التوثيق ..المهنة المختطفة  من المسؤول ؟..(تحقيق)

ما زال المشتغلين بالمهن القضائية والمتابعين للشأن العدلي في بلادنا، يستغربون هذا التأخير الملاحظ  في عدم إصدار المراسيم والمقررات المطبقة لقانون الموثقين الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا ونشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 15سبتمبر 2022 بالعدد رقم 1517 ،  ضمن خطة تقول عنها وزارة العدل أنها تهدف إلى تحيين النصوص القانونية والرفع من مستوى كفاءة أطر المهن القضائية ودمجهم في وتيرة سياسات الحكومة الهادفة لإصلاح وتطوير العدالة .
وعند تصفح مواد هذا النظام الأساسي الجديد للموثقين وتتبع  المراسيم والمقررات  المطبقة له ، نقف على مجموعة كثيرة ما زالت تنتظر ان ترى النور ، تمت الإشارة إليها متفرقة على مواد هذا النظام  :

■المادة 3  تشير إلى أنه سيصدر مرسوم يحدد  التصرفات الواجب توثيقها .

■المادة 4 تشير إلى أن إنشاء مكاتب جديدة يتم بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء.

■المادة 23 تشير لمقرر سيصدر يحدد تعريفة حقوق وأتعاب الموثق.

■المادة 31 تشير إلى بدلة سوداء وتوشيحات أخرى متعلقة بالرتب التي حصل عليها الموثق سيتم تحديد خصائصهما بموجب مقرر صادر من الوزير المكلف بالعدل.

■المادة38 تحيل إلى مرسوم سيصدر يحدد طرق صلاحيات الموثقين في حالة حصولهم على وظيفة ناتجة عن تطبيق النظام الأساسي للوكلاء الدبلوماسيين .

■المادة 40 تشير إلى وجوب دفع الموثق لضمان للإدانات المحتمل أن تصدر ضده في حالة إرتكاب أخطاء بمناسبة ممارسة وظائفه سيحدد مبلغ الضمان بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح من الوزير المكلف بالعدل .

■المادة 76 تشير إلى أن أتعاب الموثق ستحدد بمقرر مشترك من الوزير المكلف بالعدل والوزير المكلف بالمالية بعد أخذ رأي الهيئة الوطنية للموثقين .

■المادة 78 : تشير لمرسوم سيصدر عن مجلس الوزراء ، يحدد أساليب المراقبة وتسيير المحاسبة وإيداع وسحب المبالغ المسددة بمصالح الإيداع وكذلك قواعد مسك الدفاتر والفهارس وأتعاب الموثقين .

■المادة 79 تشير إلى إنشاء هيئة وطنية للموثقين سيكون بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء يحدد إجراءات تنظيم وسير وإختصاص وتشكيلة هذه الهيئة .

■المادة80 تذكر أنه ستصدر مداولة من الهيئة الوطنية للموثقين حول اخلاقيات مهنة التوثيق بعد أخذ رأي الوزير المكلف بالعدل وتعتمد بموجب مقرر صادر   .

ورغم أهمية هذه المراسيم والمقررات وترقب الموثقين و مساعديهم المحلفين والمتعاملين معهم لها ، وما يتوقع أن يترتب عنها من حركية  و تنظيم وتحسين من أداء مهنة التوثيق  ، مازال القطاع يعيش فوضية كبرى بادية للعيان لا يخطئها أي متتبع لأساليب عمل مكاتبها بالعاصمة انواكشوط أو بولاياتنا الداخلية .

الهيئة الوطنية للموثقين مازالت تعيش على آثار خلافات وإنقسامات وصلت حد تبادل الإتهامات بين بعض الموثقين علنا ،ومساعديهم المحلفون لم يسلموا من الانقسام بين محلف قديم و محلف جديد ، ضف لذلك عدم إحترام بعض مكاتب التوثيق مجال إختصاصها  الترابي  ، و الضعف الملاحظ في تحرير وصياغة العقود  والتقصير والإهمال الذي وصل إلى حد ترك بعض الموثقين أختامهم تحت تصرف الغير والتوقيع مكانهم على العقود دون تفويض قانوني واضح، وغياب البعض لفترات طويلة عن الحضور والمداومة داخل مكاتبهم بسبب المرض أو الشيخوخة او الاقامة خارج مجال الإختصاص الترابي لمكاتبهم ، و تهرّبهم الدائم من تحمل مسؤولياتهم القانونية في إبرام عقود عمل ودفع اشتراكات التأمين الصحي والضمان الإجتماعي عن عمالهم   –  فصارو كالنجار الذي يصلح أبواب الناس وبابه معطوب – والتهرب من تحمل الأخطاء الصادرة عن مكاتبهم وتحميلها للغير.

الحديث عن فوضى هذه المهنة حديث طويل يبدأ بما يحدث في المكاتب من تجاوزات في تسييرها من حيث غياب الكفاءات البشرية المدربة والتجاوز في تحديد الأتعاب ورسوم التسجيل ومسك السجلات والدفاتر  وإنعدام العمليات المحاسبية وغياب تجهيزات العمل من مكاتب لائقة و قاعات مجهزة ومقاعد كافية وخدمات الإتصال والتواصل بما في ذلك الأنترنت …

أما خارج المكاتب فوضى عارمة ترتكب بإسم الموثقين وأعوانهم المحلفون ، إنتشار مثير للسخرية  للمكاتب العرفية ، و أخرى تتخذ من برص بيع السيارات  موطنا لها ، يديرها أشخاص لا صفة لهم في تحدّ صارخ للقانون  يحوزون أوصال ورأسيات مكاتب التوثيق – بعلم الموثقين وبمباركة من بعضهم  –  يقومون بتحرير بيوع السيارات والقطع الأرضية وتلقي تصريحات الأطراف في جميع العقود التي يفرض القانون إعطائها الصفة الرسمية على مرأى ومسمع من السلطات الوصية ،مما تسبب في انتشار ظاهرة تحريف وتزوير العقود و الإستيلاء على ممتلكات الناس بطرق إحتيالية ألحقت الضرر بالكثيرين، وهو ما حذر منه وزير العدل الحالي في الكثير من المناسبات .

تحديات كبيرة تواجه هيئة الموثقين وشركائها المحلفين تفرض عليهم العمل بصفة عاجلة لحماية مهنتهم والدفاع عنها و تصور الحلول لمعالجة النواقص و الإختلالات .

وكانت مشاركة الموثقين ومساعديهم المحلفين خجولة في منتديات اصلاح العدالة التي نظمت اخيرا ، وهو ما انعكس في الوثيقة الوطنية لاصلاح وتطوير العدالة التي سلمت لرئيس الجمهورية حيث لم تشخص واقع المهنة بصورة كافية  ولم تقترح و تقدم الحلول الكافية لتطويرها وتحسينها و الرفع من مستوى أدائها المهني .

وفي الأخير يرى كثيرون ممن تواصلنا معه من المشتغلين بالمهنة ، أن النظام الأساسي للموثقين بشكله الحالي يحتاج لبعض التعديلات والتنقيحات ويتضمن مواد مخالفة لمبادئ وقواعد دستورية معروفة.

شبكة المراقب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى