خَطِيئَةُ “الثًوَابِ و العِقَابِ عَلى القَرَابَةِ” / المختار ولد داهى
يمكن تعريف خطيئة الثواب علي القرابة بأنها “منح شخص أو جماعة امتيازات و كرامات مادية و معنوية لا تستحقها كليا أو جزئيا ثَوَابًا علي قرابته من مركز نفوذ ما عَلاَ أو سَفُلَ”.
فيما تعني “كَبِيرَةُ” العقاب علي القرابة : “منع و حرمان فرد أو جماعة من حقوقهم المادية و المعنوية و إهانتهم أو تنحيتهم أو إخراجهم من أهلهم أو سجنهم،… عقابا علي قرابة ماسة أو بعيدة مع شخص أو مجموعة أشخاص هم في حالة “صراع ساخن أو بارد”مع مركز نفوذ ما سياسي أو اجتماعي.
ولا تسلم من خطيئة العقاب علي القرابة الدول الراسخة في الديمقراطية حيث تطالعنا وسائل الإعلام أحيانا باختراقات و اكتشافات في هذا المجال لكنها غالبا ما تُودِي بمشاهير السياسة المدانين بها إلي الهامش فيصبحون نَسْيًا مَنْسِيًا.
لكن ظاهرة ” العقاب علي القرابة”أشد إيلاما وأوسع انتشارا و أكثرُ إِنْفِلَاتًا و تَهَرُبًا من الملاحظة و المساءلة في الدول غير الديمقراطية و الدول السائرة في طريق الديمقراطية و الدول الخارجة للتو من النزاعات الأهلية المسلحة.
و قد شهدت بلادنا علي مَرِ و ذَهَابِ العقود الماضية حالات ناتئة من العقاب علي القرابة تعرض لها مثلا لا إحصاء بعض سكان الشمال خلال “خطيئة حرب الصحراء” و بعض ساكنة اترارزة و الحوض الشرقي و لعصابه بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة 1981 و سكان ضفة نهر السنغال بعد أحداث 1987،1989 و 1991 و سكان لعيون و كرو بعد قيادة بعض أبناء القريتين للجناحين العسكري و المدني للمحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين 2003 و 2004كما شهدت السنوات التى تلت انقلاب 2008توزيعا واسعًا “للعقاب على القرابة”على العديد من المجموعات و المناطق!!.
أما الثواب علي القرابة فهو أكثر شيوعا و ذيوعا في مختلف دول العالم و يمكن تصنيفه نظريا إلي ثلاثة انواع أولهما “الثواب المؤسسي علي القرابة” و هو صنف ترعاه مراكز النفوذ العليا و بمقتضاه يحتكر “أولو الأرحام” دون سواهم المراكز القيادية بالغة التأثير في الشأن العام و من أبرز أمثلة ذلك ما هو ملاحظ علي مستوي الهرم السلطوي في الأنظمة الملكية و “الأنظمة الدكتاتورية الخالصة” و الأنظمة شبه الاستبدادية “المتدثرة بالديمقراطية المظهرية”.
والصنف الثاني من الثواب علي القرابة هو ” ثواب التربح بالقرابة” عبر “التجارة السرية” للقرابة بمراكز النفوذ من خلال بيع ادعاء النفوذ و القدرة علي جلب المنافع و درء المفاسد و هذا النوع من التربح بالقرابة متواتر بالقارة الإفريقية السمراء ويفلح أطرافه غالبًا فى جمع ثروات هائلة فى أوقات “غِينِيسِيَّةٍ”.!
و الصنف الأخير من الثواب بالقرابة هو “الثواب التلقائي بالقرابة” و هو عبارة عن المزايا المادية و القرابين المعنوية التي يمنحها بعض الناس و خصوصا الموظفون السامون إلي ذوي القرابة بمراكز النفوذ دون علم الأخيرين ولا طلب الأولين و إنما نفاقا و تزلفا و ظنا بأن من لم يفعل ذلك فقد أضر “بِحَاضِرِهِ” الذي هو مَطِيًةُ “مُسْتَقْبَلِهِ”!!
و من الطريف أنه أحيانًا ينقلب “سِحْرُ” المتزلفين عليهم تنحية و تنكيلا و سقوطا وحذفا من المشهد و الإدراك العام!!.
و الراجح إذا ما ضربنا الذكر صفحا عن التجاذبات و المناكفات السياسوية الساخنة دائما “بسبب” و “بلا سبب” فإن بلادنا عرفت خلال كامل مسارها السياسي الستيني المتموج و المتعرج سياسيا تطبيقات متوسطة قطعية الثبوت و القَصْدِ العَمْدِ تستوجب الدراسة و التحليل و اقتراح الحلول لصنفي “الثواب على القرابة “” و “العقاب على القرابة”.
و سعيا إلى محاربة لخطيئة العقاب و الثواب علي القرابة ببلادنا أقترح إعداد “عهد أخلاقي” تتولي وزارة الوظيفة العمومية صياغته و تنظيم تشاور موسع حوله بغية إثرائه و إجماعيته.
عهدٌ يلتزم من خلاله الموظف العمومي السامي بالابتعاد عن شبهتي العقاب و الثواب علي القرابة و الحفاظ علي حياد المرفق العمومي خادما لكل الموريتانيين علي اختلاف أعراقهم و ألسنتهم و منازعهم ومناشطهم ومراكزهم و أمزجتهم، ذلكم أزْكَي للجميع و أَبْقَي وأَطْهَرُ