ملف الهجرة العشوائية إلى موريتانيا: من أين؟ وإلى أين؟…الدكتور محمدو ولد احظان

تانيد ميديا : ابتداء؛
وعدت سابقا بالحديث تفصيلا عن هذا الموضوع الداهم. وهو موضوع قد طرقته سنة 2006 م. بمقالات استراتيجية الطابع استباقية السياق حينها، على صفحات جريدة العلم الموريتانية.
وطرحت حينها مجموعة من المقترحات، بناء على بعض الأرقام التي استنتجتها من استطلاع ميداني قمت به لحركة الهجرة على محوري روصو والأمل.
ومن بين مقترحاتي حينها:
-السماح بدخول المهاجرين العاملين وحظر الهجرة الاجتماعية العشوائية بكل مظاهرها.
-عدم الدخول إلا بجواز السفر. بالنسبة للأجانب إلى موريتانيا، وبالنسبة للموريتانيين نحو الخارج.. سواء بسواء.
– استحداث نظام الكفيل بالنسبة للمهاجرين إلينا ولو مقابل نفس الشيء بالنسبة للموريتانيين في البلدان الأخرى.
-استحداث نظام للبصمة عند العبور. ومراجعته عند الإقامة.
-نظام الإقامة الصارم التي تجدد سنويا.
-استحداث إدارة نشطة لتنظيم الهجرة والتحكم فيها ومتابعة عناوين إقامة المهاجرين.
ولكن لأن السياسة حينها كانت تخطف الأبصار وتصم الآذان لم تجد تلك المقالات صداها. وهي على الأرجح موجودة في أرشيف جريدة العلم الموريتانية التي كان يديرها الناشر الصحفي المعروف محمد محمود ولد بكار. (والكاذب يبعد شهوده) كما يقال.
وسأعود اليوم بتعمق أكثر إلى معالجة هذه النازلة العالمية ثم الموريتانية، من باب أن “كل يد تمسح عن وجهها” كما في المثل الحساني.
ولأن الكتابة مسؤولية جسيمة فسأحاول أن أقدم في هذه المقالات رأيي من منطلق وطني، ومن زاوية ما أراه مصلحة للبلد، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
المقال الأول
“إما أن أكون أو لا أكون.” شكسبير.
تشخيص تمهيدي
العنوان الأول
حول تصريح مناسب وإجراءات ملائمة للمرحلة
1- استمعت-بانتباه كبير- إلى مقابلة وزير الخارجية الموريتاني السيد محمد سالم ولد مرزوك مع إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، وقد تضمن هذا التصريح في مجمله موقفا موريتانيا واضحا يؤشر على صرامة في محلها.
و فهمت -إن كنت أفهم- أن هذا التصريح يرمي إلى توجيه ثلاث رسائل.
معالجة
الرسالة الأولى: طمأنة الرأي العام الموريتاني
لقد أصبحت طمأنة الرأي العام الموريتاني -فجاءة- مطلبا ملحا، لأن أي مراقب متبصر يستنتج دون عناء أن الرأي العام الموريتاني شعر شعورا حقيقيا وصادقا بخطر الإغراق السكاني العشوائي، وبجسامة التحدي الذي يواجهه، ولا أدل على ذلك من أن الأغلبية الصامتة بدأت تتداول في الموضوع بصورة طاغية ومتزايدة، حتى أصبحت بالفعل قضية رأي عام لاغبار عليها.
فكانت طمأنة هذا الرأي مفيدة لتخفيف الاحتقان المتسارع والمتصاعد الذي يوريه، من جهة، الأسلوب الاستفزازي لبعض المهاجرين من جنسيات مختلفة ومن بلدانهم، حتى على حدودنا وأمام سلطاتنا.. ومن جهة أخرى، تغول عصابات تهريب المهاجرين، وارتفاع رقم الأعمال لديها وتربحها الهائل من هذه الكارثة الوطنية.
ثم -قبل ذلك وبعده- تشجيع بلاد المصدر لهجرة أبنائها إلى موريتانيا تخفيفا لاحتقانات داخلية، على باعتبار بلادنا أرض الميعاد لكل من هب ودب. على أساس مقولة: “أرض بلا شعب لشعوب بلا مأوى”؛ وهي مقولة من التراث الصهي..وني المتهافت، كانت فلسطين ضحيتها، كما كانت زنجبار ضحيتها أيضا.
