الى جدار الصد الأمريكي
تانيد ميديا : قد تستغرب كيف لعاقل ان يخاطب جدارا أصم، ثم كيف لهذا العاقل المفترض ان يطير بحروفه العربية الى منتهى عالم لايعرف من الحروف العربية الا تلك التي تشكل كلمات كالارهاب والنفط والكرم والغباء،لكنها شطحة لبائس يائس محبط وهو يرى ان خلاص بني وطنه مرهون بتخطي سور أخشب قوي طويل..
أيها الواقف عنجوجا مدججا أمام أبنائنا، ترفق، فهؤلاء من طينة غير التي ألفت،أبدانهم ضعيفة وبطونهم رخوة وقلوبهم طيبة كعضلاتهم الضامرة، ثم ان طموحاتهم لن تصل حد التهريب والسير في الأنفاق وتبادل الطلقات مع شرطة الحدود او مكافحة المخدرات..هؤلاء بسطاء جدا، وفي أقصى امانيهم بند مهم هو العودة بعد سنتين بآلاف قليلة من الدولارات وعضلات منهكة وكورولا، لكن بشرف،هؤلاء طيبون لحد السذاجة،انهم اضافة نوعية للبلاد التي تستدبرك،ولولا انها آمريكا لغيروا من سلوك أهلها نحو الطيبة والكسل الزائد والاتكالية،غير انهم قطرة في محيط، لهذا اتركهم في حال سبيلهم،اصغر قليلا ليكبروا،تلطف ليعبروا،ولاتدق أعناقهم، فقد دقها الآثمون من أبناء جلدتهم..أيها السور العظيم،هؤلاء ضحايا فروا من العذاب والتنكيل والتهميش والاقصاء والتجهيل،والحرمان من خيرات ارض أسلاف لهم عاشوا فيها واكتشفوها واتخذوها موطنا لهم على وطاء أرضي وتحت غطاء سماوي،ورغم العناء عاشوا، وشيدوا وعلموا وحاربوا وسلموا الحلم بالاستمرار لأقوام عاثوا فسادا ونهبوا وتملكوا وقضوا على نواة الأمل بميلاد انسان كامل الانسانية في دولة ووطن..ايها الجدار،انه من العار الكذب حين نخاطب الحجر والاسمنت المسلح،فلاسبب لذلك،لهذا لن نكذب عليك: ان الذين يقفون تحت ظلك الآن ضحايا فلان او علان،هؤلاء الواجمون وأعينهم غائرة أمام السلالم المهتزة ضحايا لذويهم وأقاربهم من حكام وعساكر وأطباء ومعلمين وصحافة ومدونين وشيوخ وعادات وتقاليد،فالجميع اسهم في تدميرهم وقتل الأمل فيهم.
ايها الجدار العازل ليتك تتابع التلفزيون عندنا وحملة الأكاذيب التي ستطلق فيه بعد أيام: النظام انجز والبلاد تحولت الى جنة،والانجازات شاهدة،ترى كم مر من استقلال، وكم دشنوا على الشاشات وحتى قبل ظهورها من منجز،ولم يصمد منجز واحد لشهرين بعد “الاستغلال”..حقا،ماذا لو أننا جميعنا ذهبنا الى الحائط الحدودي الذي يحمي آمريكا من البطون الغرثى و صولات الجياع،ماذا لو أننا حملنا متاع الدنيا الذي نملك، وتركنا هذه الأرض للعصابة التي تتناوب على اغتصابها..سيسجل التاريخ أننا أول شعب يفر و يهاجر تاركا بلده لزمرة بئيسة، وسيسجل التاريخ انهم اول عصابة تحكم لاشيئ وتستمتع بلاشيئ، وتتبجح على لاشيئ،ويشتري قادتها الحقائب الجلدية لنسوتهم للتباهي أمام اللاشيئ،وسيسجل التاريخ كيف انهم اقتتلوا فيما بينهم ثم قرروا اللحاق بالشعب في مهاجره،ومتى وصلوا الجدار لم يتمكنوا من التسلق وارتعدت مفاصلهم، اذ هزهم الجدار الغاضب هزا،وأزهم أزا،ثم رماهم الواحد تلو الآخر بين لصوص “تيخوانا” او تماسيح نهر “سوشيات” في عنق المكسيك.. تاهوا وتفرقوا أيدي سبأ..وفي كل مرة يصادفك رجل مختل يتسول برطاناتنا في الحانات والمواخير ويسأل بعضَ مايجود به الخارجون من سكرة او نشوة تأكد بأنه من بقايا عاد وثمود،هؤلاء الذين لفظهم ذات مرة جدار بلامشاعر ولاقلب،لكن بحدسه عرف كم كانوا سيئين.
رحل اولادنا تباعا الى المكسيك عبر طرائق معقدة،قدموا الى تلك الأرض لاليلعبوا في وادي الحجارة كرة القدم،ولاللبحث عن تسديدات بن امبارك،او ثورة خيري، وانما ليتسلقوا أملا ضعيفا بحياة أفضل..حين يجلس أحدهم في محطته الأخيرة ويتردد ثم تحاصره الوساوس والخوف يتذكر أمه وهي تصارع المرض أمام عيادات خاصة بالخاصة، فيتقدم خطوة يسمع بعدها صدى سعال والده في العريش فيتقدم أخرى،ومتى اقترب أكثر تخيل أخته وماتتمناه مما لدى بنات المفسدين من مالها وماله،ثم تذكر نفسه وحاله حين يبقى في الظل بعد ان دفع كل ماجمعه للمهربين،بلاشك سيسلم نفسه للسلالم الهزازة،وفي الارتقاء مراتب عدة،ارتخاء واغفاءة وأحلام قد تنتهي بالموت،لكن قد تنتهي بجلسة قرفصائية في الفردوس الأمريكي..هل يقدم انسان عاقل على هذا الأمر؟
لا أعتقد،لكن الانتحار على أسوار الحياة الكريمة بالنسبة للمحبطين قد يكون أفضل من البقاء في ظل ظلم ذوي قربى يتناسلون بالريح ويتوارثون اذلال غيرهم ووسائل هذا الاذلال من مال مسروق وقيم مسروقة ووجوه أضحت مسروقة هي الأخرى..”مسروق”،أيها الجلاد، اقتلهم جميعا فالسور عظيم ولايمكنه التعاطف مع الذين يفرون غباءً من عصابة ضعيفة الى كارتيلات المكسيك وشرطة الحدود في احدى أسخن بقاع العالم.
*سيقولون :”لاتحاولوا تمثيل هذه اللعبة لأنها تشكل خطرا على الحياة”..تماما كما يكتبون عبارة “السجائر تضر بصحتك” وهم يصنعون منها ملايين الأطنان سنويا..اذهبوا الى الجحيم.
الكاتب والإعلامي الموريتاني
محمد الأمين محمودي