صفقة تراض بنحو 8 مليارات دون “علم” لجنة رقابة الصفقات”

تانيد ميديا : منحت سلطة تنظيم الاتصالات في موريتانيا صفقة تراض لشركة “اهواوي” الصينية بقيمة 18 مليون يورو (أي 7.9 مليار أوقية قديمة)، وفق المعطيات التي تم عرضها للتعريف بالمشروع أثناء وضع حجر أساسه، وتم منح الصفقة بالتراضي دون علم اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية، المسؤولة عن الرقابة القبلية على كل الصفقات الاستثنائية وخصوصا صفقات التراضي، والتي تمنح دون أي تنافس من أي كان، حتى ولو كان عبر استشارة مبسطة.

ومنحت الصفقة للشركة الصينية شهر ديسمبر الماضي، وتتضمن إنشاء 49 محطة اتصال، 42 منها محطات مكتملة، و7 محطات ربط، وذلك على طول الشريط الحدودي الجنوبي للبلاد من انجاغو في ولاية الترارزة غربا، وحتى مقاطعة ولد ينج في ولاية كيدي ماغا جنوبا.

وبتوزيع هذا المبلغ على المحطات تصبح تكلفة المحطة الواحدة 367 ألف يورو (أي ما يتجاوز 150 مليون أوقية قديمة)، في حين أن أسعار محطات الاتصال – وفق ما طالعته وكالة الأخبار – بعيدة من هذه الأسعار، فسعر محطة الاتصال المكتملة في حدود 65 ألف يورو، أما محطة الربط فقط فسعرها في حدود 45 ألف دولار، وهو ما يعني أن سعر المحطة في هذه الصفقة يكفي لاقتناء خمس محطات اتصال على الأقل.

وقدمت الصفقة للشركة الصينية دون إتاحة فرصة للشركات القادرة على منافستها المشاركة لتقديم عروض، سواء عبر مناقصة مفتوحة أو استشارة مبسطة وفق صيغ القانون  كـZTE الصينية، وموترولا، ونوكيا وغيرها من الشركة.

“إجراءات” غير محددة

واعتمدت سلطة تنظيم الاتصالات في تجاوزها للجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية على المادة: 25 من القانون المنشئ لها، والتي يقول نصها: “لا تخضع عقود سلطة التنظيم لنظام الصفقات العمومية بل تحكم هذه العقود إجراءات خاصة يصادق عليها المجلس الوطني للتنظيم”، لكن المجلس لم يصدر أي إجراءات محددة ومنضبطة بهذا الخصوص، فيما اكتفت السلطة بتمرير هذه الصفقة للمصادقة عليها.

وفي مقابل هذه المادة التي ما زال جزءا منها معلقا دون تطبيق في ظل عدم وجود الإجراءات المنصوصة عليها، تبرز المادة: 11 من القانون رقم: 024 – 2021 المتضمن مدونة الصفقات العمومية، والتي تنص في فقرتها الأولى على أن اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية “تبدي رأيها المسبق على جميع قرارات السلطة المتعاقدة المتعلقة بالإجراءات الاستثنائية”.

فيما تنص في فقرتها قبل الأخيرة، على أن “تبدي اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية رأيا مسبقا انطلاقا من سقف محدد بالطرق التنظيمية حول كل ملحق أو صفقة مبرمة بناء على عرض مناقصة محدود أو استشارة مبسطة أو بالتفاهم المباشر أو على أساس ملفات عروض مناقصة نموذجية غير تلك التي صادقت عليها سلطة تنظيم الصفقات العمومية أو الممول المعني”.

ورغم هذا النص القانوني الصريح، فإن الصفقة منحت بالتراضي، وبهذا المبلغ الضخم، وأطلقت أشغالها دون علم اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية، أحرى موافقتها.

مصدر التمويل

تمويل هذه الصفقة الخاصة تم عبر صندوق النفاذ الشامل إلى الخدمات، وهو صندوق أقيم على أنقاض وكالة النفاذ الشامل إلى الخدمات بعد حلها، وتوجه إليه ضريبة بنسبة 3% من رقم أعمال شركات الاتصال في البلاد، كانت توجه سابقا إلى الوكالة.

وينظم هذا الصندوق بموجب مرسومين أولهما المرسوم رقم: 132 – 2020 الصادر بتاريخ: 01 أكتوبر 2020، والذي يحدد التوجهات والأولويات في مجال النفاذ الشامل لخدمات الاتصال الإلكتروني، والثاني المرسوم رقم: 152 – 2020 الصادر بتاريخ: 19 نوفمبر 2020، والذي يحدد طرق التسيير والتنظيم المؤسسي للصندوق.

وقد أناط هذان المرسومان بسلطة تنظيم الاتصالات مسؤولية تحصيل هذه النسبة من شركات الاتصال، كما أوكلا لها مسؤولية الإشراف على الأشغال التي يتم توجيه المبالغ إليها في مجال تعزيز النفاذ إلى الخدمات.

بيان بدل استراتيجية

وكان مفترضا أن يتم تحديد أولويات الأشغال في مجال النفاذ الشامل إلى الخدمات بناء على استراتيجة وطنية تجيزها الحكومة لمدة خمس سنوات، غير أن غياب هذه الاستراتيجية دفع للاعتماد على بيان مقدم حول “الاستراتيجية القطاعية” المتعلقة بمجال هذه الصفقة تحديدا أمام الحكومة، بدل الاستراتجية الشاملة للقطاع.

ويقول نص المادة الثالثة من المرسوم رقم: 179 – 2016 الصادر بتاريخ: 15 أكتوبر 2016 إنه “على المستوى القطاعي تقوم كل وزارة من خلال مديرية الدراسات والتخطيط فيها بإعداد محفظة مشاريعها بالانسجام مع وثيقة السياسة القطاعية التي اعتمدتها الوزارة المكلفة بالاقتصاد والمالية مسبقا”، غير أن قطاع التحول الرقمي قدم للحكومة بيانا حول استراتيجية تتعلق بمشروع واحد.

فيما تقول المادة: 9 من المرسوم 152 – 2020 “تقوم الوزارات المكلفة بالقطاعات المعنية، وعلى وجه الخصوص الوزارات المسؤولة عن المياه والكهرباء والاتصالات بتقديم استراتيجية النفاذ الشامل الخاصة في أقرب وقت ممكن بعد اعتماد الاستراتيجية المذكورة، والجدول الزمني، وخطة العمل والتمويل المرتبطة بتنفيذهما إلى لجنة تحليل وبرمجة الاستثمار العمومي”.

وحددت المادة: 11 من نفس المرسوم أجلا لهذا التكليف، حيث أكدت ضرورة تقديم هذه الاستراتيجية بنسخة محدثة من الجدول الزمني ومخطط العمل والتمويل قبل منتصف يوليو من كل عام.

وقد قدم البيان المتعلق بهذا المشروع وزير التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة محمد عبد الله لولي يوم 12 أكتوبر 2022، وركز على الاستراتيجية القطاعية للنفاذ الشامل للمناطق الحدودية الجنوبية والجنوبية الشرقية التي لا تصلها حاليا شبكات المشغلين الوطنيين.

ووفق البيان الصادر عقب اجتماع الحكومة فإن الإستراتيجية القطاعية المتعلقة بهذه المشروع تهدف إلى توسيع التغطية الوطنية لتشمل المناطق التي لا تتوفر فيها حاليا شبكات المشغلين الوطنيين، مع ضمان استمرارية الخدمات على طول الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية.

وتوزعت مراحل المشروع إلى ثلاث مراحل، هي المرحلة الأولى من انجاكو إلى ولد ينج، والمرحلة الثانية من ولد ينج إلى فصاله انيره، أما المرحلة الثالثة فمن فصاله انيره إلى انبيكت لحواش.

وقد تولى الرئيس محمد ولد الغزواني وضع حجر أساس المحور الأول من هذا المشروع من مدينة كيهيدي عاصمة ولاية كوركل، وذلك يوم الخميس 28 ديسمبر المنصرم.

“أفضل خيار”

مدير الاتصالات والبريد بالنيابة في سلطة تنظيم الاتصالات الشيخ التجاني ولد أدواع دافع عن منح السلطة للصفقة عبر التراضي لشركة “اهواوي” الصينية مؤكدا أنها هي أفضل خيار، مضيفا أن الاتفاق معها تم على اقتناء أجود المعدات فنية، مع خدمات عديدة مصاحبة للصفقة، وسعر تنافسي حسب العارفين بالمجال، وصيانة سبع سنوات..

وحول عدم فتح باب المنافسة على الصفقة، قال ولد أوداع في التعليق لوكالة الأخبار المستقلة إن سلطة تنظيم الاتصالات راسلت شركات الاتصال الثلاث في البلاد حول المشروع، ولكن ردها – حسب تقويم الجهات الفنية في السلطة – لم يكن مقنعا، لا في جوانبه الفنية، ولا من جانب الوقت، لأن السلطة بسبب الطابع الاستعجالي للمشروع تريد تنفيذه في ثمانية أشهر فقط، فيما لم يتطرق لعروض الأسعار التي تقدمت بها الشركات.

وعدد ولد أوداع ضمن مبررات منح الصفقة لشركة “اهواوي”، أنها هي أكثر شركة يتم استخدام معداتها محليا، حيث إن شركة “ماتل” تشغل معداتها بنسبة 100%، كما تشغلها شركة موريتل بنسبة كبيرة. وهي أيضا مصنفة ضمن أكبر الشركات في مجالها في العالم.

