من ضحكت له الدنيا فليقل لها “أزبل”/ محمد فال بلال
تانيد ميديا: إليك نصيحتي على الأثير: من ضحكت له الدنيا فليقل لها “ازبَل”!..
البارحة توقفت حركة المرور على أحد شوارع حي “أمتير émetteur” بسبب سيّارتين آخر مُودَيل من V8 فيهما شابّين من شباب اليوم تحت 35 سنة، أحدهما من المسؤولين الطّاريين قرّرا احتلال الطريق، يدخّنان “ملبورو”، يضحكان، ويتبادلان أطراف الحديث لمدّة أكثر من نصف ساعة، غير عابئين بضوابط الأخلاق والضمير والقانون واحترام الآخرين.. وكادت الأمور تنزلق إلى المشاجرة بالأيدي بينهما وبين أصحاب سيارات نزلوا للإستفسار،، لقد عرّفوني على الشاب “المسؤول”، وأردت أن أبعث إليه بهذه الرسالة عبر الفيس، وهو من أصدقاء ومرتادي هذه الصفحة.أخي الكريم،، إن تصرفك البارحة وصديقك ذكّرني بمحطة مضحكة مبكيّة من محطات المراهقة والجنون مررت بها قبل 40 سنة من الآن.
أذكرُ أنّني كنتُ مديرا للدراسات في المعهد الوطني للدراسات السياسيّة (INEEP)؛ شاب بسيط، عادي، موظّف في ديوان الشيخ محمد الحافظ النحوي حفظه الله. أستخدم سيارة للدّولة من نوع “رينوه” [R4] مأذونة فقط لنقل الموظّف من و إلى المكتب. أقصى ما كنتُ أحلمُ به في قرارة نفسي أن أكون مديرا مركزيا في وزارة أكثر أهمية من المعهد، ومن ثَمّ أركب سيارة R12، وأتحوّل من شقة مستأجرة في لكصرْ إلى منزل من منازل الموظفين المتوسطين في العاصمة (ILOT A)، لم أكن أستطيع تصوُرَ أكثر من ذلك أو الحلم به! وفي الأفق المنظور، كانت أغلى الأماني وأعلى الطموحات أنْ أجوبَ شواع مقطع لحجار في R12، بعد أن وصلت طريق الأمل إلى مدينتي العزيزة في العام ذاته. بينما أنا هكذا تراوِدني أحلام شاب عادي ومتوازن مع مكانه ومع ماضيه في “الكدحَه”، ويعرف قدره ومستواه حتى بدأت الدنيا تضحك في وجهي، واستدعيتُ في مكتب وزير الدولة للتوجيه الوطني الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله للإلتحاق بفريق عمل مكلف بتحضير مؤتمر الحزب وإعداد تقريره المذهبي. وبعد اختتام المؤتمر بأيام قليلة شرّفني الشيخ وأخذني معه مكلفا بمهمة ثم أمينا عامّا لوزارته. ومع التعيين والتّشريف جاءت “الفيلاّ” في حي الكِبار (ILOT V)، والسيارة 504 راقية، وميزانيّة التسْيير كبيرة؛ وانهالت علي أفواجُ المهنّئين والمصفِّقين والطامعين والمورّدين والممَوِّنين،، جاؤوا من كل حَدَب وصَوب. ولهَوْل الصّدمة انقلبت الأمور في نظري، وفقدتُ توازني مع المكان والإمكان، كَمَنْ وَجَدَ لُقْمَة أكبر من فمه. وبسرعة، اختفى فالِ ، وحلّ محلّهُ فالِ “طارِ”! وبلغة اليوم، اختفى فال “أورِجين origine” وحلّ محلّه فالِ “أرِّفاجْ arrivage”. استَبَدّ بي الشعور بالعَظمَة، وبدأتُ أزهو بنفسي، وأحيط شخصي بهالة من الكِبر والخيلاء. جُنِنتُ بحبّ الظهور والسيادة.. صِرتُ أستعظِمُ أعمالي مهما كانت متواضعة وأركنُ إليها؛ وأصبحَتْ سعادتي كلّها في الملق المزَيّف والمدح والثّناء…خاصّة عندما كنتُ أسمعُهم يقولون بأنّني “ذكي”، “ألمعي”، “أريب”، “خارق”، والأجمل من ذلك كله أنّي “كرامَة” أعطاها الله للوزارة والجهة والقَبيلة والناس أجمعين..
بقيتُ على حالة الجنون هذه، و أبي يقول لِي : “يا فالِ من ضحِكَتْ لهُ الدنيا فلْيَقُل لها ازْبَلْ!”. أبي رحمه الله لم يطمئن لما كنتُ أظهره للناس من تواضع وصلة رحم وإعطاء سائل وقضاء حاجة؛ ولم يستكن لما تظهره الناس لِي …ظلّ يكرّر كلمته: “من ضحِكت له الدنيا فليقُل لها ازبل”؛ ولكنّي مع الأسف فضّلتُ العمى والصّمم والجنون… إلى أن حدثَ الانقلاب في 10 يوليو 1978 وما تلاه من تقلب في الأحوال و”الكَوس” وأحداث آلت بي إلى السّجن.. ذَهَبَ “النُّورُ” الذي كان معي.. وابْرَيتْ أُ فَشْنِي ذاكْ! وانطلاقا من تجربتي في الحياة، أنصحُك أخي الكريم وغيرك من الشباب وكبار السن بالكياسة والتواضع؛ واعلمْ أنّك وأقرانك، طال الدهر أم قصُر، سيَذهب “النّور” الذي كان معكم ،، و “تَبْراوْا.. وإِفَشْكم ذاك”.