ثم كذلك الحملة الدعائية الداخلية والخارجية الحمقاء لتحقير الشعب الموريتاني والاستهزاء بحكومته، وإشاعة أنه لا حواجز تحول بين أي مهاجر والعبور إليها.. إلى درجة زعم أن “الأوروبيين اشتروا أرض موريتانيا للمهاجرين إلى أوروبا أيا كانوا.” ودعوة بعض إلى الموريتانيين “أن يعودوا إلى اليمن” بعد خمسة آلاف سنة من الهجرة. وهو ما يمكن أن يقيس عليه الهنود الحمر بدعوة الأمريكيين للعودة على بلادهم الأصلية في أوروبا.. وهكذا.
وبالتالي أصبحت هذه شائعة “شراء غرض الموريتانيي وتهجيرهم عن بلدهم لصالح الهجرة العشوائية”؛
كافية لأي مهاجر من العالم ليأتي باعتباره صاحب حق شرعي في أرض موريتانيا. وعليه فليس من حق حكومة موريتانيا ولا من حق شعبها -حسب قناعة المهاجر
– أن يمنعا “أصحاب الحقوق الجدد” من الدخول إلى موريتانيا المستباحة.
وإن حاولت السلطات فهي الظالمة. وإن رفض الشعب فهو أظلم.
– من جهة أخرى، وإضافة لتصريح وزير الخارجية قامت السلطات الأمنية والعسكرية الموريتانية؛ فأريد أن ألاحظ أهمية الخطوات العملية التي قامت بها وزارتا الداخلية و الدفاع لتصحيح الوضعية المختلة إجرائيا.. دون مبالاة بالصخب العالي المثار حول هذه الإجراءات من طرف عديدين على رأسهم بعض المدونين الموريتانيين الموتورين، ومنظمات المجتمع المدني الحولاء، والعصابات التآمرية المؤازرة للهجرة إلى موريتانيا، واللوبيات الغربية ذات الأهداف الاستراتيجية في جعل موريتانيا وطنا بديلا للمهاجرين إلى أوروبا. دون غن يسألوا غنفسه: وإذا امتلأت موريتانيا؟!
وكان كل هذا بمؤازرة معلنة عبر مواقف رسمية، من بعض دول الجوار، تجعل موريتانيا متنفسا توسعيا ديمغرافيا واقتصاديا وسياسيا لبلدانها، عن وعي وتخطيط وإجراءات عملية.
تداخل مع هذا طموح مكبوت بجعل موريتانيا وطنا لبعض القوميات في غرب إفريقيا، عبر تخطيط يجد صداه عند بعض المواطنين القوميين من ذوي النزعة السياسية العنصرية، وهم لا يتكتمون على ذلك بالمناسبة.
ومن الأكيد والحيوي أن هذه التحديات الجدية تحتم على السلطات الموريتانية أن تواصل هذه الإجراءات وتطورها حسب مصالح البلد العليا، بعد أن بدأت تؤتي أكلها، دون تراخ؛ فلا أحد في عالم اليوم يعبأ بأحد أو يراعي غير مصلحته، مصداقا لمثلنا الحساني “ويلك يالوراني”.
ولأن الظاهرة خطيرة وآنية ومؤثرة تأثيرا مباشرا، ليس على المستوى الاستراتيجي والمتوسط وطنيا؛ بل لها تأثيرات عميقة فورية على استقرار موريتانيا الثمين في محيط مضطرب. وفي ظرف تاريخي وطني مفصلي وعالمي استثنائي، وإقليمي مرتبك.. فإن الحدث جوهري. وليس عارضا. وبالتالي لابد له من -وضوح الرؤية؛
-الوطنية؛
-التماسك والوحدة؛
-إدراك الواقع الجديد والتكيف معه.
-الشجاعة الأدبية والعملية.
-الولاء للمصلحة العامة للشعب الموريتاني، -والضراوة الناعمة، وغير الناعمة في الدفاع عن مصالحنا العليا، دون مساومة.
-كسب الرأي العام الوطني أولا والعالمي ثانيا، في وجه تشويه البلد.
وأعتقد أن هذه الرسالة بدأت تصل واضحة إلى الرأي العام الموريتاني، وإن بدرجات متفاوتة.
الرسالة الثانية:
“موريتانيا ليست الحائط القصير”
تلك هي الرسالة الموجهة من موريتانيا لبلاد مصدر الهجرة نحونا.
وهذه البلدان تعاني من انفجار سكاني، أو نزاعات وحروب حادة، أو فساد طارد لمواطنيها، أو تضخم في طبقة العمالة، أو طموح زائد لموسم الهجرة إلى الشمال.
مما سيعني، ضرورة، أن المهاجرين لُفاظة دولهم، وبالتالي لن يكونوا نخبة نوعية في الأفق المنظور، لأنهم في كل الأحوال ضحايا سيئي المزاج. كما أن أغلبهم من الأميين والنساء والأطفال، وأحيانا مطاردون من بلادهم لأنهم أطراف منهزمة جراء نزاعات في بلدانهم.. وبعضهم لذلك محاربون سابقون أشداء، مدربون تدريبا جيدا على السلاح في بلدانهم دون تهذيب أخلاقي مناسب أو انضباط، هاجروا لأن الدائرة دارت عليهم.
فإخراجهم أي مخرج حل مؤقت لأنظمة بلادهم المأزومة، وتفصيد للدماء الساخنة الجارية في عروق شعوبهم، إن هاجروا عنها، ولو بتوريط موريتانيا في كتلة بشرية معتبرة من عناصر غير مأمونة الجانب، تعودت على العنف. سواء كانت أفرادا، أو أسرا بحذافرها، أو مجرمين محررين من سجون، أو معوزين عاجزين عن العمل.
بعبارة واحدة فإنهم لُفاظة مجتمعاتهم، وأفضلهم من يحسن عملا منافسا للعمالة الوطنية القاعدية. وهذا النوع ليس كسابقيه لأنه قد يفيد البلد لكن في حدود الحاجة، وإن ضره على مستوى المنافسة العمالية.
إن الرسالة الموجهة لسلطات البلدان المذهولة من إيقاف الشلال التنفيسي المزعج، وصلت.
لكنها قرئت قراءة سيئة للغاية، تراوحت بين التهديد الفج وإيقاظ ذاكرة الأطماع السيادية على البلد. وأهم المواقف في هذا الصدد موقف البرلمان السينغالي الذي يطالب حكومته بإرسال”لجنة تقصي حقائق” في الإجراءات الموريتانية، وكأننا لا نزال نحكم من مدينة “اندر” السيغالية كما كان الأمر في عهد الاستعمار الفرنسي. فهذا الطعن في سيادة بلادنا أمر جارح للغاية.. لكن الأطماع الدفينة تعمي الأبصار أحيانا.
وقد أضافت وزيرة الخارجية السينغالية قشتها القاصمة المتمثلة في التنديد بإجراءات موريتانيا تجاه المتمردين على القانون من المقيمين غير القانونيين في بلادنا، لما شرعت سلطاتنا في تحقيق مبدأ المعاملة بالمثل، الذي ينظم العلاقات الدولية، إذ لا موريتاني في السينغال إلا وهو مسجل وخاضع للإجراءات القانونية في هذا البلد..
أما المواطنون السيغاليون في موريتانيون والذين يتراوحون حسب التقديرات بين 800 ألف، ومليون، ولم يسجل منهم في الانتخابات السينغالية حتى لحظتنا هذه غير 28 ألفا في الانتخابات الأخيرة، والبقية ترفض -في غالبها- الحصول على الإقامات أو التجسيل القانوني بعد ثلاثة أشهر من الوصول آلى بلادنا؛ طمعا في الحصول على أوراق موريتانية؛ فمن “حقهم” حسب ما تلحد إليه وزيرة الخارجية السينغالية أن يقيموا في بلادنا خارج قوانيننا، مع أنهم لايستطيعون أن يفعلوا ذلك في بلادهم..
إن تصريح وزيرة الخارجية السينغالية بمعاملة رعايا السينغال، تصريح مدان، وعنجهية، وتوسعية، وترفعية؛ ويجب الاعتذار عنه رسميا وعلانية لموريتانيا، لأنه تجسيد لخطاب ذاكرة الترفع، وامتداد للأطماع السينغالية في الأرض الموريتانية، عبر احتلالها بشريا إن لم يكن احتلالها إداريا ممكنا.
ولذا تعتبر عقيدة الدونية المستحكمة في حكام السينغال الحاليين والسابفين عقبة متزايدة تظهر في كل مناسبة وبدونها أحيانا، مصداقا لمثلنا: “ال فيه وحده ما اتزوزو”.
وأحيل القارئ الكريم إلى المقالات التي كتبتها قبل أشهر حول العلاقات الموريتانية السينغالية بهذا الخصوص.
وأتذكر هنا أن زعامة السينغال الجديدة في سياق المزايدة وعدم الخبرة طالبت بمراجعة حصص الاستفادة من الغاز المشترك في حقل آحميم.
لكن لما اطلعت عن كثب على الواقع علمت أن جميع الآبار التي تستغل حاليا هي على الأراضي الموريتانية، ولا يوجد في السينغال غير بئرين سيبدأ استغلال أولهما سنة 2027م، أما الثاني فهو بئر للتنفيس
لذلك “وضعوا خمسة على أفواههم”، كما يقول مثلنا، ولم يسكتوا تورعا أو إخاء.
– أما الحكومة المالية التي لاحول لها ولا قوة على أغلب أراضيها فإن لجوءها الفج إلى التصعيد، وتحديها لموريتانيا عبر رأسها السياسي، وب٧مشاغبتها بالأمواج البشرية الغوغائية التي ترشق حرس حدودنا في مظاهرات عارمة بالحجارة و الجذوع، وتشعل الممتلكات وبعض المراكر الحدوية وتقطع الطرق حتى على الشاحنات التي تحمل المؤن من موريتانيا إلى مالي المحاصرة من جيرانها الأفارقة؛ ورغم وجود ما يزيد على سبعمائة ألف مالي في موريتانيا، منها 400 ألف لاجئ من الحروب في “امبره”، وثلاثمائة مابين عشوائي ومهاجر مقيم أو عابر.
سلطات هذه الدولة التي تسمح وتنقل هذه الموجات الهائلة من ماليين وغيرهم إلى حدودنا وتشجهم وتحثهم على العبور إلينا؛ وجدت في التصعيد الميداني والدبلماسي تنفيسا عن أزماتها المستحكمة فاعتبرت موريتانيا “الحائط القصير” كما يقول مثلنا الشعبي؛ لأننا تغاضينا، أو تسامحنا، أو “تمغفرنا” عن المذابح ضد مواطنينا ونهب ممتلكاتهم دوريا، في مالي وموريتانيا؛ فقد اقتنعو أننا “لانذب الذباب عن أفواهنا” فكالوا لنا الصاع صاعين.
تقول حكمتنا الشعبية البالغة:
“سو خبرُه، لا اتكبرُه”.
هنا لابد أن توضح موريتانيا بشكل صريح وحازم لا تردد فيه لجيراننا الجنوبيين والشرقيين، أننا دولة ذات سيادة.
وأن بلاد الجوار تستفيد منا استفادة هائلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. لاتقارن باستفادتنا منها. ولكنها، في كل الأحوال، ليست أرضا سائبة، ولها سكان، وفيها نظام يحكمها، ويجب غن تعامل باحترام.
وإذا كانت درجات الاحتقان والحرج عالية لدى الجيران فموريتانيا ليست سببا في ذلك؛ وبالتالي فلن تدفع ثمن الأخطاء الديموغرافية والهيكلية.. التي قام بها الجيران أو أدى إليها تطبيق سياسات الاستعمار الجديد في بلداهم.
هذه الرسالة يجب أن تكون مفصلة وواضحة. وأن لا تكون السلطات في البلدين على سدادة الشلال تفتحها 24على 24 ساعة علينا، وإن امتنعنا عن الإغراق السكاني غضبوا غضبا مفرطا.
الرسالة الثالثة
إلى أوروبا: نحن لسنا حرس حدود لكم.
هذه الرسالة في غاية الأهمية لأنها تتعلق بتأويل الاتفاقية الحالية مع الاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية تحتاج إلى توضيح وتأويل تطبيقي حتى لا يقع لها ما وقع في مثل ولد لمحيميد: يموت فيها النعام”.
