التهدئة القائمة.. وفرصة التشاور المهدورة / المختار محمد يحيى
في محيط جيوسياسي وإقليمي دولي يمتاز بالصعوبة نظرا للظروف الصحية العالمية والتأثيرات الأمنية التي هددت الاستقرار في عدد من البلدان الجارة والصديقة، وفي ظل حرب بين معسكرين دوليين أثرت اقتصاديا بانعكاساتها السلبية، استطاعت بلادنا الحفاظ على سلامة الوطن من التهديدات الأمنية بفضل سياسات حكيمة، كذلك اتخذت الإجراءات الاقتصادية لدعم البنيات الاجتماعية الهشة، وإرساء هدوء سياسي واجتماعي مؤات لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
ولعل البلسم الوطني الذي أسهم في خلق الجو الملائم لبناء الدولة والتأسيس لعمل حكومي قائم على الدراسة والتخطيط اللازمين للتقدم والنهوض، كان وضوح الرؤية التي تحلى بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني والذي جعل من التشاور البناء والأخذ بالآراء سنة وطنية، كما تمثل في انفتاح مؤسسة الرئاسة منذ أول يوم باستضافة مختلف الرموز الوطنية والقوى الحية الفاعلة في السوح السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما جعل الوطن ينعم بجو هادئ وانسجام سياسي واجتماعي، عائد إلى الثقة في توجهات النظام الجادة في الإصلاح والبناء، والتأسيس لعهد جديد يقوم على المكاشفة والمصارحة قصد علاج الخلل، وبناء مؤسسات الدولة على أساس قويم من الشفافية والحكامة واحترام القانون.
فكان استعداد فخامة رئيس الجمهورية لتلبية نداء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان لعقد تشاور وطني الدليل الواضح على السير بإيجاب في كل طريق تدعم المشهد السياسي القائم على التوافق، بالرغم أن رئيس الجمهورية يحظى بأغلبية مريحة، نابعة من انتخابه من غالبية الشعب الموريتاني، وبالرغم من عدم وجود أية أزمات سياسية، واستمرار جو الهدوء الذي أسس له التعاطي الرئاسي مع مختلف آراء ومطالب القوى الوطنية.
إن ذلك الإستعداد الذي عبر عنه رئيس الجمهورية لتبني التشاور تمت ترجمته بشكل جدي وحازم في: التعهد بتنفيذ مخرجات أي تشاور وطني توافقي، والتعهد بتنظيم التشاور بمشاركة الجميع وبطرح مجمل القضايا الوطنية الكبرى على طاولته، وهو ما كان له أن يفسح المجال للجميع للمشاركة فيه بكل ثقة نظرا لإزاحة كل العقبات نزولا عند طلب المشاركين وتنازلا عن المواقف تشجيعا للتشاور الذي تتخذ منه السلطات العليا أسلوبا لا غنى عنه في التغلب على التحديات.
وبالرغم من أن الأغلبية الرئاسية ليست هي من طلب التوجه إلى التشاور فقد كانت جادة في مسعاها للمشاركة، تماشيا ومواكبة للإرادة الجادة لدى السلطات العليا ممثلة في رئيس الجمهورية الذي انتخب بغالبية أصوات الشعب الموريتاني ويحظى بدعم الأغلبية، لكن قطب التناوب المحسوب على المعارضة اختار الانسحاب من جلسات التحضير دون أي مقدمات، كما عبرت جهات أخرى عن رغبتها في إبطاء سير التحضير للتشاور مما مثل نكوصا واضحا لدى أطراف كان لها أن تشارك بحثا عن المصلحة العامة للبلد، بدل ضعفها أمام كبح رغبتها في الحصول على مزايا ومنافع فردية وشخصية لا تنتمي إلى ثقافة ونبل الطبقة السياسية الوطنية.
إن الرغبة في مشاركة الجميع هي الأساس والشرط الرئيسي لإطلاق تشاور وطني حقيقي، وما دام هنالك من بين المعارضة من لا يهتم بهذا الهدف الوطني، فإن قرار تعليق التشاور كان قرارا صائبا، باعتبار أن من دعى للتشاور في البدء ليس الأغلبية، ويجب أن يترك مجال التحضير للتشاور في الوقت الراهن، حتى تكون مختلف الجهات المشاركة فيه على نفس مستوى الجدية الذي تمتعت به السلطات العليا للبلد وأغلبيتها الداعمة.
وتكون بذلك قوى المعارضة الوطنية قد فشلت في بناء موقف موحد جدي للمشاركة في تشاور حصلت على الضوء الأخضر لتنظيمه وبرعاية من رئيس الجمهورية، وتكون قد خسرت وهدرت فرصة هامة للتنادي لتشاور وطني يسهم في الخروج بتوافق وطني حول القضايا الكبرى، ويمهد لإجماع وطني يدعم السير الحثيث لبناء نهضة اقتصادية وتوطيد دعائم الديمقراطية.