بعد ترحيلهم من العشوائيات.. موريتانيون يشكون سوء الحال في “حياة جديدة”
تانيد ميديا : تحت خيمة خيرية مقامة على مقربة من كوخه المتهالك في أقصى جنوب نواكشوط يقف المسن “عابدين” في عقده السابع، يغالب ضعفه في انتظار وجبة إفطار أعدت من طرف متطوعين في أقصى غرب العاصمة الموريتانية.
يقول عابدين إنه جاء رفقة حفيدته الصغرى ليؤمن إفطارا لنفسه و لابنته التي تتلقى علاجا لأمراض القلب منذ سنتين.
و يروي بحسرة للجزيرة نت كيف تقلبت به الأحوال من كادح يملك ثروة حيوانية في مسقط رأسه في مدينة “كوبني” على حدود موريتانيا الشرقية، إلى عاجز يعيش تحت رحمة المصادفات في عشوائيات نواكشوط الفقيرة.
و حول عابدين تجمع عشرات الفقراء من حي “حياة جديدة” المرحل حديثا في انتظار الفطور المجاني، و هموم الحياة هي القاسم المشترك بينهم، فكل فرد هنا يقاسي آلام تدبير العيش ويشكو من غلاء الأسعار و ندرة فرص العمل.
من معاناة إلى أخرى
قبل 5 أشهر من الآن وفي إطار خطتها للقضاء على العشوائيات بالعاصمة، قررت الحكومة الموريتانية ترحيل نحو 9 آلاف عائلة كانت تتكدس في جيوب عشوائية يسودها الفقر و انعدام الفرص.
و من خلال مشروع أطلقت عليه “حياة جديدة” (كلف 11 مليون دولار)، استطاعت الحكومة أن تمنح هذه العائلات قطع أرض في أقصى الجنوب الشرقي من العاصمة، في مكان بنيت فيه المدارس و عبدت فيه الطرق و وفرت فيه الخدمات الأساسية.
كان هذا الإجراء حلما انتظره الكثير من هؤلاء و ما زال محل إشادة لدى الأغلبية منهم، لكن المرحلين يقولون إنهم وجدوا أنفسهم في معاناة جديدة، فأكثر من 70% منهم يعتمدون في عيشهم على المساعدات الحكومية والمبادرات الخيرية.
و تحت ضغط ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة تقول فاطمة (41 عام) إحدى الأرامل المرحلات وبنبرة حزينة إن الظروف أجبرتها في بعض الأحيان على التسول، وتشكو فاطمة التي تسكن مع أبنائها الثلاثة في كوخ مصنوع من الصفائح المعدنية، من صعوبة الصوم تحت هذه الأكواخ المهترئة التي تشتد حرارتها مع منتصف النهار.
و تضيف: “الحكومة وعدتنا بمنح تعويضات مالية بعد ترحيلنا، وبناء مساكن لنا، و تعيين أساتذة و معلمين في المدارس و هو ما لم يحدث بعد”.
أما ليم الشيخ، مسؤولة الأنشطة في جمعية العطاء الخيرية و التي كانت تستهدف سكان هذا الحي منذ سنوات في العشوائيات، فتقول: “أغلبية هذا الحي يعانون من الفقر الشديد و إن معاناتهم قد تضاعفت بعدما ابتعدوا أكثر عن وسط المدينة”.
و تضيف أن جمعيتها تقدم سقاية أسبوعية لهذا الحي، و مع دخول شهر رمضان المبارك بدأت في توزيع وجبات إفطار على نحو 100 أسرة يوميا و أن الطلب عليها يتزايد يوميا لكثرة المحتاجين.
رمضان بلا تراويح
و مع دخول شهر رمضان المبارك، استقبل سكان “حياة جديدة” الشهر الكريم بطعم ناقص، فبالإضافة إلى ضعف الخدمات و غلاء الأسعار، بقيت بعض الأحياء بلا مساجد و بعضها لا تصلى فيه التراويح.
تقول السالكة و هي إحدى سيدات الحي إنها تفتقد هذا العام لبعض أجواء رمضان التي عاشتها السنة الماضية. و تضيف أنها و جيرانها بحثوا كثيرا عمن يصلي بهم التراويح لكنهم لم يجدوه حتى الآن، رغم استعدادهم بالتكفل لدفع راتب له.
أما الإمام محمد سيدي فقد هدمت السلطات كوخا كان قد بناه ليكون مسجدا في ساحة عمومية في الحي الجديد، أراد أن يستظل به هو و جماعته من حر الشمس وبرد الشتاء أثناء الصلاة ريثما يجد ترخيصا لبنائه.
و يقول للجزيرة نت: “نصلي منذ 5 أشهر في هذا الفضاء المفتوح تحت الشمس، فعند صلاة الظهر و العصر نؤذن و نقيم مباشرة ونضطر للتخفيف من شدة الحر، وكذلك في زمن البرد نكابد من أجل المحافظة على صلاة الجماعة”.
تقول السالكة وهي إحدى سيدات الحي إنها تفتقد هذا العام لبعض أجواء رمضان التي عاشتها السنة الماضية. وتضيف أنها وجيرانها بحثوا كثيرا عمن يصلي بهم التراويح لكنهم لم يجدوه حتى الآن، رغم استعدادهم بالتكفل لدفع راتب له.
أما الإمام محمد سيدي فقد هدمت السلطات كوخا كان قد بناه ليكون مسجدا في ساحة عمومية في الحي الجديد، أراد أن يستظل به هو وجماعته من حر الشمس وبرد الشتاء أثناء الصلاة ريثما يجد ترخيصا لبنائه.
و يقول للجزيرة نت: “نصلي منذ 5 أشهر في هذا الفضاء المفتوح تحت الشمس، فعند صلاة الظهر والعصر نؤذن ونقيم مباشرة ونضطر للتخفيف من شدة الحر، وكذلك في زمن البرد نكابد من أجل المحافظة على صلاة الجماعة”.
و يحاول أطفال الحي التأقلم يوما بعد يوم مع الحياة الجديدة التي رحلوا إليها رغم أن أجواءها ليست بعيدة من أجواء العشوائيات، حيث ما زالت الأكواخ الخشبية والحديدية هي المأوى السائد هنا، لكن الطفلة زينب في الصف الخامس الابتدائي التي تشكوا من تعثر دراستها بعد الترحيل تقول للجزيرة نت إن دراستها غير منتظمة ومدرستها لديها نقص حاد في المعلمين.
و تكشف زينب وهي تنتظر دورها للحصول على الإفطار بإنائها الفارغ، عن الحلم الذي لطالما كان يراودها: “أريد أن أكبر وأدرس حتى أصبح موظفة و أساعد أهلي في مصاريف البيت”. أما هدى التي قدمت مع أمها للخيمة الخيرية، فتطمح هي الأخرى إلى “أن تصبح طبيبة تعالج المرضى و تخفف من معاناة المحتاجين”.
تحديات يومية
يُضاف إلى معاناة العوائل المرحلة صعوبات وتحديات كبيرة مثل صعوبة توفير المواد الرئيسية الغذائية و الماء و الكهرباء و الدواء.
فمع دخول شهر رمضان تضطر السالكة (51 عاما)، وهي أم لـ5 أولاد بعضهم يصوم لأول مرة، للوقوف يوميا من ساعتين إلى 3 في طابور طويل للحصول على سلة غذائية مجانية من محل تابع لمفوضة الأمن الغذائي، حتى تتمكن من تأمين غذاء لأولادها و زوجها المقعد الذي أجرى لتوه عملية في الظهر.
و عن معانتها في توفير المياه تقول للجزيرة نت إنها بعد عودتها من الطابور سيكون عليها أن تتحمل مشقة جلب الماء من الخزان الذي يقع على قارعة الطريق فتحمل البراميل الصغيرة على ظهرها رفقة ابنها الأكبر.
و لا ترتبط أغلب الأحياء و البيوت في المدينة الجديدة بشبكة المياه ولا بشبكة الكهرباء التي تنير أعمدتها جنبات الطريق المعبد، و تتكفل جمعيات خيرة بسقاية الأحياء و ملء الخزانات، لكن مع اقتراب فصل الصيف سيكون على السالكة تحمل مزيد من المشقة خلال معركة الحصول على المياه الذي سيكثر عليه الطلب.
و تضيف بنبرة حزينة مشوبة بغبطة: “توقف نشاطي التجاري بسبب صعوبة التنقل لكنني حصلت على قطعة أرض في حي مخطط و شوارعه فسيحة، و آمل أن تتغير الأحوال قريبا و نبني مسكنا لائقا”.