تانيد ميديا : بيني وبين الشاي علاقة ودية يقارب تاريخها عمري، تخللها جفاء دام عامين لداع صحي ثم عاد الود والوئام.
نشأت على احتساء ما تسئره أمي – رحمها الله- لي من كأسها قصدا، ومع الوقت أصبحت ذا كأس مستقلة، وبعد وفاتها (وقد قاربت البلوغ) واصلت التعلم عامين كانت إقامتي فيهما مع أختيَّ (2) وخالي رحمهم الله، وعمتي حفظها الله، فلم يتغير شيء بهذا الخصوص، لكن لم أجرؤ على مواجهة أبي بشرب الشاي إلا أواخر سنة 1981 (وقد قاربت العشرين) فقد كان يرى آنذاك في شربه سوء أدب (يسقيه الآن لصغار أحفاده بنفسه!) وبمرور الأيام تشعبت بي دروبه وتعددت مذاهبه فقادني إلى ما لا يخلو من غرابة.
في أحد شهور سنة 1984 اختفى الشاي الجيد أياما فلم يبق إلا فئة 8135 ولها طعم منفر، وكنت أرى “لبتون” في المتاجر مكتوبا عليه أنه شاي أخضر، وأسمع المسنين يسمونه “نيگرو” فترَكّب عندي أنه نظير للشاي العادي من الاسم ومن حكايات دائرة على الألسن وأمثال مضروبة (“أخدم من نيگرو” مثلا) فرأيت أن في استخدامه إحياء للتراث الوطني.
أخذت عُلَيْبة منه، ولم أكن قد رأيت طريقة تحضيره من قبل؛ لذا فككت الغشاء الخارجي فوجدت بداخله آخر مغايرا شبه شفاف يمتد منه خيط طويل ثبتت بطاقة في طرفه. لم أفهم وظيفة الكل ولم أفكر فيها؛ فالشاي هو الشاي. شققته عن شبه مسحوق وصببت محتواه في الإبريق وغليته فجاءت الحصيلة خليطا غريبا من جزيئات “لبتون” التي تضاعف حجمها بفعل البلل والغلي، وعَجَزَ صمام الإبريق عن عزلها فجاء الناتج بعيدا عن أي مشروب يمكن تصوره، ووجدت صعوبة في تنظيف الأدوات من عوالقه!