و يبقى السؤال يؤرقني….
تانيد ميديا: الوقت بعد منتصف الليل بساعتين أو أكثر في بداية هذا الشهر المبارك، الذي يكثر فيه السمر: تعبدا في أكثر الحالات عبر قيام الليل ومتابعة حفلات المديح النبوي، ولهوا في أحيان أخرى بلعب السيگ، و”سيسْ“، ولعب الأوراق… وغير ذلك مما يدعو إلى المرح، ويقتل الوقت في انتظار السحور.
في تلك الظروف وفي الأوقات الأخرى، حديثها عادة ذو شجون. غير أنها قد تبدو تارة متعالية، متكبرة، تستمتع ببيان كبريائها وهي تأمر:
” قل للناس…“
قاطعها حَمَّه هذه المرة بسرعة، على غير عادته:
” أي ناس…”
لم تتركه يُكمل السؤال، بل استطردتْ بنبرتها السلطوية، وبهدوء كامل لا يؤلي صاحبه اهتماما لمن حوله، وكأن مخاطبها لم يتكلم أو لم يكن موجودا على الاطلاق:
“ما لا ينبغي أن يقولوه عني لا يهمني، طالما أنهم لا يعرفون عني إلا ما أريد أن يعرفونه “.
حاول حَمَّه أن يفلت من سلطتها المهيمنة وأن يكبح جماح اعتزازها بذاتها. فاقتحم اسوار التكتم على الذات والمحاولات الخفية لتلميع النفس التي تتحصن خلفها:
” نفسي المسكينة، بالله عليكِ، هل تعلمين ما يعرفه الناس عنك أو ما لا يعرفونه ؟ وما الفائدة من البحث عنه والغوص فيه؟”
لم أكن من السامرين في تلك الليلة من شهر رمضان، بيد أن نومي لم يكن عميقا ولا مريحا تماما: البرد قارس، ولستُ أدري لماذا لم استعمل البطانية كما ينبغي، ولا لماذا تركتُ النوافذ مفتوحة يدخل منها تيار بارد.
استيقظتُ ونظرت إلى ساعة الهاتف بجانبي: وقت السحور مازال بعيدا نسبيا. ثم بدأتُ أغطي جسمي كاملا بالبطانية، وصوت حَمَّه الصامت يرن في أذني.
ورغم صداه المرتطم بخلجات نفسي دون انقطاع، لم أجد للمرسل ولا لقصته من أثر في البيت ولا خارجه. بينما بقي هاجس الصورة وتلميعها المسيطر على باله مرسوما في ذاكرتي.
أخذتُ عهدا على نفسي قبل أن اخلد للنوم من جديد: لن أدون القصة في مخيلتي، وسوف اقطع أي اتصال بأبطالها، سواءً من سبق ذكره منهم أو مَن سيلحقون بهم.
غير أنني سرعان ما انتبهتُ لسذاجتي ولاستحالة الوفاء بوعدي: كيف لي أن امسك بزمام الخيار، عندما يتعلق الأمر بكوابيس وأوهام ليلية لا سلطة للمرْء عليها؟
وبقي السؤال يؤرقني إلى أن نادى المؤذن:”تسحروا، يا عباد الله، فإن في السحور بركة”.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)