عسكرة الصفقات.. قرابة 130 مليارا للهندسة العسكرية خلال 3 سنوات
أظهرت إحصائية أعدها فريق من وكالة الأخبار المستقلة حصول الهندسة العسكرية على عشرات الصفقات عبر التراضي من قطاعات حكومية مختلفة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما قاربت قيمة هذه الصفقات 130 مليار أوقية قديمة.
ويشكل هذا المبلغ أكثر من نصف مجموع مبالغ صفقات التراضي التي تم منحها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وتم منح هذه الصفقات للهندسة العسكرية من طرف قطاعات الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، والمياه والصرف الصحي، والتجهيز والنقل، إضافة لقطاعات ومؤسسات أخرى من بينها وزارة البترول والطاقة والمعادن، ومندوبية “تآزر”، ومعادن موريتانيا.
وبلغ مجموع الصفقات التي أحصاها الفريق 31 صفقة، (فيما بقيت صفقات أخرى خارج الإحصائية لعدم توفر معطيات تفصيلية عنها)، ومن بين الصفقات التي تم إحصاؤها 12 لقطاع الإسكان، و9 لقطاع المياه والصرف الصحي، و5 لقطاع التجهيز والنقل، فيما توزعت البقية بين قطاعات حكومية مختلفة.
تنافس القطاعات
وتصدرت مندوبية “تآزر” القطاعات الحكومية من حيث المبلغ المالي الممنوح للهندسة العسكرية، مع أنها منحتها صفقة واحدة، تتعلق ببناء 4410 مسكنا في العاصمة نواكشوط، بمبلغ فاق 68 مليار أوقية.
وجاءت في الرتبة الثانية من حيث المبلغ وزارة التجهيز والنقل بأكثر من 28 مليار أوقية قديمة، ثم وزارة المياه والصرف الصحي بـأكثر من 15 مليار أوقية قديمة.
بعض الصفقات التي منحت للهندسة العسكرية خلال العام 2021
أما من حيث عدد الصفقات الممنوحة عبر التراضي للهندسة العسكرية، فتصدر القطاعات الحكومة قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، والذي منح الهندسة العسكرية خلال هذه السنوات الثلاث الأخيرة 12 صفقة.
وجاء في الرتبة الثانية قطاع المياه والصرف والصحي بـ9 صفقات، ثم قطاع التجهيز والنقل بخمس صفقات.
تفويت لنافذين
وكان لافتا – وفق متابعات الأخبار – تفويت الهندسة العسكرية لعدد معتبر من هذه الصفقات – كليا أو جزئيا – لشركات خصوصية مملوكة لرجال أعمال مشهورين، أو لهم ارتباطات بشخصيات نافذة، وذلك رغم صراحة القانون في منع تفويت أكثر من نسبة 30% من المبلغ الإجمالي للصفقة، ووضعه لشروط يلزم توفرها لتفويت هذه النسبة.
وتحدد مدونة الصفقات في المادة: 59 الشروط اللازم توفرها قبل التعاقد من الباطن على أجزاء من الصفقات العمومية، ومنها الحصول على قبول من السلطة المتعاقدة، والموافقة على شروط الدفع الخاصة به.
النص القانوني الذي يمنع تفويت أكثر من 30% من قيمة أي صفقة
كما تشترط أن يتم النص على هذا الاحتمال في ملف المناقصة، وأن يوضح المتعهد في مناقصته طبيعة ومبلغ جزء الخدمات الذي ينوي التقاعد من الباطن عليه.
وأضافت المادة في فقرتها الرابعة، على أنه في حال التعاقد من الباطن، يظل صاحب الصفقة مسؤولا بشكل شخصي عن أداء جميع التزاماته، مردفة أنه لا يمكن أن يؤدي التعاقد من الباطن تحت أي ظرف من الظروف إلى تعديل جوهري في مؤهلات صاحب الصفقة بعد منحها.
بعض الصفقات التي منحت للهندسة العسكرية خلال 2022
وتعتمد طريقة “التعاقد من الباطن” أداة للالتفاف على إجراءات الصفقات المنصوصة في القانون، وخصوصا مبدأ التنافسية، والذي يشكل أهم مبادئ الصفقات العمومية، حيث يتم منح هذه الصفقات للهندسة العسكرية دون تنافس بسبب طابعها العمومي، لكنها في النهاية تؤول لرجال الأعمال دون أن يتنافس مع غيرهم من رجال الأعمال الذي لديهم نفس المؤهلات والمركز القانوني.
ولاحظ الفريق الذي تابع بعض هذه الصفقات ميدانيا خلال التنفيذ أن العديد منها تم التنازل عنها كليا أو جزئيا لشركات خصوصية، بعضها يعود لرجال أعمال نافذين، وبعضها لنواب في البرلمان.
ومن بينها الصفقات التي تم التنازل عنها أشغال بناء وتوسيع مدارس في مختلف الولايات، وكذا أشغال إنشاء مرافق عمومية بتجمع بقله بمقاطة عدل بكرو، وأشغال إنشاء مقر مكتب رئيسي لشركة معادن موريتانيا بمنقطة المطار القديم في نواكشوط.
بعض الصفقات التي منحت للهندسة العسكرية خلال 2023
كما أن بعض هذه المشاريع واجه تعثرا في انطلاقة أشغاله، أو أثناء التنفيذ، وبعضها استدعى تمديد الفترة المحددة لإنجازه، وزيادة المبلغ الممنوح، كمشروع توسعة شبكة المياه الصالحة للشرب بقرية بوحديدة انطلاقا من حقل بوحشيشة، فيما اكتمل بعضها ضمن الآجال المحددة له.
ومن بين الصفقات التي منحت للهندسة العسكرية، وبطريقة لافتة، صفقة ترميم مبنى الحكومة القديم، والتي حصلت عليها بمبلغ 2.3 مليار أوقية قديمة، وهو مبلغ قريب من ضعف أعلى عرض تم تقديمه لمناقصة مفتوحة أعلن عنها قبل ذلك، لنفس الموضوع وتم إلغاؤها، حيث لم يتجاوز أعلى عرض 1.2 مليار أوقية قديمة، لكن الوزارة ألغت المناقصة بعد اعتبارها “غير مثمرة”، ومنحتها للهندسة العسكرية عبر التراضي، وبمبلغ 2.3 مليار أوقية.
أشغال قبل المنح
ومن آخر الصفقات التي حصلت عليها الهندسة العسكرية، صفقة طريق الصواطة – مونكل، والصواطة – باركيول، والتي أعطى إشارة انطلاق أشغالها الرئيس محمد ولد الغزواني يوم 28 ديسمبر المنصرم خلال زيارته لولاية كوركل.
محضر منح صفقة طريقي اصواطة باركيول والصواطة مونكل
فقد باشرت الهندسة العسكرية إعداد انطلاقة أشغال هذه الطريق التي منحت لها بـ18 مليار أوقية قديمة، حتى قبل أن تصدر اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية قرارها بشأنها منحا أو رفضا، حيث إن رسالة لجنة صفقات القطاع لم تصل إلى لجنة رقابة الصفقات العمومية إلا يوم 26 ديسمبر، أي قبل يومين من الموعد المحدد للتدشين.
وقد سابقت اللجنة الزمن، لإصدار قرارها بـ”عدم الاعتراض” على الصفقة قبل اليوم المحدد للتدشين، حيث أصدرت قرارها بهذا الخصوص يوم 27 ديسمبر قبل أقل من 24 ساعة من موعد التدشين، وجاء المحضر خاليا من المبلغ الذي منحت به الصفقة، ومن الجهة التي منح لها، خلافا لمحاضر اللجنة، والتي تتضمن عادة كل التفاصيل، لكن وزارة التجهيز والنقل ذكرت الجهة التي منحت لها الصفقة، ومبلغها في تغطيتها للخبر على صفحتها في فيسبوك.
نفي للتفويت
وقد اتصلت وكالة الأخبار المستقلة بمديرية الاتصال والعلاقات العامة في قيادة الأركان العامة للجيوش، وسألتها عن مبررات تنازل الهندسة العسكرية عن الصفقات التي يتم منحها له بالتراضي.
وقد نفت المديرية أن تكون الهندسة العسكرية قد تنازلت عن الصفقات التي منحت لها، مؤكدة أن كل المشاريع التي تتولى الهندسة العسكرية يتم تنفيذها من طرفها بشكل مباشر.
وأضافت المديرية أن المشروع لا بد أن يتولى الإشراف عليه ضابط من الهندسة العسكرية، كما يتولى فنيون عسكريون مراقبة الأعمال.
ولفتت المديرية في توضيحها إلى أن الهامش الوحيد الذي قد تلجأ إليه الهندسة العسكرية في بعض مشاريعها هو التعاقد مع بعض رجال الأعمال لتوفير بعض مواد البناء، أو لتوفير بعض العمالة.
وشددت المديرية في توضيحها على أن الهندسة العسكرية لم تصل في أي من المشاريع التي تتولاها إلى النسبة التي يسمح بها القانون من قيمة الصفقات، وهي 30%.
ونوهت المديرية إلى أن الهندسة العسكرية مؤسسة وطنية ذات تجربة رائدة في مجال الأشغال، وقد أثبتت جدارتها من خلال تنفيذها للمشاريع التي تسند إليها، وفق أعلى معايير الجودة وفي الآجال المحددة، وهو ما كان محل إشادة من كل من تعاقدوا معها.