“محاكمة رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز تعسّفية ونموذج خطِر على مؤسسة رئاسة الجمهورية في العالم العربي “
تانيد ميديا : صدر عن مكتب المحامية #سندريللا_مرهج المقالة التالية تحت عنوان:
“محاكمة رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز تعسّفية ونموذج خطِر على مؤسسة رئاسة الجمهورية في العالم العربي ”
بوكالتي القضائية عن رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السابق محمد ولد عبدالعزيز، الذي اتّخذ مشكوراً قراراً جريئاً بضمّ محامية لبنانية إلى فريق دفاعه، وهو الواثق مع كثيرين داخل وخارج التراب الوطني أنّ ملفّه محبوكٌ بقطبٍ قانونية داخلية، معطوفة على اتفاقية دولية جرى بترُ تنفيذها. قِطَبٌ حيكَ بها غلاف إصلاحي لمشروع سياسي. لا بدّ ونحن على أعتاب التحضير لجلسة محاكمة الرئيس الأولى في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، والتي تواكبها حملة إعلامية مبرمجة لتضليل الرأي العام والترويج لحتمية ادانته وسجنِه، بمحاولةٍ خسيسةٍ للتأثير على القضاء، ترتكبها أيادٍ ملطّخة بالمال الاسود، موّلت حملة اعلامية هدفها الاغتيال السياسي للرئيس الاسبق، والمعارض الحالي وصاحب التأييد الشعبي الاول في بلده محمد ولد عبد العزيز،
لا بدّ من قول كلمة حقّ في القانون والسياسة.
في القانون، إنّ اجراءات محاكمة رئيس جمهورية موريتانيا الأسبق محمد ولد عبد العزيز تعسّفية شكلاً ومضموناً، وفي السياسة انّها نموذج خطر على مؤسسة رئاسة الجمهورية في العالم العربي.
أعرف تماماً أنّي اترافع في قضية تخصّ بلداً ليس وطني، لكنّي أعرف أيضاً أنّ المتهم فيها رئيس جمهورية لبلد يكنّ له الشعب العربي عموماً واللبناني خصوصاً كلّ المحبّة والاحترام، وما من عربي إلّا ويكنّ للعروبي الاصيل محمد ولد عبد العزيز كلّ التقدير لمواقفه الصلبة بوجه اعداء الامّة من الصهيونية وصولاً للتكفيرية الارهابية.
في موريتانيا، المتهم بنى البلاد، والبنيان عمل مستدام سلّمه لخلفه.
ما بين الرجلين على الصعيد الشخصي والحزبي والسياسي لا يعنيني كمحامية مدافعة عن قضية معينة وكنت قد طلبت موعداً من الرئيس الحالي عبر الاتصال بالقصر الرئاسي من بيروت لأطلِعه وجهاً لوجه على بعض المعلومات المحيطة بالملف كون المتّهم ليس مواطناً عادياً بل رئيس مؤسسة تنتقل من سلف الى خلف وتنتقل معها اسرار داخلية وخارجية عدّة، لكنّ الموعد لم يُحدّد بعد.
نعم، إنّها قضية نموذجية قد ترسّخ الاجتهاد الآيل الى شرعنة التعدّي على القواعد الدستورية الراعية والحاضنة لحقوق وواجبات كلّ من الدولة ورئيس الجمهورية، والضامنة لحرية سياسات رئاسة الجمهورية وقراراتها ضمن ضوابط القانون الدولي الانساني والحصانة الدستورية والخيانة العظمى والاجراءات الجزائية المتوجبة لصحة الاتهام والمحاكمة امام محكمة العدل السامية صاحبة الاختصاص النوعي.
وكلّ ما هو عكس ذلك ليس سوى “تعسّف باستعمال الحقّ” قد ترتكبه سلطات ثلاث مجتمعةً او بالانفراد.
إنّ القضية التي بين أيدينا سابقة إجرائية عربية غير ايجابية في معترك مكافحة الفساد الدولي.
طبعاً، إنّ مكافحة الفساد في أوطاننا العربية مطلبٌ شعبي جامع وعنوانٌ دولي مفروض على الحكومات من باب الإصلاحات المشروطة للتمويل والدعم والتنمية والحساب والمحاسبة ، وايضاً لإسقاط الانظمة وتقسيمها وهدم مؤسساتها والاهداف كثيرة.
وطبعاً، يدغدغ عاطفة الشعوب لا سيّما في الدول النامية الطامحة للازدهار والمنافسة بسوق الاقتصاد العالمي، عنوان استرداد الأموال العامة المنهوبة او المكتسبة بفعل استغلال السلطة، وغيرها من العناوين التخديرية لشعوب تحتضر توقاً للعيش الكريم.
ولكنّ محاكمة رئيس جمهورية امام محكمة عادية مع اعتباره موظفاً عمومياً عادياً ليُطبّق عليه قانون وضعي (هو من وقّعه) وان يُعتبر القانون اعلى مرتبة من الدستور ومن الاتفاقية الدولية لمحاكمة الفساد التي اشترطت سيادة دساتير الدول الاعضاء، وليُحاسَب عن افعال ارتُكبت اثناء وبسبب وبمعرض ولايته ضاربين الحصانة الدستورية وشروط الاتهام والمحاكمة المحددة حصراً في الدستور عرض الحائط، محطّ انظار حقوقيين وسياسيين وشعوب وقادة دول.
وأكثرُ من ذلك، أُدخل رئيس جمهورية اسبق السجن الانفرادي وحُجزت امواله واموال عائلته ومجموعة افراد وشركات لا علاقة له بأعمالهم وقُيّدت حرية حياتهم، بعد ان رفض ان يحقق معه رجال أمن حول افعال تُنسب اليه يوم كان رئيساً للبلاد لمدة عشر سنوات متمسّكاً بحقوقه وبالاصول الدستورية.
في الأصل، إنّ مبدأ المحاكمة ليس خاطئاً من باب انّ الجميع سواسية امام القانون، لكنّ انفاذ المبدأ له مبدأ. وفي علم الاجتماع، إنً كلّ خروج على المبدأ شواذٌ، وفي السياسة والقانون، كلّ خروج على المبدأ فسادٌ.
لا أدري لماذا يحمل بعض المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الموريتانية على كاهلهم بادرة ضرب حماية الحصانة الرئاسية بطروحات مرّ عليها الزمن حول ما اعتُبر محاكمة بعد اوقبل الولاية الرئاسية، ومفهوم العمل العادي والعمل الرئاسي الخ… متناسين ان كل التهم الحالية موضوعها افعال تمّت بسبب واثناء وبمعرض العمل الرئاسي.
ما الهدف من هذا الكمّ من المغالطات الدستورية والقانونية باسم مكافحة الفساد؟!
اقولها وبصراحة،
يعرف القيّمون على هذا الملف من فريق الدفاع وحقوقيين محليين ودوليين وسياسيين، أنّ مسار قضية الرئيس عزيز البرلماني والأمني والقضائي، وحتى المرحلة التي وصلنا اليها، لن يؤسّس حتى لنموذج اجتهادي راسخ في جمهوريات العالم العربي يسمح باستهداف دور رئاسة الجمهورية بهذه الاستراتيجية لتناقضها مع ما تسعى اليه الانظمة السياسية العربية من تفعيل صورة “دولة القانون “. أمّا المحاكمات السياسية الداخلية ومنذ ما بعد ما سُمّي بالربيع العربي لم تعد ملجأ السياسات الخارجية ولا الداخلية ولا أمل الشعوب التغييرية.
أكتب عن قضية الرئيس عزيز نموذج خطِر لانها ملاذ خطّ للاغتيالات السياسية قد تستسيغ بعض اهل المعارضة والحكم على السواء في مجتمعاتنا المتخبّطة بين الديمقراطية والسلطوية. وأقصد اتخاذ قضية عزيز مثالاً لبدء خطوة استهداف.
وأصرّ، بدء خطوة استهداف.
وأيضاً، إنها نموذج خطِر لانها مادّة نقد دسِمة في المكتبة الحقوقية العربية لا افضّلها لبلاد المليون شاعر، بلاد شنقيط الفكر، بلدي الثاني موريتانيا.
ونحن على اعتاب جلسة محاكمة، أسأل نفسي اسئلة عدّة:
-هل تقديم معارض بحجم رئيس جمهورية أسبق قرباناً على مذبح العدالة الداخلية فاتحة في الاغتيالات السياسية -القانونية العربية؟
ذكرتُ في المؤتمر الصحفي الذي عقدناه في نواكشوط منذ اشهر
أنّ دور رئاسة الجمهورية واستقلاليتها كرأس سلطة تنفيذية، وحقوقها وحصانتها ليس شأناً داخلياً بحتاً.
ومبدأ فصل السلطات ليس شعاراً
بل هيكلية نظام حكم دولة، والدولة ركنٌ من محيط.
-كيف يمكن لشرطي، لقاضي تحقيق أو حكم أن يقدّر فيما اذا كان بيع قطعة أرض لبناء مطار او مدرسة قد قلّص من المال العام او انتج منفعة اقتصادية ومالية عامة؟
-كيف يمكن لشرطي أو قاضي تحقيق أو حكم أن يجزم ويحسم فيما اذا كانت شروط البيع بالمزاد العلني لعقار من املاك الدولة قد تمّ اصولاً دون عرض وابراز مستندات الدائرة المختصة ؟
-كيف يمكن لشرطي او قاضي تحقيق او حكم أن يجزم فيما اذا كانت اوامر الرئيس الشفهية قد تمت فعلا او انّها مجرد افتراء؟
-كيف يمكن ان تجزم العدالة والرأي العام ان رئيس الجمهورية قد نفّذ سياسة حكومية تنموية للدولة في ظلّ غياب تدقيق مالي جنائي جدّي في مجموع وزارات الدولة وخزينتها العامة عن فترة ولاية رئيس جمهورية ؟
يختلف معنا في الرأي وزراء في الحكومة الموريتانية رافضين اعتبار القضية سياسية. هذا شأنهم.
ونحن أصحاب الشأن القانوني حقّنا تبيان أنّ القضية سياسية بغلاف قانوني.
السلطة دوّارة، أمّا الحقيقة فلا تُطمَر بخطاب او بيان او حكم قضائي او اغتيال او جدران زنزانة، فهي ثابتة.
نعم، تمنّيت على الرئيس محمد ولد عبدالعزيز مغادرة وطنه مؤقتاً بلجوء سياسي. رَفَض.
نعم، تمنيت على هيئة الدفاع اتخاذ القرار بالادعاء الجنائي امام القضاء الوطني والخارجي على مجموعة موظفين عامين نصّ قانون العقوبات الوطني على اعتبار فعلهم بالتعدي على الدستور ،فيما لو ثبت ، خيانة. رَفَضَت.
يُصرّ موكلي ان مشكلته ليست مع السلطة القضائية بل مع السلطة التنفيذية،
وأصرّ أنّ قضية الرئيس محمد ولد عبد العزيز قضية دولة لا فرد.
وقضية مؤسسة رئاسة الجمهورية لا رئيس، ولا يجب ان تستمرّ كما بدأت،
ولا أن تنتهي كما آلت.