الجزء الثاني من مرافعة ذ. محمدن اشدو
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
قال الله تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا﴾. (النساء 58).
وقال عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون﴾. (المائدة 8).
وقال جل من قائل: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾. (الإسراء 15) وذلك لكي يعم ويسود العدل، ولكيلا تكون للناس على الله حجة. ومن هنا جاء مبدأ الإعذار المقدس: “وأعذر له بأبقيت لك حجة” (خليل). والمادة 7 من قانون التنظيم القضائي التي سنتطرق لنصها لاحقا!
وكلها أوامر إلهية وأقوال ربانية جاءت لنبذ الظلم وتحقيق المساواة وحماية المجتمع والفرد معا بالحق، ولتأكيد الحضورية في إقامة العدل بين الناس!
ويعتبر التوفيق بين حماية المجتمع، وصيانة كافة حقوق الفرد، إحدى المعضلات التي واجهتها البشرية؛ وقال فيها الشرع كلمته الفصل! واستطاعت الدولة الحديثة، في المجتمع الدولي المعاصر التغلب عليها وحلها بنجاح. والقانون هو الأساس الذي ينظم تلك العلاقة الشائكة.. وهو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع. كما نصت عليه المادة الرابعة من الدستور! وقد وضع مبادئ أساسية لحل تلك المعضلة، من أهمها حق المحاكمة العادلة.
وعندما نقول القانون فإننا لا نعني بذلك قوانين بلادنا وسندها الشرعي فحسب؛ بل نعني به أيضا المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها وصادقت عليها وتبنتها موريتانيا، فأصبحت بذلك قانونا له “سلطة أعلى من سلطة القوانين وذلك فور نشرها” حسب ما تنص عليه المادة 80 من الدستور. (وليست مجرد مبادئ للاستئناس، كما ذكرتم ذات مرة في أحد قراراتكم! وهي مثل: الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرِه من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والإعلان العالمي لاستقلال القضاء، والمبادئ الأساسية الخاصة باستقلال القضاء، والمبادئ الأساسية بشأن دور المحامين، والمبادئ التوجيهية بشأن أعضاء النيابة العامة.. إلخ. وكلها نصوص دولية منشورة ومشهورة تعقد الورشات عندنا من أجل التعريف بها وشرحها، وتصرف التمويلات الباهظة على فهمها وتطبيقها.. ثم ما تلبث أن تنكر وتوأد من طرف القائمين على المرافق عندنا، حتى ليخيل إليك أنها لم توجد أصلا!
وتعني المحاكمة العادلة – في الشريعة والقانون والاتفاقيات الدولية النافذة في بلادنا- احترام وتطبيق جملة من المبادئ من بينها:
* المساواة أمام القضاء.
* حق كل فرد عند أي تهمة جزائية توجه إليه، أو في حقوقه والتزاماته، في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. (خطوط التشديد منا).
* لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته – وعلى قدم المساواة التامة- بالضمانات الدنيا التالية:
– أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وبلغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها.
– أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه، والاتصال بمحام يختاره بنفسه.
– أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له.
– أن يحاكم حضوريا، وأن يدافع عن نفسه شخصيا أو بواسطة محام من اختياره، وأن تمكنه المحكمة من محام إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لذلك.
– أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل محاميه، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام.
– أن يزود مجانا بترجمان إذا كان لا يفهم – أو لا يتكلم- اللغة المستخدمة في المحكمة.
– أن لاّ يكره على الشهادة على نفسه والاعتراف بذنبه.
* لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء – وفقا للقانون- إلى محكمة أعلى تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقوبة التي حكم بها عليه.
(دليل حول الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة ص 29).
فهل تم احترام هذه المبادئ وعُمِل بها في هذه المحاكمة؟ سؤال كبير أردت طرحه أساسا لهذا الجزء من مرافعتي؛ ذلك أن القضاء إجراءات، وشرط النهايات تصحيح البدايات، والغاية لا تبرر الوسيلة. وهذه المبادئ سطرت وسنت لحماية حقوق الفرد من طغيان سلطة الاتهام العمومية العاتية؛ ولحماية المجتمع الذي يتكون من أفراد. وعندما ينتهك واحد من مبادئ هذه المبادئ، تنهار أسس المحاكمة العادلة، وينهار القانون، ويصبح الفرد المتهم عرضة لانتقام السلطة الأعمى؛ الشيء الذي لا يلحق الضرر بالفرد المتهم فحسب؛ بل يلحقه أيضا بالمجتمع والدولة والوطن. فالحكم الذي يصدر في غير محاكمة عادلة – أي في غياب القانون- يكون منعدما. ولا تكون له مشروعية أو أساس أخلاقي. وهو معرض للنقض ولا يقنع أحدا. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في تاريخ قضائنا السياسي؛ كالحكم الصادر في محاكمة الرئيس اشبيه ولد الشيخ ماء العينين، والحكم الصادر في محاكمة الرئيس محمد خونا بن هيداله وصحبه مثلا.. وهي أحكام لم تقنع أحدا، ولم تمنع أحدا من مزاولة حقوقه، وزالت بزوال السلطة التنفيذية التي أملتها على القضاء، وساهمت في تعميق أزمة البلاد وإضعاف السلطة الحاكمة ونخر مشروعيتها، وزادت من رصيد المعارضة والتطرف، وأسخطت شركاءنا الأوروبيين والمجتمع الدولي، ودنست ما كان باقيا من سمعة وهيبة عدالتنا!
وهنا أتطرق إلى بعض الانتهاكات التي شابت سير هذه القضية فنفت صفة المحاكمة العادلة عنها، والتي أحصى أحد زملائنا منها ثلاثمائة وثمانين (380) انتهاكا:
1. بطلان محاضر الشرطة التي تم إعدادها في ظل ممارسة الاستهداف الممنهج والافتراء والتحريض والإكراه والترهيب والترغيب والتعذيب.
إن جميع محاضر البحث التمهيدي الذي كلفت به النيابة ضابط الشرطة القضائية/ مدير مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالإدارة العامة للأمن الوطني تم إعدادها في جو عام مشحون بالتلفيق والتضليل والكراهية والاستهداف الظالم والشيطنة الممنهجة والافتراء والترهيب والترغيب والتعذيب وانتهاك الحريات وبث وترويج الشائعات ومصادرة الممتلكات وتغييب القانون تغييبا كاملا. كما جرى فيها تحريف الوقائع والتلاعب بالتعليمات الصادرة من سلطة الادعاء واستغلالها في استهداف وتوريط موكلنا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مسطرة لا علاقة له بها البتة، خدمة لأغراض سياسية وانقلابية. الشيء الذي جسده بوضوح محضر 07 أغسطس 2020 الذي سنتوقف عنده لاحقا؛ وكذلك القيام بتجاوز الصلاحيات وخرق القانون من طرف النيابة!
ولئن حازت “لجنة التحقيق البرلمانية” المزعومة السبق في انتهاك القانون وتحريف الوقائع وتلفيق الحجج في هذا الملف، فإن تعهد القضاء فيه لم يؤد إلى انخفاض وتيرة البغي والرجوع إلى جادة الحق كما كان متوقعا وواجبا. بل على العكس من ذلك. لقد اشتد أوار الفتنة واستخدمت فيها أساليب لم تكن في الحسبان كالمداهمات والاعتقالات واختراق الخصوصيات وتحريف الوقائع والتعذيب ومصادرة أموال الناس بالباطل. ومن رحم هذا الجو الموبوء خرجت محاضر شرطة مديرية مكافحة الفساد التي حرص السيد وكيل الجمهورية وطرفه على الاستشهاد بتلاوتها أمام محكمتكم الموقرة باعتبارها حجة أقوى مما كشف عنه التحقيق الذي جرى أمامكم. لقد أعدت تلك المحاضر كلها تحت التعذيب والإكراه والترهيب والضغوط بجميع أنواعه؛ بما في ذلك استخدام الأهل والأقارب والمرجعيات الدينية والسياسية للضغط على المعتقلين الذين هددوا في مصالحهم الاقتصادية وفي وظائفهم وأرزاقهم لكي يعترفوا على أنفسهم وعلى غيرهم بالباطل! الشيء الذي جعل بعضهم يسعى لإنقاذ نفسه على حساب غيره ولسان حاله يقول: نفسي، نفسي. لقد عذب محمد المشري صالح محاسب هيئة الرحمة لحد الجنون والتصريح في وجبة التعذيب الثانية بقوله: “وفيما يخص تسييري لبعض أموال هذه الأسرة سأتعاون مع لجنة التحقيق تعاونا مطلقا من أجل تسهيل مهمتها”. وغيب لا ندري أين! ولم يستدع إلى هذه المحاكمة رغم أهمية ما لديه من معلومات خشية أن يتراجع أو يتحدث عن محنته الفظيعة. ويقول أهله إن الشرطة حذرته من أن يقول كلمة واحدة؛ وإلا فإنه لن يرى الشمس بعدها أبدا! وعذب وأهين الموثق أحمد محمود ببكر أحمد معلوم، وعذب محمد ولد امصبوع ومحمد سيد امبارك امصبوع، وملاي اعلي ملاي أحمد الذي اعتقل وعذب مرتين إحداهما من طرف الشرطة، والثانية من طرف الدرك، والذي كان يسمع صراخ ابن خالته محمد المشري صالح تحت التعذيب في غرفة مجاورة، واعتقل وعذب وأكره رجال الأعمال وغيرهم في مخافر الشرطة إلى آخر اللائحة. و”التعذيب” حسب مفهوم القانون 2015/033 (المادة 2) هو أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو وأي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه وكيل من الوظيفة العمومية أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية”. وقد صرح جل الضحايا الذين مثلوا أمام محكمتكم الموقرة بما تعرضوا له من تعذيب مادي ومعنوي وسوء معاملة وقهر، دون أن يتم لا من طرف النيابة، ولا من طرف محكمتكم تفعيل المادة 9 من قانون مكافحة التعذيب آنف الذكر التي تنص على وجوب القيام ببحث حيادي فتقول: “تقوم السلطات القضائية المختصة فورا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد أن عمل تعذيب أو سوء معاملة ارتكب أو تمت محاولة ارتكابه وذلك حتى في غياب شكاية…” فلماذا؟ وإنكم لتعلمون – فضلا عن ذلك – أن محاضر الضبطية حتى وإن صحت شكلا ومضمونا لا تصلح من حيث المبدأ إلا للاستئناس! وأن المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية تقول في فقرتها الأخيرة: “لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه”. وكان جميع من استمعتم إليهم من أصحاب تلك المحاضر قد أكدوا تزويرها وعدم اعترافهم بما ورد فيها.
2. انعدام وبطلان جميع إجراءات التحقيق لممارستها من غير ذي صفة، ولمخالفتها للقانون، ولما جرى فيها من غش وتدليس.
إن فريق التحقيق الذي تم انتقاؤه عن وعي و”تَبَصُّر” من طرف المجلس الأعلى للقضاء السابق على إحالة ملف بهذا الحجم وهذه الأهمية إلى القضاء، يتشكل من ثلاثة قضاة شباب مغمورين! وقد تميز أداؤه بميزتين أساسيتين:
الميزة الأولى، أنه “عمل غير صالح” لأنه جرى خارج القانون المنشئ والمنظم للفريق. وهو المرسوم رقم 017/017! فجاء عمله في هذا الملف وغيره منعدما وباطلا بطلانا مطلقا، لأنه صادر من غير ذي صفة بقوة ذلك المرسوم. وشرط النهايات تصحيح البدايات!
والميزة الثانية، أن عمل “التحقيق” الذي قام به جرى خارج نصوص دستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث جاءت جميع الأوامر الصادرة عنه في هذا الملف (أزيد من 40 أمرا) مخالفة لصريح القانون ومطابقة لطلبات النيابة المخالفة للقانون!
وعلى الرغم مما عليه الإجماع من أن القاضي خليفة الله في أرضه، وأنه ليس مشرعا ولا طرفا ولا باغيا؛ بل الفم الذي ينطق بالقانون، ويشترط فيه وجوبا العلم والورع، وهو محمي عندنا بنص المادة 90 من الدستور، وتقول: “لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه”. فقد كان عمل فريق التحقيق في هذا الملف كالآتي:
– تنص المواد 9، 10، 13، و11 من المرسوم رقم 017/2017 الصادر بتاريخ: 15 /02/ 2017 المطبق لقانون محاربة الفساد؛ والذي “يحدد إجراءات تنظيم وسير عمل فرق النيابة العامة والتحقيق لمكافحة الفساد” على ما يلي: “تَعْيين القاضي المكلف بالتحقيق في مكافحة الفساد: يُوَجَّه طلبُ إجراء التحقيق الصادر عن وكيل الجمهورية والأوراق المرفقة إلى منسق الفريق من أجل تعيين القاضي المكلف بالتحقيق في الملف” (المادة 9)؛ “قاضي التحقيق المكلف بالقضية يبت بصفة فردية في جميع إجراءات التحقيق ذات العلاقة” (المادة 10)؛ “يُعَيِّنُ منسق الفريق بأمر قضائي من بين أعضاء الفريق – بعد استشارة أعضاء الفريق الآخرين- القاضي المكلف بإدارة التحقيق” (المادة 13 فقرتها الثانية)؛ “ويحكم بالقرار في جلسة علنية” (المادة 11). فكل هذه المواد وغيرها من المرسوم المذكور تجاهلها ولم يعمل بها منسق فريق التحقيق، واستحوذ على جميع الصلاحيات لنفسه؛ بحيث أصبح القاضي الذي يدير التحقيق والقاضي منسق فريق التحقيق في آن واحد. ولم يصرح بأمر أو قرار واحد أبدا في جلسة علنية! وكذلك فعل منسق فريق النيابة الذي استحوذ بدوره على جميع الصلاحيات دون فريقه خرقا للمادتين 4 و5 من المرسوم نفسه!
– وتنص المادتان 4 و93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي: “القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، ويجب أن يخضع له الجميع (المادة 4)؛ “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”. وقد تم إلغاء هاتين المادتين الدستوريتين من طرف فريقي التحقيق والنيابة؛ حيث ضربا عرض الحائط بالقانون الذي هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب ويجب خضوع الجميع له، واقتادا واتهما وأحالا رئيسا سابقا للجمهورية ذا حصانة دستورية صريحة وواضحة وضوح الشمس تمنع مساءلته عن غير الخيانة العظمى، ويتمتع بامتياز قضائي لا يجعل للقضاء العادي أي سلطان عليه!
– وتنص المواد: التمهيدية و123 و138 من قانون الإجراءات الجنائية في مجال صيانة الحريات الفردية على ما يلي: “يجب أن تكون الإجراءات الجنائية عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف، ويجب أن تضمن الفصل بين السلطات المكلفة بالدعوى العمومية والسلطات المكلفة بالحكم. يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد”. (بعض ترتيبات المادة التمهيدية)؛ “يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، لأجل ضمان حضوره…”. (المادة 123)؛ “لا يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي إلا إذا كان له مبرر؛ سواء كان ذلك لخطورة الوقائع أو للمنع من إخفاء أدلة الجريمة، أو للخوف من هرب المتهم، أو للخوف من ارتكاب جرائم جديدة…”. (المادة 138). وقد خرق فريق التحقيق جميع هذه النصوص الآمرة؛ وذلك:
* حين كانت جميع إجراءاته غير عادلة ومخالفة لصريح القانون، وغيابية في معظمها، وتنتهك حقوق المتهم، وتحابي سلطة الادعاء العمومي وتتماهى مع طلباتها، وتستهدف متهما بعينه دون غيره ممن يوجدون معه في ظروف متشابهة ويتابَعون معه في المسطرة نفسها.
* حين لبى طلب النيابة بوضع المتهمين قيد مراقبة قضائية باطلة، لأن المشرع إنما سن المراقبة القضائية “لأجل ضمان حضور المتهم”! وليس لأجل إهانة وإذلال رئيس سابق وأعضاء حكومة منصرفة تتوفر فيهم جميع ضمانات الحضور! وللمراقبة القضائية في هذا الملف السياسي الخاص قصة خاصة أخبر بها فخامة رئيس الجمهورية الحالي أخاه وصديقه فخامة رئيس الجمهورية السابق عن طريق وسيط انتدبه لإصلاح بينهما. فقد كانت الجهة التي تشرف على إدارة الملف تريد حبس جميع من تمت إحالتهم إلى القضاء، ولكن رئيس الجمهورية الذي لا يتدخل في شؤون القضاء، رفض حبس المحالين! فما كان من الخلية إلا أن احتجت قائلة: إن القضاة الذين أشرفوا على البحث واكتشفوا أبعاد هذه الجريمة الخطيرة يصعب إقناعهم وإقناع الرأي العام بعدم حبس هؤلاء المجرمين! ولما رأوا أن الرئيس يرفض حبس المتهمين أخرجوا له من قبعاتهم “وصفة” المراقبة القضائية غير الشرعية بديلا مرحليا على الأقل بالنسبة للمستهدف الأول!
* حين حبس ظلما متهما لا يتوفر في حقه أي شرط من الشروط الأربعة الوارد في المادة 138 وذلك نزولا عند رغبة النيابة! وليس هذا فحسب؛ بل إن فريق التحقيق فرّط في رعاية وحماية حقوق المحبوس على ذمته، وفق ما تنص على وجوبه من رعايته المادة 651 من قانون الإجراءات الجنائية فتقول: “يقوم قاضي التحقيق وقاضي تنفيذ العقوبات ووكيل الجمهورية والمدعي العام لدى محكمة الاستئناف بزيارة مؤسسات السجون الواقعة في دائرة اختصاصهم”، وسلمه “على بياض” إلى إدارتي الأمن والمخابرات اللتين أمعنتا في تجريده من جميع الحقوق الإنسانية وسعتا لتصفيته؛ مما يجعل فريق التحقيق شريكا في تلك الأفعال المريبة التي سيتم الكشف عنها ومساءلة مرتكبيها، إن عاجلا أو آجلا! يضاف إلى ذلك ما ابتدعه ذلك الفريق من مفاهيم وإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان في حق موكلنا تلبية لطلبات النيابة ونزولا عند رغباتها مثل “المراقبة القضائية المشددة” و”تجددها تلقائيا” وتحديد من يسمح لهم بالاتصال بالمراقَب قضائيا؛ بدل تحديد من لا يسمح لهم، وهي كلها تعسف وشطط مخالف تماما لنصوص المسطرة الجنائية الصريحة التي تحكم المراقبة القضائية!
– وتنص المواد، 173، 174، 175 من قانون الإجراءات الجنائية “في قاضي التحقيق” و”الأوامر التي يختم بها التحقيق” وصيانة حقوق الدفاع المقدسة على ما يلي: “يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة وعن أدلة الإثبات وأدلة النفي”(المادة 73)، “بمجرد اعتباره التحقيق منتهيا يقوم قاضي التحقيق بإبلاغ الملف إلى وكيل الجمهورية والأطراف ومحاميهم، إما شفهيا أو بإشارة على الملف أو برسالة مضمونة الوصول” (المادة 173)، “لمحامي المتهم والطرف المدني سواء أثناء التحقيق أو بعد إطلاعهم على ملف الإجراءات في كتابة ضبط التحقيق أن يطلبوا كتابيا الاستماع إلى شهود جدد أو مواجهات أو إجراء خبرة أو أي من إجراءات التحقيق يرونه مفيدا للدفاع عن المتهم أو لمصلحة الطرف المدني. وإذا امتنع قاضي التحقيق من القيام بإجراءات التحقيق الإضافية التي طلبت منه يجب عليه أن يصدر بذلك أمرا مسببا” (المادة 174)، “يحيل قاضي التحقيق بعد ذلك (أي بعد اكتمال جميع الإجراءات المنصوصة في المادتين 173 و174) الملف إلى وكيل الجمهورية…” (المادة 175). وقد ضرب فريق التحقيق بهذه المواد الأربع عرض الحائط! حيث لم يتطرق في تحقيقه إلى أي دليل من أدلة النفي، ولم يناقش الحجج التي تمسك بها المتهم، وعندما طلبنا منه الاستماع إلى شهود نفي رفض طلبنا قائلا “إن الاستماع للأشخاص الثلاثة الذين طلب الدفاع شهادتهم، ليس مفيدا للتحقيق” دون أن يتخذ بذلك أمرا مسببا كما تنص على ذلك المادة 174 إجراءات، بل أورده في الفقرة الثانية من الصفحة 101 من “كتاب” إحالته! وأحال الملف إلى النيابة فور إشعاره المتهمين بنهاية التحقيق؛ الشيء الذي حرمهم هم ودفاعهم من الاطلاع على الملف – ذلك الاطلاع المنصوص على وجوبه- حتى يومنا هذا! وجعل الملف يحال إلى النيابة قبل إبلاغه لبقية الأطراف، وقبل ممارستهم لما يخولهم إياه القانون من إجراءات دفاعا عن موكليهم! ولَمّا طلبنا منه كتابة – بإلحاح- إبلاغنا الملف لدى كتابة الضبط كما تنص عليه المادة 173 آنفة الذكر، رفض متعللا بقرار سابق صدر عنه بعد لأي يقضي بتسليمنا جميع أوراق الملف وظل يرفض تطبيقه فترة من الزمن. في حين أن إبلاغ الملف الذي تتحدث عنه المادة 173 هو وضع الملف برمته عند الإشعار بنهاية التحقيق بين يدي الأطراف لدى كتابة الضبط ليمارسوا ما يخولهم إياه القانون من إجراءات إعذارية، وليس إحالته!
– ناهيك عن حجز ومصادرة أملاك الغير في غيابه، رغم قيام البينة على ملكيته لها، واعتبارها أملاكا لولد عبد العزيز دونما سبب! ومن أطرف نماذج ذلك دارا محمد امبارك ولد الخرشي ومحمد فال ولد اللهاه! فالأول لديه سند عقاري باسمه، والثاني لديه أوراق ملكية داره رقم 448 الحي C منطقة تفرغ زينه؛ ورغم ذلك كله فقد ظل محمد امبارك ممنوعا من الحصول على حقه إلى يومنا هذا! وأما محمد فال فقد وجه إليه قطب التحقيق “اليمين” فحلفها! ومع ذلك ظلت تلك الدار مصادرة بسبب أن دفاع ولد عبد العزيز قد اتخذها مقرا له! وكذلك أمره دونما تَبَيُّن بحجز جميع الممتلكات المصادرة من طرف النيابة بناء على طلب منها لم يبلغ إلى المتهمين ويعذر لهم فيه؛ خلافا وخرقا لما تنص عليه وجوبا الإجراءات الجنائية!
هذا عن بعض الإجراءات الفاسدة التي لا حصر لها في هذا الملف، والقضاء إجراءات!
– وأما التدليس والغش في هذا الملف فحدث ولا حرج. ومن ذلك:
* الغش والتدليس الصارخ في إعمال المادة 18 من قانون مكافحة الفساد. تنص الفقرة الثالثة من المادة 18 من قانون مكافحة الفساد على معاقبة “كل من رفض عمدا ودون تبرير تزويد سلطات الرقابة والبحث والمتابعة والتحقيق بالوثائق والمعلومات المطلوبة” بالحبس من سنة (1) إلى خمس (5) سنوات، وبغرامة من مائتي ألف (200000) أوقية إلى مليون (1000000) أوقية” وهي جزء من مادة موضوعية تجرم “الإخفاء”، ولا علاقة لها بالإجراءات الجنائية. ومع ذلك فقد علل فريق التحقيق قراره الجائر ذا الرقم 046/2021 القاضي بوضع موكلنا تحت المراقبة القضائية المشددة بهذه الفقرة! في حين أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يطلب منه على الإطلاق تسليم وثائق ومعلومات يخفيها! بل وجهت إليه تهم باطلة ومستحيل توجيهها إليه من طرف فريق التحقيق؛ وذلك بسبب حصانته الدستورية والامتياز القضائي الذي يتمتع به، فرد بأنه يتمسك بمقتضيات المادة 93 من الدستور! وبالتالي فالفقرة 3 من المادة 18 المذكورة لا تنطبق عليه، ولا على واقعة دفعه وتمسكه بحصانته، وبعدم اختصاص القضاء العادي؛ كما لا تنطبق على استخدام حق الصمت المشروع! ويشكل لَيُّ عنق هذه الفقرة، وتحريفها عن موضعها، وتحميلها ما لا تحمل، بغية ظلم خصم سياسي “تدليسا وغشا… أثناء مزاولة التحقيق” يقع مرتكبهما تحت طائلة المخاصمة عملا بالفقرة الأولى من المادة 272 من قانون الإجراءات المدنية (الباب الثالث في مخاصمة القضاة) دون الإخلال بحق المساءلة الجنائية. يضاف إلى ذلك كون العقوبة المنصوصة في الفقرة المذكورة على من ارتكب الفعل المجرم المحدد فيها، لا يوقعها فريق التحقيق ولا النيابة العامة؛ بل يَحْكُم بها – إن ثبتت- قاضي حكم في محاكمة عادلة، وفي جلسة علنية. ومن التهافت والحيف، والخطأ المهني الفادح ربطها بإجراءات الرقابة القضائية، واتخاذها سببا في تشديدها من عدمه. ويرجع سبب اللجوء إلى التدليس والغش هنا إلى تبعية فريق التحقيق للنيابة العامة؛ حيث توجد في نهاية الصفحة العاشرة من محضر الاستجواب المفاجئ الذي اتخذ القرار إثره الملاحظة التالية من بين ملاحظات النيابة العامة: “المادة 18 من قانون مكافحة الفساد تعتبر أن أي شخص يمتنع عن تقديم معلومات متعلقة بوقائع ينص عليها قانون مكافحة الفساد يقع تحت طائلة إعاقة سير العدالة”! هكذا كانت تملي النيابة على فريق التحقيق، فيصدقها ويحكم لها بما تريد!
* والملف رقم النيابة 001/2021 له قصة حافلة بالغش والتدليس؛ فبعد أن أفتت النيابة فريق التحقيق بجواز منع المتهم ومحاميه من الاطلاع على ملف الاتهام، خلافا لقوانين وشرائع السماء والأرض، ولصريح القانون الموريتاني وما يجري به العمل في موريتانيا، وخلافا لقرار صريح صادر من المحكمة العليا، رقمه 21/ 92 بتاريخ 1 إبريل 92. وبعد أن أجازت غرفة الاتهام والغرفة الجزائية بالمحكمة العليا ذلك البغي.. ظهرت للجهة التي تتحكم في الملف فداحة ما عملت، فأوحت إلى فريق التحقيق أن أصدر أمرا بتسليم الملف إلى الدفاع، ولا تنفذه. ففعل. واستمرت مصادرة وحجب أجزاء مهمة من الملف لتكون حكرا على النيابة كالملف الطبي للرئيس السابق مثلا! وقد بلغت أوراق الملف في الأخير من خلال ترقيمه لدى كتابة ضبط فريق التحقيق 8828 صفحة، إلا أنه لم يحل منه إلى محكمة الاستئناف في طور استئناف أمر الإحالة الباطل سوى 767 صفحة (أي أقل من عُشُره!) واعتمادا على هذا الجزء من الملف (767) صفحة تعهدت وحكمت كل من غرفة الاتهام والغرفة الجزائية لدى المحكمة العليا، دون أن تطرح أي منهما هذا السؤال الجوهري الصارخ: أين بقية الملف؟ خاصة أن “أمر الإحالة – الكتاب” المنظور من طرفهما، يحيل في أجزاء كثيرة منه إلى سفسطات واردة في صفحات من الملف تربو على رقم ثمانية آلاف (8000) كقوله مثلا: “… التي اشتراها المتهم في هذه المسطرة… الصفحات من 8054 إلى 8071 وما بعدها من المصنف من ترقيم الملف”! ثم إن الدعوى كلها بنيت على أساس تقرير لجنة التحقيق البرلمانية.. وهذ التقرير لا وجود له في ملف الدعوى! فأين تقرير لجنة التحقيق البرلمانية؟ ولماذا سحب من الملف بعد أن أسس عليه؟
* وأثناء التحقيق تقدمنا بعريضة إلى منسق فريق التحقيق نطلب فيها تعيين قاض من فريقه يقوم بالتحقيق حسب ما نص عليه المرسوم رقم 017/ 2017 وقد أودعت العريضة لدى كتابة ضبط ديوان فريق التحقيق بتاريخ 06 /5/ 022 ولدينا وصل الإيداع الذي يحمل ذلك التاريخ. ولكن فريق التحقيق – تجنبا لإحراج تماديه في رفض تطبيق ذلك المرسوم- زعم أن العريضة وصلت إليه بتاريخ 29/5/022 بعد ختم التحقيق! ثم أين تقرير أو تقارير لجنة التحقي البرلمانية التي بنت عليها النيابة بحثها التمهيدي أساس دعواها؟ ولما ذا لا ذكر لها ولا وجود في الملف؟ أوليس هذا تدليسا وغشا؟
* ولا ينتهي التدليس والغش عند هذا الحد؛ بل يطالان تلفيق البينة، والتعامل مع المحكمة العليا في قضايا المخاصمة:
ففي مجال البينة، لم تسفر سنة ونيف من البحث شملت استماعات ومواجهات وإنابات قضائية داخلية وخارجية حسب ما ذكره نقيبنا المحترم، عن بينة يركن إليها ضد الرئيس السابق. فكان لا بد من اختلاق بينة ما، فورد في “أمر الإحالة – الكتاب” ما ملخصه أن استغلال عدة تصريحات صحفية علنية في مناسبات مختلفة للمتهم محمد ولد عبد العزيز… يثبت أنه يملك ثروات كبيرة! ولا يمكن أن يحصل موظف عمومي يمنع عليه الدستور ممارسة أية وظائف أخرى على أموال طائلة إن لم يكن ذلك من خلال ارتكاب وقائع يجرمها القانون. وأن المادة 16 من قانون مكافحة الفساد تنص على أن أي موظف عمومي لم يستطع تقديم تبرير للزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة، يعتبر مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، وهو ما يعرف قانونا بالإثبات العكسي، أي إن عبء الإثبات في هذه الحالة يرجع إلى المتهم، فهو من عليه إثبات مصدر شرعي لثروته الطائلة. وهذه كلها أدلة قطعية لا يتطرق إليها الشك بثبوت تهمة الإثراء غير المشروع على المتهم محمد ولد عبد العزيز. وثبوت هذه التهمة تثبت به جميع التهم الموجهة للمتهم…”. (الصفحتان 24 و25 من أمر الإحالة. جميع خطوط التشديد الواردة في النص منا). وهذا كله سفسطات دحضناها في بحث متوفر في الشبكة العنكبوتية بعنوان: حول حجية “قرينة الثراء” والمادة 16 من قانون مكافحة الفساد”! وسوف نعود لعلاجه بصورة أوسع في الجزء الخامس من المرافعة تحت عنوان “نقاش التهم والبينات والرد على طلبات النيابة بصيغة الجمع”
وفي التعامل مع المحكمة العليا في قضايا المخاصمة ظهر الغش والتدليس على أشدهما؛ حيث جاء رد قضاة الفريق المخاصمين على عريضة المخاصمة مدبجا على رأسية فريق التحقيق، وتحت رقمي النيابة 001/221 والتحقيق 001/2021 وهو رقم ملف الاتهام، وفي شكل أمر على عريضة رقمه 01/2022 بدأ بـ”نحن الحسين ولد كبادي، قاضي التحقيق، رئيس الفريق الخاص بمكافحة الفساد، وبعضوية كل من: القاضي أحمد محمد حفظ، والقاضي محمد خطري السالك عضوي فريق التحقيق الخاص بمكافحة الفساد، نظرا للإجراءات الجارية في الملف المنوه عنه أعلاه المتهم فيه كل من: محمد ولد عبد العزيز وآخرون بتهم….”! والحقيقة هي أن عريضة المخاصمة لا علاقة لها بملف القضية ولا برقمه ولا بتهمه؛ بل تتعلق بدعوى مدنية ينظمها القانون المدني، ولها رقم قضية مستقل هو 01/2022! وتم اتباع الأسلوب نفسه من طرف رئيس فريق التحقيق في رده على مخاصمتنا له الأخيرة!
وهذا غيض من فيض!
3. بطلان جميع إجراءات التحقيق لوقوعها في ظل، وتحت تأثير المادة 47 من قانون مكافحة الفساد الملغاة! وقد تقدمنا أمام محكمتكم الموقرة بعريضة مفصلة ومعللة في هذا الموضوع، تم تجاهلها؛ ولم ترتب محكمتكم الموقرة أي أثر على قرار المجلس الدستوري الذي تم تبليغه إليها يوم صدوره. علما بأن المادة 87 من الدستور تنص على ما يلي: “لا يصدر أو ينفذ حكم أقر المجلس الدستوري عدم دستوريته. تتمتع قرارات المجلس الدستوري بسلطة الشيء المقضي به. لا يقبل أي طعن في قرارات المجلس الدستوري. وهي ملزمة للسلطة العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية”.
4. حبس المتهمين ظلما. الشيء الذي يشكل خرقا صارخا للمادة 91 من الدستور التي تنص على ما يلي: “لا يعتقل أحد ظلما. فالسلطة القضائية الحامية للحرية الفردية، تضمن احترام هذا المبدأ في نطاق الشروط التي ينص عليها القانون”. وللمادة 256 من قانون الإجراءات الجنائية. فكيف جرى انتهاك ذلك المبدأ المسطور في الدستور والترتيبات الواردة في المادة 256 إجراءات جنائية، من طرف المحكمة قضاة ونيابة؟ لقد حقق قاض من قضاة المحكمة يوم 12 يناير 2023 في هوية المتهمين وتأكد من أنهم تسلموا قرار الإحالة، وأمرهم بالحضور إلى المحكمة يوم 25 من الشهر نفسه ليحاكموا؛ ولم يصدر في حق أي منهم أمر إيداع لأنهم لم يكونوا في حالة إفراج مؤقت. وذلك عملا بترتيبات المادة 256 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحكم وتبين إجراءات اقتياد المتهمين أمام المحكمة الجنائية. وفي يوم 23 يناير، وقبل الموعد الذي طلب القاضي من المتهمين الحضور فيه أحرارا بيوم واحد، أصدرت المحكمة قرارا بالقبض عليهم وحبسهم حبسا تحكميا مخالفا لصريح نص المادة 256 آنفة الذكر. وقد تم تعليل ذلك القرار ظلما وخطأ وخطلا بالمادتين 147 و153 اللتين لا علاقة لهما بالموضوع من قريب ولا بعيد؛ لكونهما مادتين من الكتاب الأول من قانون الإجراءات المتعلق بسير الدعوى، ولا علاقة لهما بتنظيم سير محاكم الحكم الذي يحكمه الكتاب الثاني وتتصدره المادة 256! وقد ظل هذا الحبس التحكمي الظالم قائما إلى يومنا هذا؛ أي لأزيد من ثمانية أشهر تتفرج عليه المحكمة صباح مساء دون تحريك ساكن رغم ما عَهِدَ به دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية إلى القضاء من صيانة للحريات الفردية! (صحبته محضر الاستجواب الإجباري، وقرار الحبس التحكمي).
5. خرق المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية؛ وخاصة في فقراتها المتعلقة بمبدأ الحضورية، والفصل بين سلطتي الاتهام والحكم، والتسوية في المعاملة بين المتابَعين في الملف نفسه، وسهر السلطات القضائية على إعلام الضحايا بحقوقهم وضمان حمايتها، والتمسك بقرينة البراءة، وضمان الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية، وتفسير الشك لصالح المتهم، وعدم الأخذ بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه! وكلها مبادئ عظيمة وقواعد آمرة سنها وفرضها المشرع الموريتاني في تلك المادة التي تقول بالحرف الواحد: “يجب أن تكون الإجراءات الجنائية عادلة وحضورية وتحفظ توازن حقوق الأطراف. ويجب أن تضمن الفصل بين السلطات المكلفة بالدعوى العمومية والسلطات المكلفة بالحكم. يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد. تسهر السلطات القضائية على إعلام الضحايا بحقوقهم وضمان حمايتها طيلة كافة الإجراءات الجنائية. كل شخص تم اتهامه أو متابعته يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بقرار حائز على قوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. الشك يفسر لصالح المتهم. لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه”. والتي تم خرق جميع بنودها، واستباحة جميع أوامرها ونواهيها خلال التعامل مع هذا الملف في تواطؤٍ صريح ونشط بين المحكمة والنيابة!
6. تعطيل المادتين 285 و286 من قانون الإجراءات الجنائية، اللتين تنصان على وجوب الرد على طلبات الأطراف، فتقول المادة 285: “للمتهم والطرف المدني الحق في تقديم طلبات، ويجب على المحكمة الجنائية أن تبت فيها”. وتقول المادة 286: ” يحكم في كل الأحداث العارضة التي يمكن أن تكون محل نزاع من طرف المحكمة الجنائية بعد الاستماع إلى النيابة العامة والأطراف ومحاميهم. ولا يجوز أن تمس القرارات الخاصة بهذه الأحداث الأصل”! وقد تكرر رفض المحكمة مجرد السماح للدفاع بالكلام، وبتقديم ما لديه من طلبات، كما تكرر التعامي وعدم البت في طلباته إن قدر له وجود المجال لطرحها! ومن بين الطلبات التي تغاضت عنها المحكمة ورفضت بحثها والبت فيها: قضية الطرف المدني المزعوم، طلبات الحرية، الطلبات المتعلقة باستدعاء شهود النفي، الطلب المتعلق باستكمال استنطاق موكلنا، الطلب المتعلق بتوفير ظروف ملائمة لإعداد دفاع موكلنا معه في منأى عن أجهزة التنصت والتصوير المزروعة في كل شبر من معتقله التحكمي. وقد ابتكرت المحكمة أخيرا آلية جديدة في معاملتنا تمثلت في الامتناع عن استقبالنا في مكاتب المحكمة، ورفض السماح لنا بالكلام واستلام عرائضنا أثناء جلساتها!
7. خرق المادة 7 من قانون التنظيم القضائي التي تنص على ما يلي: “لا تجوز محاكمة أي شخص ما لم يمكن من تقديم وسائل دفاعه. ويعتبر الدفاع حرا وكذلك اختيار المدافع. للمحامين حرية الدفاع أمام كافة المحاكم. لا يجوز فصل أي أحد عن قضاته الطبيعيين”. وقد تجلى ذلك الخرق في الأمور التالية:
• فصل موكلنا عن قضاته الطبيعيين. إذ إن محكمتكم غير مختصة في محاكمته بقوة نص دستوري صريح كما بينا وفصلنا من قبل!
• رفض سماع ما لديه، وتأجيل بقية مثوله، ثم صرف النظر عن استكمال مثوله بحجة أنه سيكون آخر من يتكلم بعد المرافعات! والقفز مباشرة إلى إفساح المجال لمرافعات “الطرف المدني” المزعوم قبل أن ينتهي استجواب المتهم الرئيسي وسماع ما لديه مما يريد الإدلاء به! وقد خص بهذه المعاملة الجائرة دون جميع المتهمين في خرق سافر آخر للفقرة الثالثة من المادة التمهيدية ونصها: “يجب أن يحاكم الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابَعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد”!
• إسكات دفاعه المستمر، ومنعه من الاعتراض ومن تقديم الطلبات والملاحظات، ومحاولة إقصائه وتغييبه أثناء الجلسات، بينما تفسح المحكمة المجال واسعا للنيابة وأتباعها بغير حساب!
• محاولة التدخل له في اختيار دفاعه، وإعطاؤه أجلا لتعيين دفاع غير دفاعه.
8. خرق المادة 276 المتعلقة بعلنية المرافعات. ذلك أن هذه المحاكمة كانت شبه مغلقة طيلة مدتها. وذلك بسبب ما أحاطتها به النيابة من تعليمات جعلت الولوج إليها شبه مستحيل. وقد نبهناكم مرارا عديدة على الموضوع فلم تتدخلوا واعتبرتموه خارجا عن صلاحياتكم، في حين أنه من صميمها.
9. رفض الاستماع لشهود نفي موكلنا. لقد تقدمنا أمام محكمتكم الموقرة بعريضتين متتاليتين نرمي من ورائهما إلى الاستماع لشهود تنفي شهادتهم وتدحض المزاعم والتهم الكيدية الموجهة إلى موكلنا وذلك عملا بالمواد 73، 263، 294، 651 وغيرها من قانون الإجراءات الجنائية. وهذا حق لكل متهم تكفله له جميع قوانين السماء والأرض! وقد أحالت محكمتكم الموقرة عرائضنا إلى النيابة التي قالت في طلباتها: إنه لا يوجد من بين من طلبنا استدعاءهم من يمكن أن يكون شاهد نفي! وهذا أمر غريب لسببين أولهما أن رفض سماع شهود النفي يشكل خرقا خطيرا للقانون الذي تعتبر حمايته وانفاذه سبب وجود النيابة أصلا. والثاني أن الشهود الذين طلبنا استدعاءهم هم شهود هذه المرحلة السنية من تاريخنا فهم الذين كانوا في خضمها، وكانوا يتولون تسيير وتدبير كل صغيرة وكبيرة فيها، ولدينا شهادات معظمهم، وفي مقدمتهم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وتنفي نفيا قاطعا جميع التهم الموجهة إلى موكلنا. وبتبني محكمتكم الموقرة لرأي النيابة، ورفضها دعوة شهودنا بذات الشروط التي استدعي بها شهود الاتهام، وعدم تطبيق المادة 651 من ق.إ.ج تكون قد حرمتنا من الإدلاء بجزء هام من بينتنا، وحرمت نفسها من الحصول على بعض حقائق الملف الذي تنظر حتى تحكم عن بينة! ولم يقبل الحضور طواعية دون استدعاء من المحكمة ليشهد بما علمه الله في هذه الدعوى سوى معالي الوزيرين الفاضلين سيدي ولد سالم وزير التعليم العالي في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وجزء من عهد غزواني، وحيمود ولد رمظان وزير العدل في الحكومة الأولى في عهد غزواني. ورغم أهمية ما أدلى به الوزيران من حقائق، فإن المهم عندنا في شهادتهما هو وجود برهان قاطع على أنه ما يزال في وطننا بملايينه الخمسة رجالا يقفون على أقدامهم ورؤوسهم شامخة يتحدون في كبرياء كل عوامل الانحطاط والتصحر الفكري وموت الرجولة!
نعم. لقد كان من مصلحة النيابة أن تطالب بعدم الاستماع إلى شهود النفي، حتى لا ينهار ما تدعيه بالجملة! ولكن ما علاقة المحكمة بذلك وهي حَكَم وقاض؟ و”لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه” حسب نص المادة 90 من الدستور! والنيابة ليست هي القانون!
10. الضجر من دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإهانته على رؤوس الأشهاد وتهديده بالحبس وبالتعامل معه كمجرمين! وذلك خرقا لجميع المبادئ والقواعد والنصوص القانونية المعمول بها؛ وخلافا لما سنه من إجراءات عادلةٍ الخليفتان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولما ورد من نصوص قانونية؛ وخاصة في المادتين 44 من قانون المحاماة، و32 من القانون الأساسي للقضاة! الشيء الذي حملني مكرها على الاحتجاج أمام محكمتكم الموقرة على مثل هذه المعاملة الشاذة، فقلت في جلسة يوم 25/09/2023 ما يلي:
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة.
قلَّ يوم من أيام جلسات محكمتكم الموقرة لم أتقدم فيه وزملائي بطلب الكلام لنعترض على خطأ فادح أو على انتهاك خطير، أو لنوضح غامضا، أو لنقدم ملاحظة جوهرية لا غنى عنها حفاظا على حقوق موكلنا. وقد دأبتم على معاملة طلباتنا إما بالتجاهل المهين، وإما بالرفض الفج، وإما بسحب الاذن لنا بالكلام سحبا عنيفا وغير مبرر. وفي أحد الأيام هددتموني شخصيا بإلقائي في السجن “نزركك في الحبس”، وفي يوم آخر كررتم ذلك التهديد فقلتم إنكم ستتعاملون مع الأمر وتنفذون القانون إذا بلغ درجة الإجرام! وتفضل أحد زملائي الأعزاء الذين لديهم الحق في الكلام متى شاءوا فتقدم أمامكم بإبلاغ عني دون أن يذكرني بالاسم فقال إن في هيئة الدفاع من يكتبون ويسجلون… ولم تسمحوا لي بالرد على تهديداتكم المخالفة لجميع الشرائع والقوانين، ولا على إبلاغ زميلي العزيز؛ وإني لأعترف أمامكم أني أكتب وأصرح وأسجل. وهذا حقي الذي تحميه جميع الشرائع والقوانين! ولن أتنازل عنه!
وفي يوم آخر اقترحتم علي أن يتكلم غيري من هيئة دفاع الرئيس، وكأن الضجر قد بلغ حد عدم احتمالكم سماع صوت منسق دفاع الرئيس. الأمر الذي جعل إحدى بناته تسألني مستغربة عما إذا كانت بيننا عداوة قديمة! وقبل ذلك بأشهر، طلبتم من موكلي أن يغير دفاعه، وكأنكم نسيتم حرية اختيار المدافع المنصوصة في المادة 7 من قانون التنظيم القضائي!
وكنت ألوذ في كل مرة برصيد من الصبر، عملا بقول الله تعالى: ﴿وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور﴾!
ولكن الأمر تطور إلى الأسوأ في جلستكم الأخيرة حين أهنتموني وأسأتم إلي إساءة علنية سجلتها الصحافة ونشرتها، حين قلتم لي وأنتم في حالة غضب وضجر: “أنت تفضح نفسك بنفسك” ولم تقدموا دليلا واحدا على دعواكم. اللهم إلا إذا كان طلبي الكلام لأمارس حقي في الدفاع عن موكلي.. وهو حق مقدس ومنصوص وثابت! وقد نبهكم نقيب المحامين بلباقة وحزم على أن هذا الحق ثابت وعليكم احترامه.
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
إن هذه الإهانة المجردة لا تمثل إساءة إلى المحامي، بقدر ما هي إساءة إلى القضاء، ونيل من هيبته؛ وتشكل خطأ تأديبيا نصت عليه المادة 32 من النظام الأساسي للقضاة في فقرتها الأولى فقالت: “كل تصرف من قاض يمس من الشرف أو يتنافى مع اللياقة والرزانة يشكل خطأ تأديبيا”. وبالتالي فأنا لا أطلب منكم سحبها، ولا الاعتذار عنها إلا في نطاق جبر الضرر الذي ألحقته بمرفق القضاء.
وأكتفي هنا فقط بتنبيه أصحاب الفضيلة القضاة على خطأ وخطورة طريقة التعامل التي يتعاملون بها مع الدفاع في هذه المحاكمة. ولدي ثلاث ملاحظات أريد تسجيلها وهي:
أ. أن صديقي الفاضل وعميدي الأستاذ الطالب اخيار ولد محمد مولود سبق أن صرح أمامكم في هذه القاعة، بأننا في هيئة الدفاع رجال قانون محترمون في مجتمعنا، ولنا كرامة وسمعة إنسانية ومهنية نود الحفاظ عليها، ولدينا أبناء وبنات وأسر كريمة نسعى ما بوسعنا إلى الحفاظ على شرفها وكرامتها ومجدها التليد، وأن لا نجلب لها العار! يضاف إلى ذلك كوننا نمثل مؤسسة محترمة ومصونة الحقوق هي مؤسسة الدفاع، ونتمتع بحصانة قانونية تكرسها المادة 44 من قانون المحاماة وتقول: “يعد المحامي ضمن أمناء السلطة المشار إليهم في المادة 204 من القانون الجنائي. ويعاقب الاعتداء عليه أثناء ممارسته مهنته أو بمناسبتها أو بسببها بعقوبة الاعتداء على القضاة المنصوص عليها في المادتين 204، 205 من القانون الجنائي. لا يمكن أن يترتب على ما يباشره المحامي من إجراءات لصالح موكله أو ما يبديه من آراء أثناء ممارسته مهنته أو بمناسبتها أي دعوى ضده… وقد سبقناكم بالإيمان والعمل في هذا الحقل بأمد كبير، وشاركنا في عشرات المحاكمات الجنائية برئاسة قضاة فضلاء ومحترمين: محمد الأمين ولد محمد بيب، محمد فاضل ولد محمد سالم، محمد محمود ولد غالي، أحمد محمود ولد محمد الحُمَيْد، محمد الهادي ولد محمد.. وغيرهم، وكان النظام يناصبنا العداء وقتها، فلم نهن، ولم نحتقر، ولم تهدر كرامتنا أمامهم؛ بل عاملونا بكل احترام واعتبار، وبادلناهم الشعور نفسه والمعاملة نفسها.. وكانت مكاتبهم ومجالسهم مفتوحة أمامنا وأمام النيابة على حد سواء! علما بأن القضايا التي رافعنا أمامهم فيها كانت قضايا سياسية خطيرة جدا كما هي هذه القضية! وعليه، فإنه يستحيل علينا أن نقبل في هذا العمر الاستكانة والخنوع لإساءتكم صباح مساء، مهما كلفنا ذلك من ثمن!
ب. أننا لسنا النيابة التي تفسحون لها مجال الكلام دائما، وحتى بدون إذنكم، ولا نمثل النيابة، ولسنا جواسيس ولا نعرف طبقات الجواسيس القدماء والجدد في حقلي القضاء والمحاماة كما ادعى بعضهم أمامكم! ولكننا طرف. وطرف أساسي ومعتبر وحقوقه مقدسة. ومن أجله وجدت المحاكم. وقضاة المحاكم ليسوا موظفين للدولة، ولا سلطة اتهام، ولا طرفا.. بل حَكَم يقضي بالحق، وله حقوقه دون منازع، وعليه واجبات منصوصة من أهمها ما يلي:
– جاء في نص التنزيل: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. إن الله نعما يعظكم به..﴾. وجاء فيه أيضا: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى..﴾.
– وعلى هدي وعدل ما جاء به رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم من عند ربنا، كان التبين والتثبت فريضة، فقال جل من قائل: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..﴾. وقد جاء رجل إلى الخليفة عمر يشتكي وقد فقئت عينه. فقال عمر لأصحابه: انظروا من فقأ عينه، فقد يكون فقئت عيناه.
– وفي رسالة الخليفة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، وهي منشورة، ومنحوتة بساحة هذا القصر عند مدخل هذه المحكمة الأيسر، ويرفرف عليها العلم الوطني.. ورد ما يلي: “آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك (والشريف هنا هو النيابة وجيشها، والضعيف هم المتهمون). البينة على من ادعى واليمين على من أنكر… ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهُديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل… وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم، فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذكر”!
– وقد عزل الخليفة علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي: بعد ساعة من توليته إياه القضاء، فقال له أبو الأسود: لم عزلتني. فوالله ما خنت ولا جنيت؟! قال: بلغني أن كلامك يعلو كلام الخصمين إذا تحاكما إليك” (من كتاب أدب القاضي لابن القاص).
– وقد سبق أن جادلناكم بما نصت عله المادة 7 من قانون التنظيم القضائي فلا داعي للاحتجاج بها من جديد. وكذلك المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية!
– وجاء في المادة 32 من القانون الأساسي للقضاة في فقرتها الثالثة: “كل قاض يمتنع عن تطبيق القوانين والنظم المعمول بها يكون قد ارتكب خطأ تأديبيا جسيما يمكن أن يعرضه للعقوبة الواردة في البند السابع من المادة 34 من هذا القانون”.
ج. إن دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز يدعوكم إلى تجاوز الماضي والتعاون لإصلاح وتسيير ما بقي من هذه المحاكمة، وفتح صفحة جديدة عنوانها تحكيم النصوص القانونية والشرعية، إذا كان ذلك ممكنا. أما إذا استحال بسبب وجود إرادة مبيتة لإقصائه، وانتهاك الدستور وخرق سنن الشرع والقانون، فإننا نؤكد لكم أننا لن نحابي أو نساوم في ذلك، ولن نقبل أن نكون أداة لتشريع وتبييض ظلم موكلنا. وسننسحب من قاعة المحاكمة حتى يتم تقييم ما اعوج وإصلاح ما فسد، ويكون القانون والشرع الفيصل بيننا!
… وإثر هذه الدعوة الصريحة إلى التفاهم والانسجام وتحكيم القانون ككلمة سواء بيننا، عدتم سيدي الرئيس إلى نفس المربع، فلم تسووا بين طرف الدفاع وطرف النيابة في شيء، وكررتم مقاطعتي خلال مرافعتي، وهددتموني بالمتابعة على قيامي بواجبي في فك رموز هذا الملف الملفق وإظهار الحقيقة أمام محكمتكم الموقرة التي من الواجب والمفترض أن تكون الحقيقة ضالتها المنشودة لا غير! ثم أنهيتم مرافعتي بصورة تعسفية مخالفة لجميع قوانين السماء والأرض!