ولد بوحبيني لصحيفة إسبانية: “هذه حقيقة العبودية بموريتانيا”
في مقابلة أجرتها معه “منصة مدريد” خلال وجوده في إسبانيا أوضح رئيس لجنة حقوق الإنسان أحمد سالم ولد بوحبيني أن الأرقام التي يتم ترويجها عن العبودية في موريتانيا بعيدة عن الواقع، معتبرا أنه على الغرب عدم تصديقها.
وفيما يلي نص المقابلة:
سؤال:
ظهر أخيرا مقال مثير للجدل في موقع “أوروبا برس” تحدث عن قصة صادمة بخصوص ممارسات الإسترقاق في موريتانيا، حيث ذكر كاتب المقال، انتونيو سولا، أن المرشح السابق لرئاسة موريتانيا بيرامه الداه اعبيدي أطلعه على قصة زواج ابن من أمه المملوكة لوالده، وإنجابه منها، علي اعتبار أنها ملك له بفعل ملكية والده لها.
هذه صورة صادمة من العبودية، إضافة الى الأرقام المهولة التي يتحدث عنها الحقوقيون في بلادكم. هل يمكنكم أن تعطوا الرأي العام الإسباني والأوروبي تصوركم حول وضعية حقوق الإنسان في موريتانيا وخاصة مشكل الرق؟
جواب:
لا شك أن مشكل العبودية في موريتانيا كان سببا في نشر الكثير من القصص والروايات والتعليقات التي جعلت بعض الإعلاميين والساسة الغربيين يعتقدون بأن موريتانيا عبارة عن غابة تمارس فيها أبشع مظاهر الهمجية.
شخصيا، قلت أمام البعثات الدبلوماسية للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، في العاشر من ديسمبر الماضي، أنه قد حان للغرب أن يصحح نظرته عن العبودية في موريتانيا، فموريتانيا ليست أكبر بلد يمارس فيه الرق في العالم، ولا توجد فيها أسواق لبيع العبيد، ولا يوجد فيها عبيد مكبلون بالسلاسل، ولا توجد فيها نسبة 20% من العبيد كما هو منشور على الانترنيت. إنها مغالطات لا تخدم الحقيقة، ولا تخدم محاربة الرق الذي نسعى إلى تجاوزه بآليات وأساليب وإجراءات عديدة.
وعلى كل حال، فأنا أؤكد، كما أكدت في العديد من المناسبات، أن العبودية توجد منها حالات في موريتانيا التي ورثتها، كباقي بقاع العالم، عن قرون خلتْ كانت فيها هذه الظاهرة مسألة جد عادية.
لذا قررت الحكومات الموريتانية إنشاء محاكم لردع ممارسة الرق وإصدار أحكام ضد الإسترقاقيين، كما اتفقت مع الأمم المتحدة علي خارطة طريق لمحاربة مخلفات الرق، ورخصت لمنظمات من بينها واحدة باسم “نجدة العبيد”، مما يدل على اعتراف بوجود الظاهرة في موريتانيا ونية التصدي لها، لكن الظاهرة موجودة في موريتانيا كما هي موجودة في العالم بأسره، لا أقل ولا أكثر. فوجودها في تاريخ كل بلد جعل في كل بلد بقايا ومخلفات وانعكاسات وهشاشة وفقر وجهل وحالات استرقاق واستغلال. فاليوم توجد في العالم، حسب الإحصائيات الموثوقة، قرابة 40 مليون مسترق بما في ذلك الدول الغربية. من بين الدول من تسمي ما يوجد لديها من حالات بالرق العصري، ومن بينها من تسميه بآثار الرق، ومن بينها من تسميه بالمتاجرة بالرقيق، ومن بينها من تسميه باستغلال الإنسان والمتاجرة بالأشخاص، وقليلة جدا هي تلك التي لا توجد بها حالات من الرق التقليدي.
إن الترويج للمبالغات بشأن الرق في موريتانيا لا يخدم محاربة الرق في البلاد. إن ما يخدم محاربة الرق هو أن يساهم النشطاء الحقوقيون الموريتانيون في تطبيق المقاربة التي تعتمدها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وتتبناها الدولة، وأن يكونوا شركاء فعليين في الخطط الهادفة إلى القضاء على الرق ليس من خلال تهويله، ولكن من خلال التعامل معه على حقيقته وبحجمه الحقيقي. كما تمكن خدمة محاربة الرق من قبل الدول الصديقة لموريتانيا بدعم مجهودها الوطني وإجراءاتها القانونية والتنموية الهادفة إلى معالجة الحالات الموجودة والمساعدة في الرفع من المستوى التعليمي والصحي والسكني والوظيفية للمواطنين لأكثر هشاشة.
إن لدى موريتانيا ترسانة قانونية مكتملة شهد أكبر المدافعين عن حقوق الانسان، حتى المعارضين منهم، على أنها مثالية. إذن النصوص موجودة، ولا يبقى إلا بذل مجهود مشترك لتطبيقها. لذلك نظمنا، في اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، قافلة جابت موريتانيا طولا وعرضا بغية تفقيه الناس حول حقوقهم القانونية، وترسيخ فكرة أن الاسترقاق يعدّ جريمة ضد الإنسانية.
