التعليم وقاطرة الإصلاح../أحمد ولد أبته

ظلت المنظومة التربوية تراوح مكانها في طور الكمون ردحا من الزمن ،وظلت السياسات المتبعة في القطاع سياسات مترهلة إلى حد بعيد جاعلة حلم الإصلاح حلما بعيد المنال حتى غدا تصور الانتقال من هذه المرحلة مستحيلا في العقل الجمعي الموريتاني، فهذه الوضعية حسب كثيرين وضعية جاءت نتاج كثير من عوامل الإخفاق أرستها إشكاليات عميقة لا تقوى الإرادة على مواجهتها خصوصا إذا كانت إرادة من خارج السياق.

والآن وبعد أن تسلم القطاع أحد من سدنة الإصلاح وبدأ التعليم يسير شيئا فشيئا على السكة بقاطرة مليئة بآمال الوصول إلى بر الأمان ،صار من ممكن استشراف نتائج مختلفة عن النتائج السابقة المخيبة والتي كانت تنتهج سياسة تكرير التجارب غير الناجعة وانتظار نتائج مختلفة ،قد يتساءل البعض حين يمر على هذه الحروف الأول من المقال مندهشا قبل البدء فيما سأقدمه من أدلة على كلامي، لكنه سيجد نفسه مقتنعا عندما يتابع السرد حتى محطته الأخيرة ليرى بأم عينه إنجازات شاهدة واعدة مقنعة فقديما قيل ليس من رأى كمن سمع.

حملت قيادة القطاع حاليا مشعل الإصلاح والحالة كما ذكرنا آنفا، لكنها أصرت بالفعل لا القول على تحدي الصعاب وتجاوز العقبات ، كان البدء من بوابة المصادر البشرية ضبطا وتنظيما ونجحت في ذلك إلى أبعد الحدود، فقد كانت سياسة التحويلات والاكتتاب من قبلُ سياسة تتسم بكثير من الفوضوية أحيانا والضبابية  أحايين أخرى، إذ كان المعلم والأستاذ يحولان ببساطة من ولاية إلى أخرى تاركين فارغا خلفهما ومحدثين فائضا في مكانهما الجديد، فتحويلهما يشبه إلى حد كبير تحويل رصيد الهاتف(envoyer crédit)  الأمر الذي تم القضاء عليه الآن بجهد حملة مشعل الإصلاح ، فقد صار التحويل وفق معايير واضحة وشفافة وهي لعمري سياسة ناجعة في تسيير الموارد البشرية .

لم يكتف القطاع بهذا الترشيد وحده في مجال المصادر البشرية بل أسس لما يثمن مهنة التدريس بإشراك كل الفاعلين في الحقل ضاربا بذلك مثلا في إنصاف فرسان الميدان،أولائك المدرسون الذين طالما طمرهم النسيان في طيات الأثير ،فكم مضى من الزمن على المدرس الميداني وقفا أمام سبورته حاملا طبشوره وهمه يثقل كاهله ولا سياسة لتثمين وقفته تلك معنويا وماديا ؟ ،لكنه اليوم وبعد إنشاء مشروع تثمين مهنة المدرس صار لوقفته معنى .

سيتساءل البعض عن الخطوات العملية لهذا المشروع ظنا منهم أنه مشروع مستقبلي ؟ لكن الأرقام تثبت أن الحاضر حاضر فيه فقد بدأت بالفعل التحفيزات تتقاطر على المدرس في قسمه دون سواه ، فها هي ذي علاوة الطبشور شهدت زيادات جعلتها تصرف طيلة العام له بدل تسعة أشهر وصار مبلغها 45000 أوقية قديمة وهو مبلغ محترم والقادم أفضل بإذن الله، كما أن علاوة البعد شهدت زيادة 150% في عامين وتضاعفت في هذا العام علاوة التجهيز ،وصار للتأطير معنى حين تم منح علاوة الطبشور للمديرين في المدارس كلها وزيدت علاوات التأطير ب10000 أوقية قديمة العام المنصرم و15000 أوقية قديمة في ميزانية هذا العام.

كي لا أغوص في الجانب المادي أكثر وهو لعمري جانب مهم يستحقه المدرس لابد أن أعرج في هذه العجالة على بعض ملامح الإصلاح كي لا أقول كلها فما لا يدرك كله لا يترك جله، فقد عكف القطاع كذلك في الآونة الأخيرة على إصلاح في البرامج يتضمن مراجعة وتحديثا لكل المستويات وأعد كتبا في سبيل توفير الكتاب المدرسي بأعداد كبيرة كما وفر الكتاب الألكتروني لأول مرة ،هذا بالإضافة إلى مراجعة مناهج مدارس تكوين المعلمين وتكثيف التكوين ليضمن إخراجا محترما لمعلمي الغد.

وفي جانب البنى التحتية يعكف القطاع على توفير آلاف الحجر الدراسية وصيانة الآلاف وذلك لحل مشكل الاكتظاظ وتوفير خدمة التعليم على نطاق واسع .

قدمت في هذه العجالة ملامح مجتزءة من قاطرة الإصلاح التي تسير هذه الأيام بوتيرة محترمة بخطة على الأمد القريب والمتوسط والبعيد فمن يريد حجبها كمن يريد حجب الشمس بغربال.

#التعليم_أولا     

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى