أنا والشيطان وصديقي المعيّن في منصب عال…!!!

تانيد ميديا : عندما سُمِّي صديقي في منصب عال أخذت الهاتف لأعزيه.. فربت الشيطان على كتفي وقال: أنت مجنون هذا مقام التهنئة والحمد.. فقلت له مقام الحمد نعم، أما التهنئة فلا.. فقال: سيقول الناس إنك تحسده، وسأوسوس أنا إلى صديقك أنك تكره له الخير والسعادة، فتسوء العلاقة بينكما وتتدهور ثم تنقطع.. فقلت أيها الشيطان ما سر انشغالك بأمر لا يعنيك؟ ضحك الشيطان وقال ما زال عقلك طفلا رغم كهولتك، وهل يوجد أمر بنجوة عن غاياتي وأهدافي؟

أنت أيها المغفل ستقول إنك تعزيه لأنه ابتلي، والبلاء فتنة، والفتنة مصيبة، لذلك أنا – واسمي الشيطان – غير متردد ولا وجل، زينت للناس حب الشهوات من النساء، والأولاد والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأقنعتهم أن أقصر السبيل إلى ذلك هو هذه المناصب التي تفتح لهم السبل إلى الغلول، والإثراء بالطريقة التي أريد..

أقنعتهم أن يعاجلوا يوم عزلهم بما أوتوا من قوة التسلط على أموال الشعب، فيخفوا، ويكتنزوا، ويودعوا في حساباتهم ما قدورا عليه..

أقنعتهم أن الوطن مهزلة فظيعة، وكذبة حمراء، يلهج بها كل من أراد مغالطة العامة ليركب ظهورهم إلى غاياته الشخصية، حتى إذا امتلأت مزاوده، وضاقت حواصيله بما حوت، وانتفخت، طرح لهم فضلاته متخففا، ينشغلون بها، ويتصارعون عليها صراع الديكة على الحبوب المتعفنة..

صدق الشيطان وإنه لكذوب..

كيف يمكن أن نميز بين جنون وجنون، بين فضول وفضول، بين لغو ولغو..

ما الفرق إذن بين مأتم وعرس.. بين تعزية، وتهنئة.. بين تولية وعزل؟

تنحنح الشيطان، وشد يدي وقال: بخ، بخ أيها الرائع، لقد فهمت، وحفظت، وأديت درس أستاذك الذي هو أنا..

خذ هاتفك، اتصل على صاحبك فهنئه لأن التهنئة كما علمت، وفهمت، وقلت هي عين التعزية.. وغدا ستسمع نبأ عزله، فعزِّه لأن التعزية كما علمت، وفهمت، وقلت هي ذات التهنئة، وقد خلصه الله من البلاء..

تعددت المظاهر، والتسميات، وأنا واحد، أنا الشيطان..

اليوم يقول خليفة الشيطان إني لك من الناصحين، انس وصية أبي فقد هلك، ورحل إلى دار البوار، ولم يدرك ما صار إليه الناس بعده من ضياع، وهبوط، أوصاك أبي بالتهنئة بالهاتف، إن أبي لمن الضالين، وإني له لمن القالين..

المهاتفة اليوم احتقار، لأن فيها بقية من صيانة ماء وجوه المهنئين، وكما تشاهد فإن العصر اليوم عصر انحطاط، ونفاق، وشقاق، ارحل إلى مهنَّئك، وخذ معك زوجك لتهنئة زوجه، وخادمك لتهنئة خادمه، وكلبك لتهنئة كلبه، وخذ معك جملا سمينا، فإن لم تستطع فاستعره من صفيك – وقليل في عصرنا الأصفياء – وإن لم تجد فادفع لصاحبه عوضا عن ثلاثة أيام تنقضي فيها أيام العزاء السياسي، وأعده إليه..

إذن هل عرفت أني ذكي، وأن خطامك صار بيدي، أقودك، وألقنك، هل أدركت أني الفعال لما أريد؟

لكن إياك أن توصيه بالعدل، والنزاهة، لا تذكره بهذه المشاهد، لا تحدثه عن داخل يخترق الحماية، والحراسة، ويفتح الباب، ويرفع الستار، ولا يستأذن، ويقول أنا عزرائيل، ولا يمنحه فرصة تغيير ملابسه، ولا ترتيب أشيائه، لا تحدثه عن لغط حفارة القبور، وهم يتشاورون، ويقول بعضهم لبعض هل صار العمق كافيا، والجسد المسجى على الحافة لا يستطيع حركة، ولا همسا، لا تحدثه عن اثنين هناك يراقبان، وينتظران أن يتم الردم، ويغادر الناس، ليقتحما عليه القبر لطرح أسئلة الاختبار الشفهي التي أذيعت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، رجاء لا تحدثه عن منكر، ونكير، لا تذكره بأسئلة: عن ماله من أين اكتسبه، وفيم صرفه، فـ(تطير له الروزة)، وتفسد عليه بهجة الغفلة والنسيان..

من صفحة الأستاذ المرتضى محمد أشفاق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى