هل تتحرر قضية ترسيم الحدود بين موريتانيا و مالي من التأثيرات الخارجية…
تانيد ميديا : تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة حدة الأزمة بين موريتانيا ومالي على خلفية اختراق للحدود وسط تحولات سياسية عميقة بمنطقة الساحل الإفريقي، ومخاوف من انعكاسات سلبية قد تطال المنطقة في حال فشل البلدين في احتواء تلك الأزمة.
وبحسب خبيرين سياسيين تحدثا مع “الأناضول”، لا مفر أمام البلدين من الحوار لاحتواء الأزمة خاصة في ظل حاجتهما إلى التعاون للحفاظ على استقرارهما، فيما تشير علاقاتهما التاريخية إلى قدرتهما على احتواء الخلاف.
إلا أن انخراط قوى دولية لها أجندات متعارضة في الأزمة قد يعقدها ويخرجها عن سيطرة البلدين.
شرارة الأزمة
رغم اختراقات متكررة من الجانب المالي للحدود المالية أثناء ملاحقة مسلحين خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الأزمة بين البلدين ظلت صامتة، قبل أن تخرج للعلن في أبريل/ نيسان الماضي.
إذ تحدثت صحف موريتانية، يوم 8 أبريل، عن إصابة مواطنين خلال عملية توغل نفذتها القوات المالية برفقة عناصر من مجموعة “فاغنر” الروسية داخل قرية “فصالة” أقصى شرقي موريتانيا، أثناء ملاحقة مقاتلي حركة “أزواد” الانفصالية.
ورغم أن هذه الصحف رجحت حينها حدوث التوغل بشكل غير مقصود؛ جراء خطأ في نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية (جي بي سي)، وعدم معرفة قوات “فاغنر” بطبيعة المنطقة، إلا أن نواكشوط استدعت في الـ20 من الشهر ذاته سفير باماكو لديها محمد ديباسي للاحتجاج.
ووفق بيان لوزارة الخارجية الموريتانية حينها فقد “تم إبلاغ السفير المالي رسالة احتجاج على اعتداءات متكررة داخل الأراضي المالية تعرض لها موريتانيون”.
وبعد ذلك بيومين، أوفد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الدفاع حننه ولد سيدي إلى باماكو حاملا رسالة لم يُكشف عن مضمونها، عقب أحاديث عن إساءة قوات أمنية مالية معاملة موريتانيين بأراضيها.
واستمرار لهذا التصعيد، أقام الجيش الموريتاني يوم 4 مايو/أيار الجاري مناورات عسكرية على الحدود مع مالي.
ونشر الجيش الموريتاني، عبر حسابه على فيسبوك، صورا للمناورات العسكرية، مضيفا أن الهدف منها هو “الوقوف على جاهزية الوحدات المقاتلة ومستواها العملياتي، والاطلاع على احتياجاتها اللوجستية، واختبار أسلحة المشاة والمدفعية ومضادات الطيران وراجمات الصواريخ والطائرات المقاتلة”.
جهود تهدئة مالية
وفيما بدى أنه محاولات لاحتواء التصعيد، أدى قائد أركان الجيش المالي الفريق عمر ديارا زيارة إلى نواكشوط يوم 9 مايو، أجرى خلالها مباحثات مع نظيره الموريتاني الفريق المختار بله شعبان.
وفي ختام الزيارة، قال الجيش الموريتاني، في بيان، إن البلدين “اتفقا على ضرورة اتخاذ تدابير أمنية ملوسة، تضمن عودة الهدوء والسكينة إلى المناطق الحدودية”.
كما أكد البلدان، وفق البيان ذاته، على “ضرورة حماية المصالح الحيوية، التي تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين”.
وقبل ذلك يومين، قال وزير الدفاع الموريتاني حنن ولد سيدي في تصريحات صحفية، إن السلطات الرسمية في مالي “شرعت في وضع خطط (لم يكشف عنها) محكمة لتجنب أي تجاوز جديد” داخل أراضي بلاده.
فرص الاحتواء
في هذا السياق، رأى المحلل السياسي الموريتاني سيد أحمد ولد باب، أنه “لا توجد فرصة أمام البلدين لحل الأزمة الحالية غير اللجوء للحوار”.
وقال ولد باب، في حديث مع “الأناضول”، إن “الذهاب للتصعيد مضر بالجانبين”؛ إذ تدرك موريتانيا أن “فشل مالي في ضبط حدودها هو خطر يهدد استقرارها الداخلي، ومالي تدرك كذلك أنه من دون موريتانيا لن تتمكن من ضبط حدودها”.
واعتبر أن تلويح موريتانيا باستخدام القوة من خلال المناورات العسكرية على الحدود “أثمر تحركا سريعا من الجانب المالي؛ حيث أرسلت باماكو وفدًا بقيادة قائد أركان الجيش لطرح رؤية مشتركة مع الجانب الموريتاني، وبلورة تصور يُمكن الجانبين من تسيير الحدود”.
من جهته، قال المحلل السياسي الموريتاني المختص في الشأن الإفريقي أحمد ولد محمد المصطفى إن “علاقات البلدين شهدت العديد من التوترات في الماضي”، لكن “المستجد الذي يدفع للتخوف لعدم تمكن البلدين من احتواء هذا الخلاف هو وجود متدخلين دوليين في الملف”.
وأوضح ولد محمد المصطفى، في حديث مع “الأناضول، أن “هناك أجندات خارج أجندات البلدين، منها الحضور الروسي في مالي، وانخراط موريتانيا بشكل واضح في تعاون ربما مفتوح مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة”.
وأضاف: “هذا التباين في حلفاء موريتانيا ومالي الدوليين يدفع للتخوف من عدم تمكن البلدين من احتواء الخلاف بينهما أو لخروجه عن سيطرتهما بفعل ضغوط هذه الأطراف الدولية”.
وبينما أشار ولد محمد المصطفى إلى أن هناك مخاوف حقيقية من دخول الأزمة بين نواكشوط وباماكو ضمن الأزمات الإقليمية المفتوحة في أكثر من جبهة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا بشكل عام، إلا أنه لفت في المقابل إلى أن “قراءة مسار علاقات البلدين منذ استقلالهما يدفع للاعتقاد أنهما سيتمكنان من احتواء الخلاف بينهما”.
وتابع: “هذا ليس أول خلاف وليست أول أحداث أمنية تقع على حدود البلدين، وليست أول مرة تتباين فيها آراءهم حول نقاط تتعلق بتسيير هذه الحدود، ويتم احتواؤها”.
حدود غير مرسمة
وترتبط موريتانيا ومالي بحدود برية تعد الأطول في المنطقة، وتبلغ ألفين و237 كيلو مترًا، معظمها في صحراء قاحلة.
وتنشط على طول الحدود تنظيمات كثيرة توصف بـ”المتشددة” أو “الانفصالية”، بينها فرع “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وحركة “أزواد”.
واستنادا إلى تصريحات لوالي (محافظ) ولاية الحوض الشرقي (شرق موريتانيا) إسلم ولد سيدي، فإن الحدود بين موريتانيا ومالي لم ترسّم إلى الآن.
وأشار في تصريحات صحفية يوم 29 أبريل إلى أن الحدود بين البلدين لا يمكن معرفتها بشكل دقيق، وإنما عبر أعراف ومعالم متعارف عليها “فالقرية التي توجد فيها مدرسة موريتانية ويحمل سكانها الجنسية الموريتانية تعتبر قرية موريتانية، والقرية التي توجد فيها مدرسة مالية ويحمل سكانها الجنسية المالية تعد قرية مالية”.
وأشار ولد سيدي إلى أن التقنيات الحديثة لا يمكن أن تقدم معلومات دقيقة حول الموضوع، ولا أن يتم الاعتماد عليها لأن الحدود لم ترسم بعد بين البلدين، واللجان المسؤولة عنها تجتمع من حين لآخر دون أن تتوج اجتماعاتها بنتائج عملية.