مرافعة العميد ذ.محمدو اشدو أمام محكمة جرائم الفساد /ج3
يقول شاعر تونس الخضراء أبو القاسم الشابي:
هكذا المصلحون في كل أرض رشقات الردى إليهم متاحة!
ضيع الدهر مجد قومي ولكن ستعيد الحياة يوما وشاحه!
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
إن هذه الدعوى التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وخَرَبت البيت الموريتاني أربعا عجافا، هي دعوى سياسية كيدية ملفقة من النوع الذي لا يسمع، كمن ادعت على الشيخ بداه رحمه الله أو على أحد أقرانه ارتكاب الفاحشة! وذلك فضلا عما يكرسه الدستور الذي هو القانون الأسمى للبلاد من حصانة لمن وجهت إليه التهم الباطلة، ومن امتياز قضائي يجعلكم غير قضاته الطبيعيين.
وإليكم تجليات ذلك. كيف بدأ، وكيف اكتمل إحكام حلقاته المختلقة.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تتهمه النيابة ودفاعها اليوم ظلما وعدوانا بما لذ لهم وطاب من تهم، ويرتكب بعضهم ممن كانوا ينافقون له بالأمس كل أنواع الإهانة والتجريح بالباطل في حقه، وتحاكمه محكمتكم التي لا سلطان قانوني لها عليه بتهمة الفساد، ليس مفسدا ولا فاسدا كما يخرصون! بل هو بطل قومي حمل روحه في كفه وضحى بحياته مرتين يومي 3 و6 أغسطس المجيدين، في سبيل إنقاذ هذا الوطن من الدمار والتفكك والانهيار! ويشهد معظم الموريتانيين على الوضعية التي وجد فيها موريتانيا آنذاك: عزلاء بلا جيش وطني، مغلوبة على أمرها تتناهشها السفارات الأجنبية، واقتصادها منهار، وتنخرها الصراعات الاتنية والشرائحية والقبلية والجهوية جاثية على شفا جرف هار، وشعبها جائع وجاهل ومريض، يعيش نصفه في أحياء الصفيح القذرة المنسية حيث لا ماء ولا كهرباء .. إلى آخر ملامح تلك اللوحة المأساوية! بينما تعيش ثلة من المترفين أكلت الأخضر واليابس في أرغد عيش على حساب الجميع ومن جَنَى عرق الجميع.. والعلم الصهيوني النجس يرفرف في سماء أرض المنارة والرباط!
وخلال عشريته الذهبية، ورغم جميع المؤامرات والتحديات التي واجهته، فقد تمكن من إعادة تأسيس دولة ووطن ووحد أمة. فانتزع بالقوة استقلال القرار الموريتاني وافتك مصير الوطن من قبضة السفارات الأجنبية، وبنى جيشا وطنيا قويا ومسلحا تسليحا جيدا، وسيطر على الحوزة الترابية التي كانت نهبا، وحماها بالقوة، وأرسى القواعد العسكرية من لمريه إلى انجاغو، وحقق المصالحة الوطنية فصلى صلاة الغائب في مدينة كيهيدي الحبيبة على أرواح ضحايا البغي، وسوّى الإرث الإنساني، وأعاد المهجّرين ظلما إلى أرض الوطن مكرمين ومبجلين، وكرس محاربة العبودية في نص الدستور ومهرها بقوانين وبمحاكم، وأصلح منظومة الحالة المدنية التي كانت سدى، وطبع المصحف الموريتاني، وأعاد الاعتبار للأئمة والعلماء الذين كانوا مضطهدين ومشردين، وفتح إذاعات وتلفزات القرآن العظيم والمحظرة والحديث الشريف والآداب والعلوم، وسن مهرجانات المدن القديمة السنوية، وشيد المستشفيات والجامعات ومدارس التكوين العليا والدنيا، والمدارس الابتدائية والإعداديات والثانويات، ومدارس الامتياز المدنية والعسكرية، وعبّد الطرق، وفجّر الينابيع (آفطوط الساحلي، وآفطوط الشرقي، فم لگليته، واظهر، وبو احشيشة .. وغيرها) وشيد مصانع الكهرباء، وأطلع شموسها في كل مكان، وبنى المدن والمطارات والموانئ، وحرر سكان أحياء الصفيح من عذابهم وهوانهم؛ فقسم عليهم الأرض وأصلحها، وزودها بالماء والكهرباء، وزرع فيها المدارس والمستوصفات، وفتح فيها متاجر الأمل المخفضة، وشق القنوات (قناة كرمسين 50 كيلو مترا في الصحراء) وأقام السدود (وادي سگليل مثلا) وطور الزراعة (لحد الاكتفاء الذاتي من الأرز) ونمى المواشي، وأصلح الصيد، وجدد النشيد الوطني والعلم حتى تناغما مع واقع النهضة الجديدة، وترأس إفريقيا والعرب، ورفع ذكر موريتانيا بين الأمم .. إلخ. هذا هو فساد العشرية الذي يقض مضاجع المفسدين، لأنه كسب للوطن والشعب تم تحقيقه على حساب فسادهم!