وحول أسعار المحطات المرتفعة جدا، قال ولد أوداع، إن متوسط سعر محطات الاتصال في حدودهم 105 ألف يورو، وإن سعر المحطة في هذه الصفقة في حدود 85 ألف يورو، وذلك باحتساب السعر دون ضرائب، ومع استحضار أعمال الصيانة لمدة 7 سنوات، وكذا بعض الأشغال الإضافية لتقوية شبكة الألياف البصرية “وارسيب”، مردفا أن الصفقة تتضمن كل هذه التفاصيل.

أما مدير البنى التحية في وزارة التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة يعقوب عبيد، فأشار في تصريح لوكالة الأخبار المستقلة إلى أن العقد يتضمن ضمانا لمدة سنة، فضلا عن رزمة صيانة من ثلاث سنوات، يدفع عنها مبلغ 400 ألف يورو، مدمجة في السعر الاجمالي للعقد، مع النص على ثبات المبلغ حتى لا يتغير في المستقبل، أي أنه يمكن تجديده لثلاث سنوات أخرى بنفس المبلغ.

كما أكد ولد عبيد وجود ضمان بنكي لحسن الإنجاز، في حدود 10% قدمته شركة “اهوواوي”، وتسترجعه سنة بعد تسليم العمل وقبوله.

وعن دور قطاعه في الصفقة، قال ولد عبيد إن قطاعه تلقى الدراسة الفنية التي صادقت عليها لجنة وزارية ترأسها الوزير الأول محمد ولد بلال، حيث تولى قطاعه إكمالها بتفاصيل المشروع، وكذا التكاليف المالية، فضلا عن تحديد الاحتياجات انطلاقا من دراسة الجدوى التي تم اعتمادها، مذكرا بأن من إيجابيات المشروع أن تكون هذه المعدات ملك للدولة، حيث سيتم تأجيرها للشركات.

وتوقع ولد عبيد أن تستعيد الدولة تكاليف هذه المعدات خلال سنوات محدودة.

كما ذكر بأن المشروع تم تمويله من صندوق النفاذ الشامل، وهو الصندوق الذي يتم تجميع عائداته من رقم أعمال شركات الاتصال بهدف ضمان النفاذ إلى خدمات الاتصال في المناطق التي لا يوجد فيها جذب استثماري بالنسبة للشركات يدفعها لتوفير الخدمات فيها.

أحداث مالي

وبدأ التخطيط للمشروع في النصف الأول من العام 2022، وذلك عقب مقتل عدد من المواطنين الموريتانيين داخل الأراضي المالية على يد الجيش المالي، في حوادث كان أكثرها دموية في شهري يناير، ومارس.

وفي مايو 2022 شكلت لجنة وزارية ترأسها الوزير الأول محمد ولد بلال، وكلفت بوضع استراتيجية متكاملة لتأمين الحدود، وقد ورد ضمن التشخيص الذي خلصت إليه هذه اللجنة أن مما يصعب عمل الجهات الأمنية ويضعف السيادة على المناطق الحدودية غياب أو ضعف شبكات الاتصال الموريتانية، فيما قوة شبكات اتصال الدولتين المجاورتين مالي والسنغال.

وقد شكلت اللجنة الوزارية لجنة فنية ضمت ممثلين عن قطاعات وزارية وأمنية وخدمية، هي الداخلية، والدفاع، والتحول الرقمي، والجيش، والدرك، والحرس، والشرطة، وسلطة تنظيم الاتصالات، وشركات الاتصال الثلاث العاملة في البلاد.

وقد نظمت اللجنة الفنية رحلة بدأت من انجاغو في ولاية الترارزة، مرورا بخط الحدود الجنوبي والشرقي حتى انبيكت الأحواش في ولاية الحوض الشرقي، وأعدت دراسة فنية لتحديد الاحتياجات الفنية لتغطية المنطقة بخدمات الاتصال.

ووزعت الدراسة الشريط الحدودي إلى ثلاثة محاور، هي محور انجاغو ولد ينج، ومحور ولد ينج فصاله، ومحور فصاله انبيكت الأحواش، كما وزعتها إلى ثلاثة مستويات من حيث الخدمة، مناطق لا توجد فيها أي شبكة، ومناطق فيها شبكة ضعيفة، ومناطق فيها تغطية لشركة واحدة من شركات الاتصال، وكانت الأخيرة محل قرار من سلطة التنظيم دخل حيز التنفيذ يناير الجاري بإلزام الشركة المالكة للهوائي بإتاحة استغلاله للشركتين الأخريين، فيما حدد هدف المشروع في التغلب على كل مشاكل الاتصال في كل المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى