حكاية لها العجب… ماذا تعرف عن قرية “سحرة فرعون”؟
تانيد ميديا : على مر العصور احتضنت محافظة المنيا العديد من الثقافات والحضارات المتعاقبة، فلا تكاد تذهب إلى مدينة من مدن المحافظة خاصة في الجنوب، إلا تجد نفسك بين زخم الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والاسلامية، وهناك العديد من القصص والحكايات منها المثبت تاريخيا، والبعض الآخر غريبًا وغير مؤكد حقيقته ولكنه يتداول بين الكثيرين حتى بات جزءًا من ثقافتهم وحياتهم.
أشهر وأغرب تلك المناطق الأثرية هي “أنصنا”، تلك القرية الكبيرة التي تقع على الضفة الشرقية من نهر النيل، وتضم أطلالاً للمدينة القديمة منذ مئات السنين، والمعروفة لدى البعض باسم قرية “سحرة فرعون”، وقرية السيدة مارية القبطية زوجة النبي “صلى الله عليه وسلم”، والتي كانت تعيش في منطقة الشيخ عبادة التابعة لتلك القرية.
يرجع تاريخ “أنصنا” إلى أكثر من 2000 سنة، وكانت الضاحية القبطية لمدينة أنتونيوبوليس، والتي أنشأها الإمبراطور هادريان سنة 130 ميلادية، وكانت مدينة مهمة في العصر الروماني ويتمتع سكانها بمزايا متعددة عن باقي المناطق الأخرى، وهي تحتل مكانة كبيرة في التاريخ الكنسي لكونها تسمى مدينة الشهداء، وكانت مقراً للإمبراطور لادريانوس الذي قام بالكثير من عمليات القتل والتعذيب لمعتنقي المسيحية في عصر الاستشهاد عام 284م ، ومن قبلها كانت مدينة هامة كذلك في العصور القديمة، ولازالت تضم بقايا معبد رمسيس الثاني والذي يربط الكثيرين بينه وبين السحرة في ذلك الوقت، فيما تُعد أطلال المدينة القديمة في الصحراء المتاخمة للقرية الآن هي الأكثر وضوحًا لتذكرنا بالمدينة القديمة.
ويروي الكثيرون أن القرية خرج منها سحرة فرعون الذين استعان بهم لمواجهة سيدنا موسى، وأنها كانت تضم مئات السحرة المشهورين على مستوى الدولة القديمة، وسُميت العديد من المراكز والمدن والقرى في الصعيد بأسمائهم مثل ” ملوي، ديروط، الأشمونين، أسيوط”، وهو ما ذكره المؤرخون في العديد من كتب التاريخ.
وتحدث المقريزي عن القرية في كتابه الخطط المقريزية قائلا: ” سحرة فرعون كانوا منها وأنه جلبهم منها يوم الموعد للقاء موسى عليه السلام، ويقال أن التمساح لا يضر بساحل أنصنا لطلاسم وضعت بها، وأنه إذا حاذى برها انقلب على ظهره حتى يجازها ويقال أن من بني أنصنا أشمون ابن مصريم بن بيصر بن حام بن نوح”.
فيما يقول الحافظ ابن كثير في كتاب البداية والنهاية متحدثا عن قصة سيدنا موسى “يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة، وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة، فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان”، لذلك يرجح البعض أن سحرة القرية كانوا من ضمن سحرة فرعون.
مصدر بمنطقة آثار جنوب المنيا قال: إن أهالي القرية دائما ما يرددون تلك القصص من حين لآخر على سبيل التفاخر بتاريخ قريتهم، وهي بالفعل قرية ومنطقة تاريخية هامة، مؤكدًا أنه رغم عدم الاستدلال بشكل تاريخي ومفصل عن قصة السحرة، إلا أنها تعد من القصص والأساطير الهامة عن قرية أنصنا، وذكرت في العديد من الكتب التاريخية على مدار مئات السنين، ويربط البعض بينها وبين بقايا معبد رمسيس الثاني.
أضاف المصدر أن القرية لها تاريخ هام كذلك نسبة إلى الصحابي عبادة ابن الصامت والذي جاء وفتحها وأدخل إليها الاسلام، فيما خرجت من القرية السيدة ماريا القبطية والتي تزوجت بالنبي صلي الله عليه وسلم، وهو ما يجعلها قرية ذو طابع خاص، وعلى الجميع أن يتفاخر بها.
قال أحمد إبراهيم أحد المشاركين في فيلم وثائقي عن تاريخ القرية، إنه رغم البحث الكبير في الكتب التاريخية عن تاريخ أنصنا، إلا أنه لم يتأكد بشكل تام من أنها أخرجت غالبية سحرة فرعون، ولكن ذكر الأمر في العديد من كتب الرحالة والمؤرخين جعلها تتشكل وتتداول دائما بين الأهالي في القرية والآخرين.
وأشار إبراهيم، إلى أن أنصنا تحتضن تنوعا كبيرا من الثقافات، وبها الآن العديد من رجال الدين، وأهلها معروف عنهم حب الخير للجميع، وأكثر ما يتفاخرون به هو أن السيدة ماريا القبطية زوجة النبي من قريتهم، متمنيًا أن يرى مزيد من الأبحاث والدراسات حول تلك المنطقة الغنية بتاريخ ممتد منذ آلاف السنين.