ولم تكن لتتسنى هذه المنجزات العملاقة في فترة وجيزة لولا وطنية هذا الرجل وشجاعته وصدقه وإرادته الفولاذية والحرب التي أعلنها وقادها ونجح فيها نجاحا باهرا ضد الفساد، فامتدت يد الإصلاح في عهده الميمون إلى جميع الصعد؛ فصان المال العام، واسترجع الكثير مما تم اختلاسه.. وأظهر للقاصي والداني أن للبيت ربا يحميه!
من سن قوانين الشفافية ومحاربة الفساد التي يجترها ويرفعها في وجهه بعض المفسدين اليوم قميص عثمان دون أن يعوا منها شيئا؟ ومن شكل هذه المحكمة؟ ومن صان الحريات؟ ومن عدَّل الدستور ليكرس في مادته الثانية التداول السلمي للسلطة وتجريم الانقلاب؟ ومن أعطى المثل الحسن في احترام الدستور وتكريس مُدَدِ المأموريات، وتنازل طواعية عن السلطة غير محمد ولد عبد العزيز؟ ومن نظم انتخابات عادلة وشفافة سلم في أعقابها مقاليد السلطة للرئيس المنتخب في عرس ديمقراطي مشهود هلل له القاصي والداني بصفته دليلا قاطعا على عزة ونضج وحكمة وشموخ الشعب الموريتاني؟ ومن بين من وقعوا بأحرف من ذهب في سجل ملحمة موريتانيا البطولية الذهبي في يوم الزينة الوطنية المستفيضة التالية شهادات بعضهم:
1. فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي قال بتأثر بالغ: “كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل، نيابة عن الشعب الموريتاني، وأصالة عن نفسي، شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة، ومن مكاسب سياسية وديموقراطية رائدة؛ فقد شكلت – بحق – فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار، بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة، وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخاصة والشكر المستحق”. (من خطاب التنصيب). فكيف يكون من حبرت هذه الشهادة في حقه مفسدا؟!
2. رئيس المجلس الدستوري الذي شهد تحت اليمين في جلسة المجلس المنعقدة بقصر المؤتمرات الجديد المخصصة لإعلان تنصيب الرئيس المنتخب، فقال: “إذا كان هناك من يستحق الشكر من أجل هذا اليوم الذي لا ينسى فهو شعبنا لما تميز به من حكمة ونضج سياسي. كما أن أحد أبناء هذا الشعب يستحق الشكر بشكل خاص؛ وهو الرئيس محمد ولد عبد العزيز. السيد الرئيس لقد كان بإمكانكم، دون شك، السير في الطريق الصعب لتعديل الدستور اعتمادا على ما تحظون به من دعم شعبي، لكنكم لم تفعلوا وتجاهلتم كل المطالبات والضغوط وقلتم: لا، رغم كل الصعاب. وهو ما يذكر بما واجهه الآباء المؤسسون لجمهوريتنا. السيد الرئيس عزيز، كما يلقبكم شعبكم تحببا، لقد سنحت لي الفرصة بأن أتعرف عليكم كأحد مساعديكم الأقربين لسنوات عديدة، وأستطيع أن أشهد، وأنا محلف، بأنكم كنتم دائما ثابتين على هذا الموقف. لقد كنتم دائما تقولون، وأستشهد بكلامكم: “ما يهم ليس شخصي، فأنا لست خالدا وسأغادر السلطة يوما ما بطريقة أو بأخرى، وما يهم هو موريتانيا التي أردناها سنة 2005 ودافعنا عنها بأرواحنا: موريتانيا مستقلة ذات سيادة ديمقراطية وتعتمد على نفسها في أمنها وتنميتها؛ فهي المشروع الذي أحمل، وهي التي ستبقى بغض النظر عمن يحكمها”. ولقد لزمتم كلمتكم ووفيتم بعهدكم. وبهذا التصرف رسختم التناوب الديمقراطي في بلدنا. وأنا واثق من أن من سيخلفونكم لن يفكروا في التراجع عن هذا المكسب العظيم لديمقراطيتنا. وهكذا يكتب تاريخ الشعوب، وسيحفظ لكم التاريخ – السيد الرئيس– أنكم كتبتم فصلا رائعا في تاريخ الديمقراطية الموريتانية، كما لن تنسى الأمة الموريتانية لكم هذا الفضل. ولأجل كل هذا، ولأجل كل ما فعلتم لبلادنا في السنوات العشر الأخيرة: شكرا السيد الرئيس”. فكيف يكون من حبرت هذه الشهادة في حقه مفسدا؟!
3. الأستاذ عبد الباري عطوان: “شاهدت للتو ظاهرة حضارية ديمقراطية غير مسبوقة في موريتانيا.. رئيس منتخب سلم السلطة بطريقة دستورية لآخر منتخب، ويتعانقان بحرارة وهما في قمة اللياقة والحكمة، ودون طعن خناجر مسمومة في الظهر.. شكرا لموريتانيا وشعبها العظيم.. لم أسيطر على دموع الفرح وأنا أعانقهما إعجابا بهذه المفخرة”.
4. الدكتور سامي كليب: “لم يكن المشهد الذي قدمته موريتانيا للعالم أمس مألوفا في الوطن العربي، رئيسان جالسان على المنصة نفسها، أولهما محمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته بعد عشر سنوات ضبط فيها الأمن، وقاتل الإرهاب، وطرد السفير الإسرائيلي، وأحدث بداية نهضة اقتصادية واجتماعية جيدة، وحافظ على استقلالية لافتة. والثاني الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني الذي بادر شعبه في خطاب التنصيب قائلا إنه سيكون رئيسا لكل الموريتانيين…”.
عجبا للنجوم فيها ضياء وصفاء وللمدى دوران
عجبا للنفوس لا تتأذى من حياة حكيمها الثعبان
كلما سطرت معالم خير حطمتها الأقزام والغيلان.
صدق شاعر موريتانيا الكبير أحمدو ولد عبد القادر:
كلما سطرت معالم خير حطمتها الأقزام والغيلان!
ذلكم هو “فساد العشرية” المزعوم! وذلكم هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز الحقيقي، مجد وفخر موريتانيا الحديثة! والرجل الذي أنقذ موريتانيا، وحرر موريتانيا، وبنى موريتانيا، وأصلح موريتانيا، ووضع موريتانيا على طريق الحرية والديموقراطية والعزة والبناء، وبوأها مكانة عالية بين الأمم، فأصبح رمزا ونموذجا ومثالا وقدوة في موريتانيا وفي العالمين العربي والإفريقي!
أما الصورة النمطية الملفقة التي اختلقها وروجها كذبا وزورا وبهتانا من جاؤوا بإفك “فساد العشرية” ومطعموهم هم وإعلامهم الأسود وذبابهم الإلكتروني الوقح، بغية النيل من مكانة هذا الزعيم الفذ، ومن شخصيته العبقرية المتميزة، وطمعا في محو بَصْمَتِه الخالدة في جبين موريتانيا، حتى ينزاح بعبع حضوره الدائم وتألقه واحتمال عودته إلى السلطة الذي يقض مضاجعهم، فتلك صورة أصلية لأرواحهم هم الصدئة، وقلوبهم المريضة؛ ولا علاقة لها البتة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز!
﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون﴾ (التوبة 32)!
فهو – والله- كما قال نزار قباني في سلفه وقدوته الكريم الرئيس جمال عبد الناصر:
دخلت على تاريخنا ذات ليلة فرائحة التاريخ مســك وعنبــر
وكنت فكانت في الحقول سنابل وكانت عصافير وكان صنوبر
لمست أمانينا فكانت جداولا وأمطرتنا حبا وما زلت تمطر
أنُسأل عن أعمارنا، أنت عمرنا وأنت لنا المهديُّ.. أنت المحرر
وأنت أبو الثورات أنت وقودها وأنت انبعاث الأرض أنت التغير
ملأنا لك الأقداح يا من بحبه سكرنا، كما الصوفي بالله يسكــــر.
… ولم يتوقف المفسدون أبدا عن محاربة الرئيس محمد ولد عبد العزيز والتشكيك في إصلاحاته وإنجازاته، والعمل على تخريبها ليلا ونهارا، سرا وعلانية، طيلة عشرية حكمه الذهبية. ويمكننا أن نأخذ على التشكيك مثالين بليغين هما:
– ادعاؤهم أن موريتانيا لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وإنما اتفقت معها على إنزال العلم عن ساريته وجرف السفارة، وأن تبقى البعثة الإسرائيلية تمارس عملها في دار مؤجرة في تفرغ زينه ها هي مختبئة فيها!
– قولهم إن اكتشاف الذهب في موريتانيا مجرد خديعة قامت بها مخابرات ولد عبد العزيز لتخفيف الضغط الشعبي على نظامه؛ فقد ملؤوا حوامة من الذهب وأفرغوها في أماكن متعددة من البلاد، وأطلعوا بعض الساكنة عليها، فهرع الناس إلى تلك الأماكن التي سرعانما نفد ما رمي فيها وعاد الناس حفاة عراة!
وكان من حسنات هذا القائد البطل أنه وفى بعهده، وبر يمينه، ورفض بحزم وعزم انتهاك الدستور، والترشح لمأمورية ثالثة مضمونة النتيجة؛ ضاربا عرض الحائط بجميع الضغوط الداخلية والخارجية التي مورست عليه، وخاصة من أغلبيته. ونظم انتخابات شفافة كما ذكرنا آنفا، وسلم السلطة لخلفه في يوم مهيب ومشهود!
وما إن غادر البلاد حتى انتهز أعداؤه الفرصة وسعوا بالنميمة بينه وبين خلفه. واتخذوا من مرجعية الحزب الحاكم الذي أسسه هو سببا للانقلاب عليه وعلى نهجه الوطني الإصلاحي، وعملوا على شيطنته وحرمانه من ممارسة حقوقه المدنية، وعلى إقصائه عن الساحة السياسية خوفا من تأثيره في الحياة الوطنية، ومن شبح عودته إلى السلطة الذي يؤرقهم ليلا ونهارا! وقد انتهزت أحزاب المعارضة فرصة الانقسام الجاري داخل الموالاة، فسعى بعض قادتها بإبلاغ كاذب إلى رئيس الجمهورية يتهمون فيه الرئيس السابق بالفساد ونهب المال العام. ورغم رد الرئيس الحالي الصريح على وشايتهم؛ والذي أخبر به سلفه، وشهد به مفصلا النائب بيرام ولد اعبيدي! فإنهم ظلوا يعملون على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية غير شرعية، حدثنا عن ظروف نشأتها وعن هدفها الأستاذ الدكتور لو غورمو نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم في مقابلة مع بي بي سي فقال: “نحن من دعا إلى تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية، ونسعى بها فعلا إلى تصفية الحسابات مع ولد عبد العزيز الذي لم يكفَّ خلال عشريته عن تصفية حساباته معنا؛ ولم يلتحق نواب الأغلبية بدعوتنا إلا بعد انفجار أزمة المرجعية”.
وفي الأخير كان لهم ما أرادوا مع الأسف الشديد!
ولا غرو! فالتاريخ مليء بأمثلة الانقلابات الناعمة والخشنة ضد القادة والزعماء العظام: خروتشوف ضد ستالين ونهجه، السادات ضد عبد الناصر ونهجه، بن علي ضد بورقيبه ونهجه، كومباورى ضد توماس سنقرى ونهجه .. الخ. فمن طبيعة البشر المتصارعين على المصالح (الخير والشر) أنْ كلما برز عظيم في أمة يعمل لصالحها العام، تكالب عليه من هم دونه من أصحاب المصالح الخاصة، وتآمروا بغية القضاء عليه حفاظا على مصالحهم الأنانية! ومن أبرز أمثلة ذلك في التاريخ: مثال يوليوس قيصر الذي قاد الفتوحات ووسع مساحة الجمهورية الرومانية وفرض السلطة المركزية القوية فيها، ونال ثقة الجيش، وساعد الطبقات الفقيرة ووزع عليها القمح مجانا، ووسع عملية التمثيل في المؤسسات، ووضع القوانين والنظم، وأنشأ المباني والأبراج العظيمة، فأنقذ بعمله الجبار الجمهورية الرومانية من الانهيار وأعاد لها مجدها وزاد في رفع شأنها بين الأمم، لكنه حصد بذلك – دون أن يدري- عداوة مجلس الشيوخ والنبلاء، فاتهموه بالاستبداد والتعدي على صلاحياتهم، وروجوا الشائعات الكاذبة بأنه سينصب نفسه امبراطورا مدى الحياة، ويقضي على الجمهورية! وذات يوم (15 مارس 44 ق م) غدروا به، فتلقى 23 طعنة من أعضاء مجلس الشيوخ المتآمرين، ومن بينهم أعز أصدقائه؛ بروتس الذي قال فيه كلمته الخالدة: “حتى أنت يا بروتس”! وقد اعتقد المتآمرون يومئذ أنهم – بذلك الفعل- ينقذون الجمهورية ويحمون الحرية والديمقراطية! ولكن النتيجة كانت أن الخناجر التي وجهت إلى قلب القيصر أصابت قلب الجمهورية الرومانية فقضت عليها!
… وتمت المؤامرة على ثلاث مراحل هي: الانقلاب على الحزب الحاكم (فتنة المرجعية) الانقلاب البرلماني (لجنة التحقيق البرلمانية)،الانقلاب القضائي (الاتهام بالباطل والحبس والمحاكمة). وقد استخدموا في ذلك الوسائل التالية:
– التفريق بين ركيزتي الخيمة الموريتانية آنذاك: محمد ولد الشيخ الغزواني الرئيس الحالي، ومحمد ولد عبد العزيز الرئيس السابق، حتى يتسنى لهم القضاء عليهما الواحد تلو الآخر! فهما روح حركتي أغسطس، وأساس العشرية، وركيزتا نظامها الوطني؛
– الإطاحة بالوطنيين والمخلصين في جهاز الدولة وزرع المفسدين محلهم؛
– محاولة تلطيخ سمعة ولد عبد العزيز وشيطنته وبذل جميع الجهود من أجل القضاء على رمزيته كقدوة وطنية ومثال حسن يحتذى به، والعمل حتى على تصفيته جسديا تصفية ناعمة!
… وتتابعت حلقات المسلسل المخيف الواحدة تلو الأخرى:
1. “فتنة المرجعية” (الانقلاب على الحزب الحاكم وتخريبه من داخله والسيطرة على زمامه).
فمن – يا ترى- قام بنميمة هذه الفتنة المشؤومة، وخلقها من عدم فأهلك بها الحرث والنسل؟ أهم الصالحون من أهل موريتانيا، أم المفسدون؟ إنهم معروفون بالأسماء والصفات والصور، ومعترفون بما جنوا، وقد حصلوا على مكافآت سخية في مقابل ما قاموا به، يعرفهم ويعرفها الجميع. وإليكم بعض اعترافات بعضهم بالصوت والصورة على بعض القنوات: “اخترنا أن نلتقي.. مجموعة من الأطر، وأول لقاء لنا كان يوم 11 في أكتوبر 2019 في ضاحية انواكشوط بمنزل القاضي فضيلي ولد الرايس. مجموعة من الأطر فيها محمد يحيى ولد حرمه، محمد ولد الرزيزيم، حمادي ولد اميمو، احبيب ولد اجاه، الأستاذ عالي.. سيدنا سخنا.. محمد محمود ولد داهي.. مجموعة كبيرة من الأطر، وقلنا إننا نحن هؤلاء ينبغي أن نشكل جناحا سياسيا جديدا للحزب، فقال بعضنا – وهو الأكثرية- إننا ينبغي أن نحتفظ بالحزب (UPR) لكن علينا أن نطوره. لكننا سننتظم في إطار ما سمي آنذاك تيار المرجعية، سننتظم في اجتماعات منتظمة. هنا صحيح أننا بدأنا نتخذ من منازلنا مقرات، واتخذنا مقرا مكاتب الأستاذ الحاج ولد أحمد سالم صرنا نجتمع فيه. وقررنا أن نتمسك بـ”UPR” كحزب، ونتوقف عن الدعوة لتغيير اسمه، ولكن نطالب بانفتاحه على القوى الجديدة (المفسدون الذين كانوا يحاربون النظام من خارجه) وأن نطوره من الداخل ويصلح من داخله، وفي هذا الإطار عدلنا عن قضية التسمية. الأساسي عندنا حسم المرجعية. المرجعية حسمت.. حسمها المنتخبون، وحسمها النواب، وحسمها رؤساء المجالس الجهوية، وحسمتها رابطة العمد، وحسمتها لجنة التسيير بعد اجتماعها مع الرئيس السابق… إذن نعتبر أن معركتنا حسمت لصالح ما كنا نطالب به في قضية المرجعية. وجئنا إلى المؤتمر كمنخرطين، كمناديب. لما وقع المؤتمر وأثمر قيادة أنا أحدها، نعتبر أن مسؤوليتنا أصبحت محسومة وحسمت، هي مرجعية الحزب؛ وبالتالي من ذلك الوقت وخطاباتنا في الحزب -“UPR” أمس، “الإنصاف” اليوم- نقول إنه حزب جديد برؤية جديدة وبفلسفة جديدة وبمرجعية جديدة”.
2. الانقلاب البرلماني (لجنة التحقيق البرلمانية).
وبعد الانقلاب على الحزب، جاء دور البرلمان؛ حيث هب نواب معارضة العشرية يحتضنون نواب المأمورية الثالثة الذين بدلوا جلودهم للتو وانضووا تحت لواء “مرجعية” الرئيس محمد ولد الغزواني لما يئسوا من ثني الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن احترام الدستور ومغادرة السلطة! فانقلب الجميع على الدستور، وشكلوا “لجنة تحقيق برلمانية” ما أنزل الله بها من سلطان، تلقفها وسيطر عليها المفسدون وهي في المهد، فوظفوها في تحقيق مشروعهم؛ وابتزوا بها الأبرياء وأرهبوا بها الضعفاء، وجنوا بواسطتها المنافع والامتيازات. ولم تكن تلك اللجة لترى النور وتؤدي وظيفتها الانقلابية لولا التفاف مختلف أطياف وكتل النكوص حولها في حلف مصالح، والدعم الذي وفره لها محامو النيابة الذين حاولوا بجميع الوسائل إضفاء صبغة الشرعية عليها بالباطل؛ وذلك قبل أن يتبرؤوا منها أخيرا، ويحجبوا تقريرها عن العدالة متشبثين بحجية “قرار الإحالة” و”غربلة قطب التحقيق”! وقد نسفت هيئة دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز جميع تلك الأباطيل والترهات، وأظهرت على رؤوس الأشهاد خلو “لجنة التحقيق البرلمانية” من أي شرعية مزعومة؛ سواء أكانت بسبب اعتبار النظام الداخلي للجمعية الوطنية قانونا نظاميا كما يدعي النقيب السابق، أم عن طريق وجود لجان تحقيق برلمانية في التشريع الفرنسي! (ينظر تمخض الجبل ثلاثا ولم يلد، السؤال السابع).