن تشارك في الرهانات الوطنية وتتجه لتوسيع مجال عملها حتى يشمل الزراعة والصيد ودعم المشاريع الإنتاجية والحرفية ودعم الخريجين والاندماج في مقاربة الدولة حول التنمية .
إننا أمام لحظة وطنية لا تعني فقط الرئيس لكنها تعني الشعب وقواها الحية وطبقاته الفاعلة اقتصاديا وسياسيا إنها مرحلة تستدعي مراجعة الرهانات والأهداف القريبة إلى دعم خيارات السلم وكسب الرهانات الأساسية لبناء الدولة .
كتبه الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار