قراءة في استشارة أ. الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح حول المادة 93 من الدستور! (2/ 3)
القول الثاني: “وهذا يقتضي بمفهوم المخالفة أن رئيس الجمهورية مسؤول عن جميع الأفعال الأخرى التي لم يجر القيام بها” في ممارسته الوظيفة الرئاسية”. وينطبق ذلك، ليس فقط على الأفعال الخصوصية البحتة (أفعال الحياة المدنية. الشؤون الخاصة) لكن أيضا وبالأخص على الأفعال المقام بها بصفته رئيسا للجمهورية، لكنها يمكن فصلها عن الوظيفة الرئاسية نفسها بسبب مضمونها أو غايتها. فالفقه مجمع – كما أشار إلى ذلك بحق صديقي وزميلي لو كورمو في مداخلاته الأولى – على اعتبار أن “الأفعال المنفصلة” ليست مشمولة بمبدأ عدم المسؤولية، وأن الرئيس مسؤول من الناحية القانونية والشخصية عن تلك الأفعال.
وتميز غرفة الجرائم بمحكمة النقض الفرنسية بهذا الخصوص منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، فيما يتعلق بممارسة الوظيفة الوزارية، بين الأفعال التي لها علاقة مباشرة مع إدارة شؤون الدولة، والتي تبرر اختصاص محكمة عدل الجمهورية (محكمة العدل السامية عندنا) والأفعال الأخرى، وخصوصا الأفعال المقام بها فقط “بمناسبة ممارسة الوظيفة الوزارية” والتي هي خاضعة للقانون العام.
ويمكن أن يدخل في إطار هذه الأفعال كل ما يتعلق بالإثراء غير الشرعي أو بالفساد. وفي المحصلة فإن رئيس الجمهورية مسؤول بالتأكيد شخصيا عن الأفعال المقام بها أثناء مأموريته ولكن التي تكون قابلة للفصل عن الوظيفة الرئاسية. لأنها تم القيام بها بمناسبة ممارسة الوظيفة الرئاسية لكن بهف آخر غير تسيير الشأن العام.
هذا هو تأويل المادة 68 من الدستور الفرنسي، مصدر المادة 93 من دستورنا، الذي انتهى به المطاف إلى أن فرض نفسه والذي كرسه بقوة وتفصيل إصلاح 2007″ .
وبترجيح الاستشارة لهذا القول الثاني “الذي انتهى به المطاف إلى أن فرض نفسه والذي كرسه بقوة وتفصيل إصلاح 2007” على حساب القول الأول المنصوص في دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية، نكون قد استوردنا – بواسطتها- من معامل Manufactures الفقه القانوني والقضائي والتشريع في فرنسا، سلعتي “الأفعال المنفصلة” و”اختصاص القضاء العادي” في اتهام ومحاكمة رؤساء موريتانيا السابقين واللاحقين عليها، ومن قبلهما “لجنة التحقيق البرلمانية” التي ما أنزل الله بها من سلطان!
ذلكم هو ملخص ما جاء في العنوان الأول من الاستشارة. أما العنوانان الثاني والثالث، فقد خصصا لتعليل أحكام القول الراجح فيها، والتبشير بفوضى عارمة هي “أن الاتجاه العام اليوم في القانون المقارن هو “الحد من مجال الحصانات التي تعتبر أمرا غير طبيعي يتعين إنهاؤه في دولة القانون” وأنه بخصوص محاكمة محتملة للرئيس “تتعلق بتملك غير شرعي لأموال عمومية، فإن الصلاحيات التي يتوفر عليها القضاء العادي (مداهمات، حجز، استرداد… إلخ) هي أكثر شمولية مما هو ممنوح لمحكمة العدل السامية”.
ولا غرو – في هذه الحالة- إن صفعك وأنت شيخ قاض مغمور ما يزال في بدايات السلم الوظيفي بأنه لا يعبأ بنص الدستور ولا بوجودك!
فقد صدق من قال:
إذا كان رب البيت للدف ضاربا ** فلا تلم الصبيان يوما على الرقص.
ذ/ محمدو ولد إصدار