إشكال العائلات الحاكمة داخل النظام، والحركات الإسلامية (تواصل نموذجا)
وما تأثيراته على الديمقراطية؟
وما مدى وجوده لدى الحركات الإسلامية أو الأحزاب ذات الطابع المؤسسي؟
هذا الإشكال لا يختص بالنظام الحاكم أو الحزب الحاكم دون غيره، بل يتعداه إلى الحركات الإسلامية، والأحزاب ذات الطابع المؤسسي أيا كانت مرجعيتها الفكرية، وسأتناول هذا الموضوع في محورين أتحدث في أولهما عن الإشكال داخل النظام، وفي الثاني أتحدث عنه داخل حزب تواصل مع التنويه إلى غيره
المحور الأول: إشكال العائلات الحاكمة داخل النظام
من المعلوم أن أمور الدولة والوظائف الحيوية فيها يتم تدويرها بين فئة محددة، تلك الفئة هي التي تتوارث المناصب جيلا بعد جيل، فكل قبيلة أو جهة فيها أسرة فاعلة، وتلك الأسرة هي التي يتم تعيين أبنائها، وهم في المقابل يحافظون على وَلاءِ قبيلتهم للدولة وضمان الوقوف إلى جانب الحزب الحاكم في كل اقتراعات يخوضها، وبذلك تكون الطبقة البرجوازية من أبناء العائلات الحاكمة هي المسيطرة على الشأن العام بعيدا عن ولوج طبقة البروليتاريا (الكادحين) إلى سُدَّةِ الحكم أو المناصب الحيوية، وكأننا نجسد مفهوم نظرية صراع الطبقات الاجتماعية لدى كارل ماركس الذي جاء به في ق19، وهذا لعمري أمر يتنافى مع الديمقراطية، إذ يقول أرسطو عن الديمقراطية، “الديمقراطية هي عندما يكون الفقراء لا ملاك الأراضي هم الحاكمون”، لكن المشكلة ليست في الدولة بقدر ما هي في الشعب، فأي نظام يريد المحافظة على استمراريته لا بد له من أن يقرأ أفكار الشعب قراءة متأنية يضع وفقها خطة تساعده
في ذلك، ورصيد الوعي لدى الشعب هو محل تقويم ذلك كله، فإذا وجد الوعي تحرر الشعب من الطرق الملتوية التي تنتهجها الأنظمة، وإذا عدم الوعي فاعلم أنه كُتب عليه أن يبقى حبيس ذلك، يقول جان جاك روسو “رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس”.
ولا أطيل الكلام عن الإشكال داخل النظام، فهو مما عُلِمَ من الواقع بالضرورة، لكنني سأطيل في الكلام عنه داخل المحور الثاني باعتباره أمرا مجهولا لدى أغلب الناس.
المحور الثاني: إشكال العائلات الحاكمة داخل حزب تواصل
تحدث الشنقيطي قديما في مقال نشره سنة 2004 عن ملامح المأزق القيادي لدى الإخوان المسلمين، وقال إنهم يتوهَّمون أن المحافظة على استمرار القيادات –حتى ولو أصبحت عاجزة- نوع من الوفاء، الأمر الذي جعلها تتجمد، وتتحول لتقتات بتاريخها، وإنجاز القادة السابقين، وأنا اليوم بعده ب 16 سنة أؤكد قوله وأزيد عليه بأن الأمر يتعدى القيادة إلى ماهية الكيان نفسه، وسأقتصر على حزب تواصل عندنا كنموذج لذلك، فمن المسَلَّم به أن حزب تواصل حزب مؤسسي تتحكم فيه دوائر منتخبة من طرف منتسبيه فلا هو لجهة ما أو قبيلة، بل الجميع يجد فيه ذاته، لكن مَناطَ وجود الذات فيه إشكالية تستدعي الوقوف والتَّأمُّل.
لا يمكنك أن تجد فيه ذاتك إلا إذا كان لديك تسجيل حضورٍ أُسَرِيٍّ سابق، وإلا فلا مجال لك فيه على المدى القريب، وهذه النقطة يتفق فيها مع النظام لكونه يحتضن إشكال العائلات الحاكمة داخله فيكون القاسم المشترك بينهما، مع أنه لم يسلم من وجود قواسم أخرى أيضا يتقاسمها مع النظام كالنظر في القبيلة والجهة وكذلك المعيار الشرائحي، والانتخابات الماضية تعكس ذلك جليا، وإن كانت هذه المُسَلّمات من المفروض أنه يحاربها بدَلَ أن ينتهجها ويجسدها على أرض الواقع.
ولتأكيد وجود إشكال العائلات الحاكمة داخل تواصل دخلت العمل النقابي كطالب جامعي بكل حيوية أيام أن كنت قد قرأت رسائل البنا الدعوية وارتويت من كتب الشيخ محمد أحمد الراشد وقرأت لسيد قطب والغزالي وغيرهم من قادة الإخوان، حتى أصبح الإيمان بفكر الإخوان بالنسبة لي عقيدة وكل ما أتعرض له في سبيله أعتبره مِحْنَةً في سبيل تلك الفكرة، وشاءت الأقدار أن أكون حاضرًا متفاعلا مع
توريث قيادة النقابة الطلابية التي تحسب على التيار الإسلامي في الصرح الجامعي ونحن حينها في السنة الأولى من الجامعة من طرف أحد الإخوة الذين هم من المخزن الأصلي للعائلات الحاكمة لأخ آخر يتقاسم معه نفس الصفة، والجميع يصفق والقادة يضحكون بشكل هستيري تعبيرا عن مشاعرهم في تلك اللحظة التي نجح فيها مخططهم في التناوب السلمي الذي هو أقرب إلى رقصة فلكلورية من تناوب شرعي، وما زال عالقا في ذهني حتى اللحظة إبعاد الشخص الأنسب لا لشيء اقترفه سوى أن التعليمات الخارجية جاءت باسم غيره، وإن كانت اللعبة واضحة لأغلب الطلاب ومع ذلك أدَّوْا لعبها بكل حيوية في جمعية عمومية قد أبرم أمرها بليل؛ وإبداء الرأي المخالف في تلك اللحظة؛ هو معيار عدم إيمانك بالفكرة، فعندما تنتقد ستعود أدراجك أعواما، وستوجّه أصابع الاتهام إليك في كل مجلس، وستكون منبوذا بين الجميع باعتبارك تشكل زعزعة وخطرا.
والمتأمّل في هذه النقطة يجد أنها لا تختص بالعمل النقابي التابع للحزب فقط، بل تتجاوزه إلى العمل الثقافي والدعوي والحزبي، وأغلب الشباب الآن يعاني من الإقصاء داخل الحزب بسبب عدم وجود عائلة تحتضنه داخله، وهم صابرون على ذلك خوفا على الفكرة وإيمانا بها وطمعا في وجود مُنقِذٍ يخلص الحزب من وَحَلِ ظلام العائلات الحاكمة، وعموما إذا لم تكن لديك سابقة عهد من طرف ذويك لن
تجد مكانة مناسبة لك، وإذا وجدت مكانا سيظل وجودك محدودا بحدود مضبوطة تهَبُكَ المناصب التَّبَعِيَةَ لا المناصب القيادية، وخير دليل يؤكد ذلك هو تدْوير الأشخاص من ذوي العائلات الحاكمة على رأس تلك المؤسسات دون غيرهم مع أن ذلك يتنافى مع مقاصد الحزب أصلا، ومع المشروع الدعوي الذي يعتبره مرجعية له.
وخلاصة القول أنه إذا كان النظام الحاكم قد تعايش مع هذا الإشكال لوجود النفع الذي يعود عليه عن طريقه في كسب الاقتراعات، فإن ضرره على تواصل وعلى الأحزاب المؤسسية التي يسوؤها سلوك خارج النطاق الديمقراطي أعظم بكثير من نفعه، فكيان المنتسبين داخل تواصل مثلا أغلبهم شباب شابَ ذووهم في اتجاهات أخرى بينما شَبُّوا هم على فكرة تواصل بعد أن تلقَّوْها بعيدا عن ذويهم أيام أن كانت
صحائفهم شبه بيضاء من التوجهات الفكرية، فرسخت في أذهانهم، وعلقت في فكرهم، وبالتالي فإن هذا النوع من الممارسة فيه ظلم وحَيْفٌ بالنسبة لهم.
ومع هذا كله سيظل تواصل حزبا إسلاميا محافظا على مرجعيته ومؤسسيته، وسيقيِّض الله للفكرة أقواما يجعلون التمييز فيها بين الأشخاص على أساسها، لا على أساس خارِجٍ عنها، فالفكرة لا بد لها من أن تبقى خالدة؛ لذا لن تموت بموت الأشخاص، ولن تشِيخَ بشيخوختهم كما أنها لن تذْبُلَ بتقاعسهم ولو بقيت بيد شخص واحد.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب