“موي”…/ البشير ولد عبد الرزاق
تانيد ميديا : ربيع ناعم جدا، ذلك الذي يحدث على الضفة الأخرى لنهر صنهاجة،
بين السينغال وموريتانيا يفصل نهر واحد فقط، صفحة مياه، عليها عبارة وجسر لم يكتمل بناؤه بعد، من يدري؟ ربما نستيقظ ذات صباح، على أشياء أخرى مشتركة بين موريتانيا والسينغال، غير حقل “أحميم” للغاز.
لم يكن السنغاليون بحاجة إلى شعارات طنانة ولا إلى أناشيد وطنية يسكنها الشجن، لكي يصنعوا ربيعهم السياسي، هي كلمة سحرية واحدة، بسيطة جدا، بساطة الحكايات التي ترويها لك عجائز الوولوف، وهن يعلكن حبات الكولا اللذيذة، “موي” MO0Y: (ديوماي “موي” سونكو…سونكو “موي” ديوماي)، ويعني ذلك بالعربي الفصيح جدا، أن “ديوماي” هو “سونكو” وأن “سونكو” هو “ديوماي”، إنها “نظرية الحلول” في أبهى صورها.
وإذ يحجون إلى صناديق الاقتراع في ذلك الصباح الشاتي، ينتقم السينغاليون، في طريقهم، لكل أولئك الذين قتلوا وجرحوا وسحلوا في شوارع داكار وسينلوي وكيس وزيكنشور وكيددياواي…، يضعون إكليلا من زهور الأكاسيا الجميلة، على رأس عصمان سونكو، سياسي إفريقي من الطراز الرفيع، نكل به وأودع السجن، وحرم من الترشح ورغم كل تلك الأفعال الشنيعة، نجح الرجل في انتخابات رئاسية ومن شوطها الأول، دون أن يشارك فيها.
ليس هذا لغزا مستعصي الطلاسم، فكل اللذين حملتهم الشعوب على أعناقها، وصلوا دائما إلى أبعد من حدود المستحيل، وأسالوا متون التاريخ إن كنتم لا تعلمون.
الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان مخلصا جدا لتلك الدماء السمراء التي تسري في عروقه، قبل أن يغادر البيت الأبيض، أسدى الرجل النصح لقارته الأم، قال لهم في وجوههم، إن إفريقيا ليست بحاجة إلى زعماء أو إلى رجال أقوياء، بل هي بحاجة إلى مؤسسات قوية، أنصتت السنغال جيدا لتلك النصيحة الذهبية، فأنقذت نفسها من المنحدرات الزلقة، بل وأنقذت رئيسها السابق، ماكي صال، مما سولت له النفس الأمارة بالسوء،
باختصار ممل جدا، مؤسسة دستورية واحدة قوية، خير من ألف زعيم ولو أعجبكم.
نحن الذين تعرقنا طويلا أمام شاشتنا الصغيرة، من هول المصائب القادمة من السودان وغينيا ومالي وبوركينا وتشاد والنيجر والغابون…، كنا بحاجة ماسة إلى من يأخذنا إلى عوالم أخرى حالمة، فعلتها بنا السنغال وكفتنا حرج لحظاتنا البائسة تلك.
الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية وفساد وتزوير الانتخابات، ليست قدر إفريقيا المحتوم ولا حكمها المؤبد، يقول مكيافيلي، إن السياسي الناجح يحتاج لأمرين إثنين، أن يكون موهوبا وأن يكون محظوظا، فهل يعقل أن هذه القارة العتيقة، خلت من رجال موهوبين ومحظوظين؟
في عز الربيع العربي وبعيد ثورة الياسمين، شاعت في تونس نكتة طريفة، تقول إن التونسيين حين فرغوا من ثورتهم، طلبوا من الليبيين أن يطأطئوا رؤوسهم، حتى يقذفوا الثورة للمصريين، لأن الأمر لا يعنيهم البتة، لم يتوقع أحد يومها أن يحدث تغيير في ذلك البلد، إذ أتى على الليبيين حين من الدهر، كانوا بالكاد يستطيعون فيه تغيير ملابسهم، لكن أحفاد عمر المختار، سرعا أذهلوا العالم أجمع، عندما فعلوها وأرسلوا العقيد وثورته الثقيلة، إلى دهاليز النسيان.
لا توجد شعوب خانعة ومنبطحة ومكسورة الجناح، بل الشعوب هي ذاتها الشعوب، منهم من أنجز فروضه ومنهم من ينتظر.
وللقصة بقية…