مصادر الإلهام في شعر المحظرة / النجاح محمذن فال
تانيد ميديا: يدعي المُهتمون بأدب المحظرة أن القرآن منه ما هو مقفي ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ
وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
وهذه الطريقة هي التي تتم به تقفية الاوزان في الحسانية خاصة الگاف الذي هو أهم وحدة مقفاة في الحسانية …. فلا يمكن أن نأتي في الحسانية باقل من (گاف – قاف ) وأعتقد أنه لفظ مشتق من القافية لكن بإبدال القاف العربية بالقاف الحسانية اليمنية (گ) كما يمكن اعتباره تبسِيطا للمُوشح الأندلسي ، إذ قد تكون هذه الربوع شهدت عدة هجرات بعد نزوح الاندلسيين نتيجة الصراع السياسي داخل الأندلس لإنهاء حكم الأمويين في القرن الخامس عشر او بين المرابطين و دويلات الطوائف الذي سقط فيه أمير إشبيلية الشاعر المعتمد بن عبادأسيرا في أغمات ، أو الصراع بين الأوروبيين والدولة المرابطية ، الذي آل إلى سقوط
الدولة المرابطية في الأندلس في 18 رمضان عام 539 هـ،
وعلى افتراض أن وحدات الشعر الحساني الأساسية ( الگاف ) و(الطلعة ) إنما هي تبسيط للموشح الأندلسي فإنها قدمت نموذجا أدبيا رائعا تلتقي فيه الثقافة المرابطية المنبثقة – في جوهرها من القرآن – بالثقافة الأندلسية الباعثة على الشعر كمدخل أدبي وسياسي
وليس المشغل الشعري الخاص بتوظيف الشعر في توصيف المعضلات القرآنية خَاصا بَالموريتانيين ؛ فقد وظف بعض القراء المغاربة الشعر لفك بعض المعضلات القرآنية من ذلك ما كتبته والدتي مريم بنت وداد نقلا عن القارئ عبد الودود ولد حميه الأبييري المجاز في القراءات السبع من مُشاعرة بين القارئ المغربي ابن غازي والقارئ ابن الحاج حول رسم أنْ المصدرية الواردة قبل : لواو إدغامها
يقول ابن غازي:
ان لو علي العشر بنون كتبا
في الرعد والأعراف ثم في سبا (سبا)
وما عداه صِله ياخليلي
هذا الذي صح عن التنزيل
فلم تجيء موصولة في الذكر
إلا التي في الجن في ما ادري
فأجابه بن الحاج
مهلا عليك أيها الأستاذ
الحق ماعنه لنا ملاذ
إن التجيبي ابا إسْحاقا
وعلمه قد طبق الآفاقا
انكر تفصيل أبي داوودا
وقال فيه خالف المعهودا
وقال بالنو اكتبن الاربعا
فارجع إلى الحق تكن متبعا
تتعلق هذه المشاعرة برسم النون المصدرية في السور القرآنية التالية
( الرعد ، الأعراف ، سبأ )حيث يرى ابن غازي أنها ترسم منفصلة
(أن لو ) بينما ترسم متصلة في سورة الجن (وألٌَو استقاموا على الطريقة )
في حين يرى القارىء ابن الحاج غير ذلك اعتمادا على رأي أبي إسحق التجيبي….
فعلي فرضية نزوح بعض الأندلسيين إلي موريتانيا وقطعيٌة تأسيس الدولة المرابطية في الشمال من قبل الموريتانيين يمكن تقبل مسار اللقاء بين الشعر والقرآن عند الموريتانيين
الذين يطرحون هذه المعضلات بطرافة …
ومن المؤسف أن المصادر المحظرية ليست لها مدونات.. ولذلك ضاعت اسماء اصحاب المقطوعات التي تهتم بإزالة الالتباس في بعض الأمور القرآنية إما نصا أو كتابة.
وهي مقطوعات شعرية عربية وحسانية ، تأتي في الغالب استشهادا واستئنَاسا بنظم الطالب عبد الله الجكني الذي جمع رسم القرآن كله في نظم واحد أصبح المرجع الوحيد في هذه البلاد ..ومع أنهم لا يقتصرون على معضلات الرسم دون غيرها من معضلات التجويد
فإن هذا النظم قد انجب مدرسة ادبية رائعة قائمة بذاتها تسمى في عرف أدب المحظرة (شواهد الرسم ) حيث تناول تلك المعضلات أدباء العربية وكذا الحسانية ..
وممن برعوا في هذه الانظام بالحسانية خاصة، ولد انگكو ذي الصيت الذائع في الأدب المحظري ..
يعرف ولد انگكو بانه علم من أعلام القرآن في موريتانيا يجمع الرواة انه كان يرعي غنمه حين سمع أُما تؤنب صبيها قائلة إذا لم تدرس ستكون مثل ولد انگكو ! !
فلما سمع هذا المعيار بادر إلي أقرب شجرة ونحت منها لوحا وأسرع إلي المحظرة …
وقد اثري ادب المحظرة بشعر حساني جميل يستمد معظم صُوره من حياة البدو، وإليه ينسب هذا السجال مع طلاب إحدي المحاظر
سايلكم يَطفال المز
عن الالياف الٌِ يمال ُ
ليف احمر فوگو همزَ
فاسم موضع ُيرعالو
الجواب
كانكْ سلتْ اطفال المز
عن الالياف ال يمالُ
ما رأى فالنجم املز
والشوأي فلٌِ يمال ُ
فالدٌاراتم فوگو همز
هو الازرگ معرفال ُ
كان السؤال عن مواطن الإمالة الخاصة بالهمز التي جمعها الطالب عبد الله الجكني في كتابه ضمن فقرات عرفت بالسًتايات لان كلا منها لا تتجاوز ستة أبيات في براعة نادرة
ومن بديع ادب ولد انگكو في التجويد هذا الگاف :
يلگوم الْتَجْغَفْ لِدامْ
والي غرزُ بگراتك تمشِ
ان نمنٌ صابت الادغام
أنهن ماصابت شِ
يشير ولد انگكو هنا إلى مسألة الإدغام في الآية:
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
ويقول مطلقا العنان لمعلوماته في النص القرآني ورسمه فيما يتعلق بالتضعيف في الياء باستثناء كلمة لديٌ وهوفي نفس الوقت مستمدا من طرافته البدوية في حوار مع شاة له
رفعك ملان عن الالغاوْ
ؤدارك فوگ الغاو الحيٌ
عاشت وذنك فاخبيط الواوْ
واسمعت شدت لديُ
وله
لفظ الحُكم الي دخل تاي
امحص بيدك من تحت الحاي
والي مرگونعطيك اراي
ضم المحصَ وال تخسر
والي ززيت ام انجاي
احلب حَتٌَ تم اعْصر
ياتي النظم لإزالة الالتباس بين لفظ الحُكم في القرآن مثل قوله تعالى إِن الْحُكمُ إلِاَ للُه ِ في سورة يوسف وغيرها .. وبين لفظ الحِكمة كماهو في سورة البقرة وغيرها .
المطلوب هو أن لا يقرأ الطالب الحُكمة وأن يتجنب قول الحِكم بكسر الحاء
وإذا فَالالتباس هنا لا يتعلق بورود التاء المربوطة وغيابها (ة ) وإنما يتعلق بحركة الحاء .
اما التذييل الذي قام به ولد انگكو
(والي زَزٌِيت ام انِجَايْ
احلب حت تم اعصر )
فإنه يخدم أمرين :
الأول المنحي الهوياتي له حيث كان راعيا
الثاني منحي الاقتصار على المعلومة الضرورية
كما يقتصر العجل(انجاي ) عندما يكبر على قليل من اللبن.
يستمد أدب المحظرة إلهامه من
منظومة المعضلات القرآنية سواء علي مستوى الرسم او المَقرإ
ويلتقي في نسقه الحساني من الموشح الأندلسي مع فارق كون الموشح يتعاطى اللغة العربية الفصحى بينما يقرض ادباء المحظرة معظم أشعارهم بالحسانية .