خريف نواكشوط: مدينة الخطأ والنسيان….
تانيد ميديا: نيَت نواكشوط إبان الاستقلال لتتسع لأربعين ألف شخص، واليوم هي مثقلة بأكثر من مليون ونصف مليون شخص.
في شوارع نواكشوط يختلط محتوى حفاظات الطفال (كوشات) المرمية في الشارع مع أشياء النساء الخاصة (…) ، بعضها تأكله الغنم في الشارع ليأتينا حليبا سائغا بالمرض للشاربين، وبعضها الآخر يذوب في الماء والمطر مع بقايا براز القطط والكلاب والناس ليستنشقه المواطن كل يوم. وهكذا تصبح المادة السحرية للسرطانات جاهزة: يتم نقل ذلك القذر إلى أجسادنا وإلى طعامنا وإلى فراشنا… تنتشر الأمراض التي “لم تكن في أسلافنا”، يكثر البرص والبهق والطفح الجلدي و…. تحمل الأقدام المادة السحرية لتُلصِقها بالفراش في بيوتنا.
في سنوات السبعينات ازداد سكان المدينة بنسبة خيالية تقدر ب 420%، القادمون من البادية ما يزالون إلى اليوم يبنون خيامهم فوق فيلاّت تفرغ زينة وإن أصبحت غالبا من الخرسانة فما زالت خيام القماش حاضرة.
بدْوَنة المدينة كانت ثقافية قبل أن تكون معمارية. تم اختيار الموقع الخطأ لنواكشوط، لا لشيء إلا لترضية غرور الاحتلال واتخاذ مكان قلعته الاستعمارية رمزا لعاصمة ستظل تابعة له.
عندما يأتي المطر نقيا ويسقط في أرضنا لا يحصل ما تحدث عنه الفنان اعلِ ولد ايدة : “بأرضنا صبّ المطر” بل يصبح “المطر الأسود” من الاتربة وعوادم السيارات هو ما يزيد نواكشوط قبحا إلى قبحها.
نواكشوط مدينة مغضوب عليها، إشارات المرور تظهر خضراء وحمراء في نفس الوقت، وأحيانا لا تظهر، ومرة تظهر بلا ألوان، حتى الخطوط البيضاء على “گدروه” تسبب حوادث السير لأنها تشير إلى نفس الاتجاه عند تقاطعات مختلفة.
كل مرافق الدولة الحيوية تتكدس في كيلومتر مربع واحد، يعني ذلك أنّ أبْسط التهديدات الأمنية كفيلة بالقضاء علينا نظريا على الأقل، لنتذكر سيارة الارهابيين التي تم تفجيرها قبل سنوات على مشارف نواكشوط، فقد اعترف العناصر أنهم كانو يستهدفون وزارة الداخلية وبإجراء حسابات بسيطة لحمولة تلك السيارة من المفجرات فإن مساحة 2كلم مربع كانت ستُسوّى بالارض ما يعنى اختفاء القصر الرئاسي ووزارة الدفاع والداخلية وقيادة الأركان والخارجية والتعليم وكل وزارات الدولة. كما أن مساحة 5 كلم مربع كانت ستطالها الشياظا وهو ما يعني ان جل القوة العاملة كانت ستموت او تجرح حيث أسواق العاصمة والادرات والجامعة وووو.
في نواكشوط: السيئات مباحة ومتاحة للجميع، شوارع خاصة بالسَّحرة، وشوارع خاصة بالعاهرات، هناك أيضا أزقة القمامة والجيف والبراز.
نواكشوط هي المدينة التي لا يختلف فيها الغني عن الفقير إلا في نوع السكن والسيارة، الكل يشتري الغداء من نفس “انچاية” والكل يعتبر البيتزا وتاكوس وجبات راقية، الكل يشتري “أزبي” والشگة و”گاز” و….
نواكشوط هي العاصمة الوحيدة في العالم التي تغرق عند عتبة 30 ملم من المطر، العاصمة التي تقع تحت مستوى البحر…. العاصمة الوحيدة التي يمكنك أن أن تقوم بإشعال القمامة وتؤذي الجيران دون أن تخشى شيئا، لا حكومة ولا بلدية….
نواكشوط: العاصمة التي تُباع فيها الأدوية المزورة والأغذية منتهية الصلاحية أمام الكل، ولا أحد يحرك ساكنا لأن رعاية تجارة الموت هذه تأتي من “فوق”.
نواكشوط: عاصمة البؤس، عاصمة الأخطاء الآثمة، العاصمة المنسية التي يخترقها الماضي أكثر من الحاضر ومن المستقبل، العاصمة التي قدم إليها الناس مكرهين بسبب الجوع والمرض والحهل ولم يتغير شيئا من ذلك حيث فقد الناس حواضنهم التقليدية ولم يجدوا حواضن بديلة.
نواكشوط: المدينة الوحيدة التي يتم صرف مراحيضها في الشارع ليتنفسها المواطنون وبعد حين يأكلونها عندما تسقى بها المزارع.