سؤال:
كيف ترى ما تقوله المنظمات الحقوقية من كون السلطات تتجاهل مطالبهم ؟
جواب:
الحقيقة أنني أتفق مع المنظمات الحقوقية على وجود حالات من الرق معزولة، واتفق معها على وجود ملفات لم يتم التعامل معها بالصرامة الكافية، واتفق معها في عدم تعاطي بعض الجهات القضائية والإدارية مع موضوع الرق ومع الشكاوي المتعلقة به كما ينبغي، لكنني لا أتفق مع هذه المنظمات في الصورة التي ألصقوا بأذهان الدوائر الغربية حول حجم وطبيعة ظاهرة الرق في موريتانيا، فهي صورة لا تمت إلى الواقع بأية صلة لأنها مبنية على المبالغة.
وإنني هنا، من خلال صحيفتكم الموقرة، أدعو الغرب، حكومات وإعلاما ومنظمات، إلى تصحيح مفاهيمه الخاطئة عن ملف الرق في موريتانيا، كما أدعو، مرة أخرى، لزيارة البلاد بغية الإطلاع المباشر على الحقائق، وعلى المنظومة القانونية، وعلى أسلوب معالجة الموضوع قضائيا واجتماعيا وتنمويا، والوقوف على ما يمكن أن يكون لدينا من اختلالات و نواقص في هذا السياق.
ولأن الجميع مصر على طي ملف الرق طيا نهائيا، فقد قررنا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القيام بقافلة ثانية، ندعو المنظمات الموريتانية مجددا، وممثلي المجتمع الدولي في موريتانيا، والإعلام الغربي والمنظمات المهتمة للمشاركة فيها والعودة بالخلاصات المتحصل عليها على أرض الواقع.
سؤال:
محليا من هي الجهات التي تخاطبها لجنتكم في مقاربتها للقضاء على ظاهرة الرق ؟.
جواب:
اننا نوجه باستمرار رسائل لثلاثة أطراف:
– من يعتقد انهم يمارسون العبودية ونخاطبهم بصرامة ونبلغهم اننا سنتابعهم ونلاحقهم حتى ينالوا الجزاء القانوني في حال ثبت ان هنالك ضالعين في أي حالة عبودية،
– ومن يخضعون لأي نوع من أنواع العبودية، ومفاد رسالتنا إليهم هو أننا نفتح لهم الباب والحماية لتقديم شكاية من مستغليهم،
– والسلطات والمسؤولين الاداريين الذين نبلغهم أن عليهم التعامل بجدية مع أي موضوع يتعلق بالعبودية من حيث التحقيق وحماية الشهود وعدم الخضوع لأي ضغط.
سؤال:
ماهي مقاربتكم للعمل علي ملف العبودية في موريتانيا ؟؟
جواب:
لقد لاحظنا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن الحكومة والمنظمات الحقوقية تدور منذ بعض الوقت في حلقة مفرغة محورها الاتهامات المتبادلة، فكلما أجرت الدولة تحقيقا يكشف عدم صحة حالات العبودية التي تتحدث عنها بعض المنظمات الحقوقية، تعود هذه المنظمات لتتهم الإدارة والقضاء بالتواطؤ والتعتيم علي هذه الحالات، ثم تأتي الدولة لتتهم المنظمات باختلاق حالات عبودية لخدمة أجنداتها الخاصة.
وقد توصلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الي صيغة تخرجنا من هذه الدائرة المفرغة.
سؤال:
كيف عملت اللجنة علي تجاوز هذه التجاذبات وما مدي مصداقية الطريقة التي تعتمدونها ؟
جواب:
لقد اعتمدنا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان علي مقاربة خاصه تعتمد علي الانتقال المباشر للوقوف علي أي حالة اشتباه في العبودية يتم ذكرها، ونقوم بعملية التحري والتحقيق الخاصة بنا للحصول علي معلومات نستقيها من مصادرنا المحايدة دون الاعتماد علي رأي الحكومة أو المنظمات الحقوقية.
ومن أجل الخروج من أي اتهامات قد يسوقها لنا البعض باعتبارنا مؤسسة عمومية، فإننا لم نعد نباشر القضايا بشكل منفرد، بل أصبحنا ندعو مكتب مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة “سيف شلدرن”ومنظمات غير حكومية وطنية للمشاركة معنا في مساعينا وقوافلنا.
تجربة إشراك هذه المنظمات أعطت بشكل غير قابل للشك مصداقية كبيرة لما نجريه من تقييم حول الحالات التي يتم الحديث عنها.
وبالتالي لم تعد الحكومة قادرة علي التستر علي حالات العبودية كما تتهمها بذلك المنظمات الحقوقية، كما لم تعد المنظمات الحقوقية قادرة علي فبركة حالات عبودية لخدمة اجنداتها الخاصة كما تتهمها الحكومة.
وهذه هي الآلية التي طبقناها في آخر حالة يتم ذكرها في ولاية غيدي ماغا، وهي طريقتنا في المستقبل. وهنا ندعوكم، كما ندعو كل المنظمات الإسبانية والأوربية للعمل في هذا السياق ومرافقتنا في القافلة التحسيسية الثانية.
سؤال:
ماهي رؤيتكم لحاضر ومستقبل مكافحة العبودية في موريتانيا..
جواب:
نحن نثق بضرورة مواصلة التحسيس والتوعية، ومتابعة كل حالة يتم ذكرها بنفس روح العمل الجماعي التي ذكرناها في السابق، ونجدد الدعوة للمنظمات الوطنية والدولية لمشاركتنا في هذا العمل. إن لدينا ترسانة قانونية مكتلمة، ومحاكم خاصة، وما ينقصنا هو المزيد من الصرامة في تطبيق النصوص.
إننا مصرون على طي ملف العبودية بشكل كامل في موريتانيا، ومقتنعون أن ذلك لن يحدث دون مشاركة الجميع في نفس المسعى.