ومورد المثل أن محمد المختار ولد لمحيميد بعد إلحاح الصيادين عليه، ذهب إلى الحاكم الفرنسي في تنبدغه وطلب منه إذن صيد نعامة واحدة سنويا، بعد تحريم الحاكم لصيد النعام.
وقد سمح له الحاكم بذلك، فلما عاد إلى رجال مجلسه وأخبرهم الخبر احتجوا على ذلك، فرد عليهم: نعامة واحدة يموت بسببها كل النعام. فاصطادوه كما تشاؤون وإن راجعكم أحد فقولوا إنها نعامة ولد لمحيميد. وكان الأمر.
كذلك فإن الأوروبيين والأفارقة يريدون منا أن نستقبل جميع المهاجرين المحتلين لأنهم عقدوا معنا الاتفاق على أساس ظروف معينة، زالت كلها موضوعيا لأنها أصبحت -بالتأويل الذي غرادوه لها- تناقض دستور البلد ومصلحته.. ذلك غن وتيرة الهجرة خلال خمس سنوات قادمة من الهجرة العشوائية ستجعل المواطنين الموريتانيين أقلية في بلادهم.
مثلا: حسب عمدة لاس بالماس غخيرا دخلت إلى موريتانيا بعد الاتفاقية 500 ألف مهاحر. وهذه معلومة تعني أن سكان موريتانيا سيصبحون ثمانية ملايين في خمس سنوات من بينهم 5إلى 8 أجانب أغلبهم عشوائيون من الأصناف التي ذكرناها سابقا.
وأي بلد يستطيع أن يتمل ضعف سكانه فجاءة في غرب إفريقيا، بل في العالم أحرى بلادنا ذات الكثافة السكانية الخفيفة؟
من المسؤول عن الهجرة حتى يدفع ثمنها؟
إن لظاهرة الهجرة العشوائية الهائلة ترتبت موضوعيا على أربعة أسباب رئيسة:
1-النهب الاستعماري المتجدد لخيرات القارة الأفريقية والحروب التي يشنها الغرب دوريا على الجنوب عموما، حتى أصبحت بلاد الجنوب جحيما لا يطاق، وبئة طاردة للإنسان.
2- السياسات التفقيرية الشعواء للشعوب التي انتهجها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، في قالب إصلاحات مالية لا تبقي ولا تذر.
3- اتفاقيات الاستغلال الغبني المجحف لخيرات بلدان الجنوب عبر شركات أسوأ كثيرا من الشركات الاستعمارية القديمة.
4- تنظير وتشجيع الفساد المالي من طرف الغرب لنخب حاكمة في بلدان الجنوب، بحيث تضمن مصالحها الأنانية، وتناحرها الدائم، لتحمي نهب الشركات الغربية لثروات الجنوب بالصفقات الإذعانية المخزية.
هذه هي العوامل الأربعة لتهتك بلدان الجنوب حتى أصبحت بئة طاردة لسكانها، فاتجهوا شمالا وغربا يتقفون آثار خيراتهم المنهوبة.
وإذا كان الاستعمار قد توجه تاريخيا وجهة الجنوب فإن الجنوب يتجه الآن شمالا لأن السياسة الاستعمارية المتحورة بشكل فيروسي تفعل فعلها على الكرة الأرضية.
ومن المستحيل أن تكون سياسة الغرب مبنية على سعادتهم المطلقة بشقاء غيرهم المطلق دون مضاعفات.
إن أية مسؤولية عن الهجرة العشوائية الموجية كانت ولاتزال، بتدبير وتخطيط الأوروبيين والغربيين عموما، ونتيجة لسياساتهم العمياء وبالتالي فهم من يجب أن يدفعوا الثمن.
لقد هدموا وخربوا بلاد الشعوب وأحرقوا بيوتها فتدفقت عليهم. وهذا غمر طبيعي.
والسؤال الكبير المطروح هو:
-كيف نقف بلادنا في وجه التيار الجارف؟
ذلك ماعلى الكتاب الاستراتجيين أن يجيبوا عليه. وأنا من جهتي سأدلي بدلوي في الإجابة عليه.
(سلسلة مقالات رأي)