الميثاق الجمهوري أو إتفاق المنحة في طي المحنة!

تانيد ميديا : مساء الخميس الماضي الموافق 21 دجمبر 2023 شهد ” قصر المؤتمرات”  حدثا مهما و هو  ذلك الإتفاق السياسي  المدعو  ب “الميثاق الجمهوري”  الموقع بين أحزاب هي :
-الإنصاف الحاكم،
– و تكتل القوى الديموقراطية (RFD)،
– واتحاد قوى التقدم  (UFP) ،
مع وزارة الداخلية واللامركزية و بإشراف من فخامة رئيس الجمهورية .
يأمل الموقعون و ربما غيرهم يأملون أن  يؤدي المسار بالنتيجة  إلى وضع يقرب من نهاية التاريخ في مسيرة إصلاحات السياسة المتعاقبة أي الوصول بالبلد إلى رشد ديمقراطي حقيقي و راسخ .
و لست أبدا مع أولئك الذين يتوجسون من كوننا بصدد مسار لمصادرة المشهد أو التخادم  عبر شراكات (رابح/رابح) المؤذنة بالتسطيح و لاحقا بالتصحر السياسي  أي بالنتيجة موت السياسة .
لقد عرفت موريتانيا خلال  العقدين الأخيرين حلقات متتابعة من التشاورات الوطنية تمخضت كلها عن  إتفاقات سياسية ذات  مضامين و مقاصد  إصلاحية لكنها  غالبا ما سقطت عند اختبار التطبيق ، هذا إذا استثنينا بالطبع تشاور 2006 م .
بيد أنه  في هذه المرة تبدو المراهنة ممكنة على نجاح محتمل لهذا الحوار الذي أريد له عند المنبع ( En amont) قدرا من الحصرية  والنوعية على أن يتمكن لاحقا من استقطاب الكم و توسيع المشاركة عند  مصبه ( En aval) .
و لعل المبرر الأول للتفاؤل هو تلك الدافعية الحقيقية و الإرادة السياسية الملموسة  من لدن  فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من جهة و كذلك لأن الإتفاق  يضع على  المحك المصداقية  السياسية التاريخية  لزعيمي  “المعارضة ” الموقعين عليه بوصفهم الطرف الآخر المقابل و المحظي بالتبريز و الإصطفاء .
و لا يكابر أحد بأن كلا من الرئيسين أحمد ولد داداه و محمد ولد مولود هما رمزان وطنيان لهما تاريخ نضالي محترم كما لم تعد لكليهما مطامع شخصية غرضية أو مطامح انتخابية  رئاسية .
و من يتابع حفل التوقيع بشكل منصف
وحتى بروح  نقدية فلا يسعه  كإنطباع أولي إلا الشعور بنوع من الإرتياح من حيث المضمون والشكل على حد سواء .
فمن حيث المضمون فقد نص الإتفاق  في ملحقه على جدول أعمال  مشحون من نقاط في غاية الأهمية و الشمولية كل ذلك مشفوعا بتأطير تنفيذي و زمني واضح
و صريح .
أما من حيث الشكل فبقدر ما كان  لافتا تمثيل السلطة المزدوج  مؤسساتيا عبر وزير من الحكومة و سياسيا  من  طرف رئيس  الحزب الحاكم مع التنويه بتلك المساواة
او حتى “المحاباة” البروتوكولية الواضحة لطرف المعارضة .
لكن إذا تجاوزنا كل  هذه  الإيجابية  في الجوانب المضمونية  للإتفاق و كذا الإجرائية  عند توقيعه فإن الميثاق الوطني مع ذلك يكشف  عن قصد أو غير قصد عورات عديدة تستثير أسئلة  كثيرة :
فأولا : – إن   هذا الإتفاق حين يطعن من طرف خفي بالتلميح و الفحوى  في الإنتخابات الأخيرة وظروفها و جوانب قصورها فهو يصب ماءا باردا على شرعية الهيئات المنتخبة الحالية المنبثقة عن ذلك الإستحقاق و هو ما ينسحب واسعا .
ثانيا: – و هذا الميثاق الوطني يعري سوءات معينة في المشهد الحزبي إذ أنه يكشف واقع و ماهية النظرة الحقيقة إلى الأحزاب و تقدير أوزانها  الفعلية و قيمتها المستحقة لدى صانع القرار و أيضا إلى أي حد يبدو  الشحم في بعضها  ورم  .
فالواضح أنه ليس ثمة تقابل بالضرورة  بين الأوزان الإنتخابية و الأوزان السياسية
و القيمة المعنوية و الإعتبارية  لها .
كما أن درجة التأثير لكل حزب في الشأن العام وسقف حضوره ليست مسألة استحقاقية معيارية و إنما هي أحيانا اجتبائية وتخضع لسلطة تقديرية معينة .
ثالثا – إن الإتفاق يعمق  أكثر أزمة قديمة قائمة وهي الصعوبة الحاصلة  أصلا في التصنيف الصارم لتموقع الأحزاب السياسية مقابل السلطة  و المضمون الملموس لذلك حقيقة .
و تظهر الأمور جلية حين محاولة التمييز الفعلي بين المعارضة و الموالاة إذ غالبا ما يختلط  الحابل والنابل والظاهر بالخفي  وتتلاشى أحيانا خطوط التمايز في  شبه منطقة تيه رمادية  .
فالموالاة والمعارضة مسألة إشكالية تلتبس فيها مفاهيم  الإسمية و المضمونية
و العضوية و الوظيفية .
وكما الاختلاف في الطبيعة فهناك التفاوت بالدرجة حيث الحديث عن المعارضة الناطحة والناصحة وعن أغلبية الإطار العام و الإطار الخاص .
و السؤال الكاشف هنا يبقى ذلك المتعلق بمن يمكنه أن  يحمل لواء المعارضة حاضرا أو  يحق له  إدعاء الأسبقية في حمل التسمية و الإلتحاف بها.
فهل المعارضة ذات الجدارة  المعتبرة هي :
1 – المعارضة التاريخية صاحبة الرصيد المتراكم  و الشرعية  الممتدة و المصداقية الراسخة ؟
2 – أو هي المعارضة المؤسسية الرسمية  صاحبة المشروعية ( التي ترأس مؤسسة المعارضة المنبثقة من واقع الإنتخاب و التمثيل في البرلمان )؟
3 – أم انها المعارضة النضالية المعبرة عن نبض الشارع المدغدغة  للمشاعر صاحبة الخطاب المتشدد و عالي النبرة و ذات الطرح البديل أو المفارق أحيانا مع المطلبية الضاغطة و التي هي بالنتيجة تقع في دائرة الإشتباك التعبوي و الميداني .
رابعا – ثم إن عرض الأسباب و الدواعي الذي جاء في ديباجة نص الإتفاق  يحيل فيما يحيل إليه  إلى ذلك  الذي حدث خلال إنتخابات مايو الأخيرة مما أرجع بعض الاطراف إلى خانة التوتير و التصعيد الميداني  وهي التي كانت قد أملت  في مغادرة الخانة إلى غير رجعة و هو من جهة أخرى لم يغفل الإشارة لخطورة الظروف  الداخلية و الخارجية  السائدة و الضاغطة.
و  من هنا يكون مشروعا  طرح  السؤال  التالي :
هل لو افترضنا جدلا أنه كان قد دخل من غاب حينها عن قبة برلمان الإنتخابات الأخيرة و لم تكن الظرفية الدولية بما هي عليه من الاضطراب و الصعوبة ، ألم يكن من حق البلد أن يطمع بهكذا مشروع ميثاق جمهوري مهم أو يأمل بمثل هذا التقدم المرجو منه؟ ثم  هل إذا غاب هذا الحافز أو ذاك أو خفت وطأة الضغوط سيكون الأمر حينها مدعاة لنكوص أو تراخي لا قدر الله ؟
لقد آن الأوان  حقيقة أن ينطلق الفعل الوطني ومشروع البلد للمستقبل   فقط من حاجاته الذاتية و متطلبات  نهوضه المستدام ضمن أفق وعي مستنير و من منظور مجرد و مطلق  .
و على كل حال فمما يبشر أن الأمور  ربما ستسير في الإتجاه الإيجابي  المأمول هو ما يتسرب عن  درجة انخراط فخامة  رئيس الجمهورية و إلتزامه الشخصي و الجدي بالموضوع  سيما أن الشريكين الرئسيين الأساسيين هما كما أسلفنا من   الرموز الوطنية وقد  بلغا حد العمر للإنتخاب الرئاسي و كلاهما على مشارف تقاعده السياسي و على الأرجح  فهما لن يكونا معنيين أساسا  إلا  بما سيتركانه خلفهما للأجيال القادمة كميراث شخصي ختامي مكلل بالمجد و ذي مغزى .
و حتى مع لازمة الإعتراف بحق البعض في التلبس بمنهج الشك  الديكارتي فينبغي أن نفترض  جميعا وجود فرصة تقدم ممكنة فلنمنحها إذن الفرصة  و نتمني  لها – بل نعينها على- النجاح الناجز كخيار إسعافي للبلد عبر جهد جماعي يبتغي إنتاج مخرجات ناجعة و مقنعة و مؤسسة.
وكما أسلفنا فالمراهنة  تبدو حصرية في المقام الأول على أطراف ثلاثة و حيث يبدو المعامل الشخصي ذا أهمية كبيرة . و مع حفظ المقامات ودرجة التعويل تقديرا لأهمية الأدوار المرتبطة فعلا برصيد  السلطات وقدرة التاثير  فتبدو مسؤولية فخامة الرئيس ورئيسي الحزبين المذكورين  في إتمام الموضوع مسؤولية تضامنية
و شخصية وهي صمام الأمان  و الضمانة الأكيدة للنجاح في هذا الشأن العام ذي الخوصصة في تصوره و تخطيطه وحتى الآن في تنزيله .
و من هنا فقد لا يكون  ملائما ما كان في الحالات السابقة من الركون  للإشراف من الخارج  (regulation externe )
على تنفيذ ما يحصل من توافقات وطنية  سياسية  أو مؤسسية  و هو ما لم ينجح تماما في أي من المرات السابقة .
وهناك خشية  من ان البوادر حتى الآن  تسير في  مثل ذلك الإتجاه  عبر ما ذكر عن لجنة للإشراف على التنفيذ  .
صحيح أن الضمانة الأولى والأساسية  في كل هذا الموضوع هي  تلك النابعة من الإرادة السامية الصادقة المستندة على النية الحسنة لفخامة الرئيس  لكن المشاركة في الضبط الداخلي  للأمور
(la regulation interne )
من طرف شركائه ستكون له معينا في السير الحسن والتنفيذ الأمين  و بالتالي ضمان جودة المخرجات .
كيف يمكن ذلك ؟…..

.يتبع
السلام عليكم
محمد ولد شيخنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى