هكذا وصف الكنتي معارضة موريتانيا
تانيد ميديا : معارضة C.D.I.
في الديمقراطيات الراسخة والناشئة تطالب المعارضة غالبا بتقديم مواعيد الاستحقاقات الانتخابية لتثبت للناخب فشل تسيير السلطة القائمة، وضرورة تغيير النظام عبر صناديق الاقتراع. غير أن معارضتنا تسير عكس هذا الاتجاه منذ “إنشائها”؛ فهي تخشى الاقتراع وتتمنى لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدا. تهفو معارضتنا دائما إلى الحوار مع السلطة، والتفاهم معها في السر والعلن. هي معارضة بدوام كامل، وبعقد عمل C.D.I. يئست، منذ 1992 من إمكانية التناوب على السلطة فتكيفت مع وضعها المستديم، محاولة تحسين شروط العقد، والاستفادة من امتيازات تخالف الديمقراطية نصا وروحا (مؤسسة المعارضة، منع الترشح الحر…). ومثل كل المتعاقدين، تتحين المعارضة الفرص لانتزاع بعض ” الحقوق” من رب العمل لذلك تهوّل الوضع الاجتماعي..”بركان نائم لا يعرف أحد متى ينفجر.” تنسى معارضة C.D.I. أن كل المجتمعات براكين نائمة تظل كذلك إلى أن يوقظها المخربون في الربيع، أو المرجفون في الشتاء. يحتم “عقد الاذعان” على المعارضة التخلي عن برامجها السياسية لصالح عرائضها المطلبية؛ الحوار، والتفاهم، والمعونات الاجتماعية…
وحين يتحدث رئيس حزب اتحاد قوى التقدم عن “الأزمة الاجتماعية والاقتصادية” فهو يتقمص دور النقابي ويخلع دراعة السياسي بدليل دعوته إلى ” التفاهم بين الطبقة السياسية…” على بعد شهور من الاستحقاقات الانتخابية!! فعلى ماذا ستتفاهم الطبقة السياسية في وجه الانتخابات سوى تسييرها بشفافية، وقد تم ذلك في أروقة وزارة الداخلية، وشكلت اللجنة المستقلة للانتخابات بالتفاهم… فأي “إصلاحات وطنية أساسية ومستعجلة…” سيتم التفاهم حولها؟!
لو كان رئيس حزب قوى التقدم صاحب مشروع سياسي لتوجه إلى الناخبين يحثهم على منحه أغلبية برلمانية يحقق بها حزبه، ما تبقى منه،”إصلاحات وطنية أساسية ومستعجلة…”
أما حديثه عن ” الجو المشحون بالاصطفافات العرقية والقبلية…” فهو محاولة لتعميم حال الحزب على الخارطة السياسية الوطنية؛ وعند كادياتا وولد خليل الخبر اليقين.
ما يعبر عنه السيد الرئيس حقيقة هو خوف المعارضة من الانتخابات بعد ثلاث سنوات قضتها في ” البيات”. صحيح أن الانتخابات تمثل خطرا على المعارضة بغض النظر عن الجو وحالة الطقس، لأن الانتخابات ستفرض عليها أخذ مسافة من دفء الأغلبية، وعطف الموالاة.. ستفرض عليها اقتناء مبادئ، وبلورة خطاب سياسي، وحشد مناصرين في ظل رصيد محدود ظلت تسحب منه على الأحمر حتى أغلق الحساب.
هذا الافلاس، غير المعلن، يدفع إلى البحث عن “توافق… مهما كان شكله.” استقالت معارضتنا من دورها السياسي، ولن تكون قادرة على استعادته في غضون ثلاثة أشهر، لذلك تحاول زيادة منافعها عبر الحوار، والتفاهم، والمحاصصة، أما المنافسة على الحكم فقط تبخرت بتفكك “أفديك”. ليحل محلها تصور يرى الوطن “مشروعا مدرا للدخل” يديره الحزب الحاكم، وترضى منه المعارضة مقاولة من الباطن، لتموت السياسة بصفتها مبادئ تترجم في رؤية وبرنامج يعرض على الناخبين..
ماتت الأحزاب.. عاشت التاشرونات!
غير أن الأمل يظل قائما لانقاذ المعارضة حين تمتلك الشجاعة فتحل أحزابها وتندمج فينا، كما فعل سلفها، بحرارة قبلة مايكل لأخيه بدرو.
تدوينة بقلم د. محمد إسحاق الكنتي